هل يؤثر رحيل أوباما على الأزمة السورية؟

د. خيام الزعبي

الأزمة السورية الراهنة هي نتاج الرؤية الأميركية للشرق الأوسط، ذلك أنّ دمشق كانت تحدّياً إقليمياً لأميركا وحلفائها، حيث كانت واشنطن تسعى إلى إسقاط نظام الأسد وإحداث الفوضى في بعض بلدان المنطقة، بدلاً من أن تبادر إلى تقديم أفكار إيجابية تسهم في حلّ الأزمة السورية، ذهبت إلى الحدود القصوى في التهيئة لتقسيم وتجزئة سورية، وفي هذا الإطار وضعت على جدول أعمالها تأجيج نار الحرب الأهلية، وبذلك أصبحت أميركا لاعباً أساسياً في خلط الأوراق في البلاد لتصفية حساباتها مع الخصوم، فعلى ما يبدو أنّ الحرب المستمرة بكلّ تفاصيلها، وضعت المنطقة برمّتها على صفيح ساخن جداً، وأمام مرحلة تاريخية جديدة، يبادر فيها الغرب وحلفاؤه إلى التآمر على سورية التي أشعلوها مجدداً.

في سورية اتجهت أميركا في المجالات الدبلوماسية نحو سياسات النفاق والخداع، فلم تخرج استراتيجيتها عن تسليح المجموعات المتطرفة وأخواتها من جدول أعمالها، بينما تؤكد في بعض المحافل الدولية على إيجاد حلول دبلوماسية للأزمة، وقد أعلن البيت الأبيض مراراً أنه قدّم الأسلحة للمعارضة المسلحة، ولتحقيق ذلك صادق الكونغرس على مبالغ بهذا الخصوص، ومن جانب آخر أعلن أنه يقبل خطة «جنيف 3»، ويسعى إلى وقف نزيف الدماء، ومثل هذه المواقف تشير إلى أنّ أميركا لا تعلم بالضبط ماذا تريد أن تفعل تجاه سورية، فطريقة تعاطي إدارة الرئيس أوباما مع الأزمة السورية كانت من أهمّ الأسباب التي أدّت إلى استشهاد مئات الآلاف في سورية، وبالتالي فإنّ سياسة أوباما حيال سورية تشبه سياسة سلفه بيل كلينتون تجاه البوسنة والهرسك.

في إطار ذلك لا يمكن أن نفصل ما يجري في سورية عما يحدث في العراق من تدمير ومن قضاء عليه كبلد عربي موحد، ولا يمكن أن نفصل ما يجري في سورية عما يجري في مصر أو ليبيا أو اليمن والصومال وغيرها، كما لا يمكن أن نفصله عن مخططات إشاعة الفوضى والصراعات الداخلية في الدول العربية…

إذاً… هو مخطط واحد يشمل المنطقة العربية كلها، ولا يستفيد منه إلا أميركا وحلفاءها والقوى الطامعة في الهيمنة على مقدرات المنطقة، ولهذا ليس من الغريب أن نلاحظ أنّ أميركا والغرب كلهم يقفون اليوم بكلّ قوة بجانب «داعش» والمجموعات المسلحة في الحرب التي تشنّها على سورية، هم يفعلون هذا لأنهم يدركون أنّ هذه المجموعات المتطرفة تقوم بأحد الأدوار المهمة في مخطط الإبادة الأكبر للمنطقة العربية كلها، ولهذا فإنّ ما جرى في المنطقة وما يزال هو مصلحة أميركية «إسرائيلية» بالدرجة الأولى، وإعادة ترتيب جديد للمنطقة بمشاريع تدويل أزمات داخلية عربية لأنّ سياستها لا يمكنها العيش في منطقة قوية بل تريد تمزيقها وتفتيتها من خلال الركوب على «ثورات» الشعوب العربية لإسقاط أنظمتها.

اليوم تعتزم أميركا والغرب التعويض عن ما ارتكبوه من أخطاء في سورية، ولذلك يحاولون تطويع الأزمة السورية عبر الصيغة الجديدة التي يريدانها، وبناء على ذلك فإنّ اعتماد واشنطن لنهج جديد تجاه سورية لم يأت اختيارياً، بل هو أمر فرض عليها، وجاء نتيجة صمود الجيش العربي السوري ومن بعده محور المقاومة، ومما لا شك فيه أنّ المرحلة المقبلة في الشرق الأوسط، تواجه تحديات وتهديدات كبيرة أمام الرئيس الأميركي الجديد، بسبب نموّ وتطوّر دول على حساب السياسة الأميركية التي رسمها الرئيس أوباما طيلة فترة حكمه للولايات المتحدة، ومنذ دخول الرئيس أوباما إلى البيت الأبيض سنة 2009 والسياسات الخارجية للولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط مشتتة وغير مدروسة، بدليل أنّ دول الشرق الأوسط اتجهت نحو وضع أكثر فوضوية، وتتلخص هذه السياسة إلى خسارة واشنطن لمصداقيتها، وخسارة لقب ما هو أهمّ بأنّ أميركا هي القوة العظمى في العالم، إضافة إلى التهديدات الكاذبة لأوباما التي صدّع رؤوسنا بها في المنطقة، لذلك لا يجب أن يدفع خطابات المرشحين الأميركيين في سباق الرئاسة، دونالد ترامب، وهيلاري كلينتون، إلى الاعتقاد بأنّ ثمة اختلافاً في السياسة الأميركية الرسمية الخارجية، لمن سيتولى منصب رئيس الولايات المتحدة، فقد يكون صحيحاً وجود بعض الهوامش، لكن السياسة الأميركية الاستراتيجية واحدة، وهي الدعم المطلق لـ«إسرائيل» والحفاظ على أمنها وتفوّقها العسكري، ويتضح ذلك من خلال اعتبار كلينتون القدس عاصمة أبدية لـ«إسرائيل»، أما ترامب الذي يعادي المسلمين في أميركا، فقد أصدر في عام 2013 شريط فيديو يساند فيه رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو، أثناء الانتخابات «الإسرائيلية» ودعمه فكرة «الدولة اليهودية»، لذلك فإنّ النقطة الرئيسة، تتمثل في أنّ السياسة الأميركية لا يتخذها أفراد، بل هي نتاج تفاعل بين مؤسسات مختلفة تعبّر عن ميزان القوى داخل النخبة الحاكمة، فهي نخبة لا فرد واحد، بالتالي نلاحظ أنّ السياسة الأميركية على المستوى الإستراتيجي تتسم بنوع من الاستمرارية والديمومة، ومن ذلك الالتزام بأمن وتفوّق الكيان الصهيوني، لذلك لا نتوقع أيّ تغيّر في السياسة الأميركية، والمتابع لسياسة أميركا تجاه سورية خلال الأزمة، يجد أنّ الإدارات الأميركية المتعاقبة اعتمدت سياسة إشغال واستنزاف، فما أن تهدأ جبهة مواجهة حتى يفتحوا له أخرى، كي تنصرف عن الاهتمام بالتطور وامتلاك القوة.

مجملاً… إنّ أميركا المسؤولة عن شنّ ما يزيد على الأربعين حرباً وغزواً في المنطقة والمساهمة في تخريب وتقسيم البلاد العربية وهي صاحبة القواعد العسكرية المتناثرة كالبثور على وجوه بلدان العالم من اليابان الى دول الخليج مروراً بالعراق، عادت إلى المنطقة لتخوض الحرب عبر وكلائها الإقليميين، وقد اخترعت حجة القضاء على الإرهاب كما تدّعي لتجرب أسلحتها الشيطانية على الشعوب العربية، وباختصار شديد، أنه في الاستراتيجيات الأميركية يفوز من يفوز فمسلسل الحروب على الأمة العربية مستمر حتى يومنا هذا، وهي مزروعة في سورية وتوجهها كما تشاء ووفق مصالحها ومصالح حليفتها المدللة «إسرائيل».

كاتب سياسي

Khaym1979 yahoo.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى