توحيد البندقية

جمال الكندي

جاءنا البيان الآتي: تعلن دولة العراق والشام الإسلامية داعش إقامة دولة الخلافة وتدعو المسلمين إلى إعلان البيعة للخليفة الجديد أبو بكر البغدادي انتهى الإعلان. لقد تباينت ردود الأفعال بعد هذا الإعلان من داعش بين مؤيد وهم من البيئة الحاضنة والخلايا النائمة لهذه الجماعات، وبين معارض لتمددها ويحاربها بسبب فكرها الإقصائية والتكفيري. داعش تعلن الخلافة في القرن الحادي والعشرين وتدغدغ مشاعر المسلمين وتحاول إرجاعهم إلى ذلك التاريخ الجميل تاريخ الخلافة الراشدة ولكن على حساب من هذه الخلافة؟ وبأي طريقة يتمّ تحقيقها؟ إنها على حساب دول مستقرة مطمئنة وفسيفساء مجتمع عربي متآلف ومتحاب، يراد من داعش من قبل مشغليه نسف كل ذلك وخلق فوضى جديدة في هذه الدول التي تشرّفت بأن أعلنها داعش أنها ضمن دولة الخلافة الداعشية.

إنها مرحلة جديدة من مراحل الخراب وسفك مزيد من الدماء العربية، فداعش اليوم وغيره معول هدم البنيان العربي المتهالك في الأصل، إنه تقسيم آخر يصيب أمتنا العربية والإسلامية بعد سايس بيكو والمتفرج الصهيوني سعيد ومبتهج لأن في ذلك إضعاف الجيوش العربية التي تواجه المد الداعشي في المنطقة واستنزافاً لقدراتها البشرية والمالية.

المطلوب من داعش وغيره من الحركات الإسلامية إن كانوا صدقاً جاؤوا لنصرة المظلوم وتطبيق شرع الله في الأرض، أن يوحدا البندقية تجاه العدو الأوحد للمسلمين والجاثم على صدور الفلسطينيين منذ أكثر من نصف قرن، ذلك السرطان في الجسد العربي هو الذي لا بد أن ترفع الشعارات الإسلامية وينادى الله أكبر وحي على الجهاد عليه لا على جهاد إخوة العقيدة فهم مسلمون من قبل ومن بعد. أين داعش وأخواتها اليوم لما يحدث في غزة من عدوان صهيوني غاشم، يقتل الأطفال والنساء قبل الرجال؟ أين مقاتليهم الأشاوس أبو حفص، أبو قتادة، أبو البراء وغيرها من هذه الأسماء الرنانة أم هي فقط لقتال المسلمين وذبحهم، من أجل وهم اسمه الخلافة الإسلامية، وما هي إلا مؤامرة لتفتيت الأمة الإسلامية وزيادة جراحها عمقاً. أين الصهاينة في حربكم الجهادية يا داعش، غزة تنزف دماً وأنتم مشغولون بذبح المسلمين ولكن على الطريقة الداعشية.

إن ما يجري في غزة اليوم من عدوان صهيوني بربري، وسكوت هذه الحركات الراديكالية وتصميمها على أن تكون بنادقها تجاه الداخل الإسلامي، وعدم إشارتها من قريب أو بعيد بوجوب الجهاد في فلسطين وإصرارها بأن الجهاد يكون في البلدان الإسلامية عن طريق تغيير أنظمتها الحالية بقوة السلاح يدعونا إلى الحيرة والاستغراب والتفكير لمصلحة من تعمل هذه المجموعات المنتشرة شرقاً وغرباً في الجغرافية الإسلامية.

غزة الحبيبة تضرب بالصواريخ وداعش وجبهة النصرة وغيرهما شغلها الشاغل ضم مزيد من الأراضي إلى حوزتها والتفاخر عبر وسائل إعلام الفتنة اتساع رقعتها ونفوذها، وعلى حساب مزيد من المشردين في سورية والعراق ومزيد من دماء المسلمين، وفي الجانب الآخر دماء فلسطينية طاهرة تسفك فقط لأنها تريد العيش بعزة وكرمة فأين أنت يا داعش من كل هذا؟

غزة تنزف وتقصف والعرب لما يجتمعوا بعد لنصرة الشعب الفلسطيني ونعلم بأنهم حتى ولو اجتمعوا ستكون قراراتهم معروفة نشجب ونستنكر حفظها صغيرنا وشاخ عليها كبيرنا، والغريب أن خلال الأزمة السورية كانت جامعة الدول العربية تعمل كخلية نحل من قرار إلى آخر يدعو إلى إدانة ومعاقبة سورية اقتصادياً وسياسياً، وبلغت الاجتماعات من أجل عزل سورية عن محيطها العربي العشرات، والسؤال ماذا ستفعلون من أجل غزة وهي تحت هذا القصف اليومي الجواب أتركه برسم من يقرأ هذه المقالة.

إن سورية التي تعاقب الآن من قبل الغرب وعملائه، اعترف أحد القادة العسكريين الكبار في الكيان الصهيوني أن صاروخاً أصاب تل أبيب مداه يصل إلى أكثر من 120 كلم، وهو المفاجأة التي أعلنت عنها فصائل المقاومة الفلسطينية، كان سوري الصنع والسؤال هنا كيف وصل هذا السلاح إلى أيدي رجال المقاومة الفلسطينية وسورية تعاني ما تعانيه من خلال أزمتها الحالية، والتي أريد من خلالها قطع علاقة سورية بالمقاومة الفلسطينية واللبنانية. إن العقيدة القتالية لدى الجيش العربي السوري ظلت ثابتة ولم تتغير تجاه فلسطين، فعدوها هو الكيان الصهيوني الغاصب، ومن أجل ذلك عانت سورية من هذا الإرهاب الأسود والذي ما زال يضربها بمباركة غربية وصهيونية وللأسف عربية.

غزة تصرخين فمن يجيبك فداعش والنصرة والجيش الإسلامي في شغل أهم منك إنه قتال الكفرة بحسب توصيفهم، وقتال بعضهم بعضاً، والجامعة العربية العتيدة لم تجتمع إلى الآن وهي في سبات شتوي لا نعلم متى ستفيق منه، فلا ينفع التعامل مع هذا الكيان الصهيوني إلا عبر هذه الصواريخ المباركة التي ستجبرهم على وقف عدوانهم، وهنا لا بد أن نعرف الصديق الحقيقي لقوى المقاومة الفلسطينية والذي يمدها بما يكسر العنت والتكبر الصهيونيين، ويجعل منظومة القبة الحديدية التي يتفاخر بها لعبة كرتونية لا قيمة لها أمام صواريخ المقاومة.

توحيد البندقية مطلوب ولكن قبله لا بد من توحيد القلوب والنفوس والعقول ونزع كل غل وحقد تجاه الآخر، وبعد ذلك نوحد بندقيتنا ونصوبها إلى عدونا الحقيقي، العدو الذي يدمر غزة الآن بآلاف الأطنان من المتفجرات فمتى يحصل ذلك يا ترى؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى