النكبة

بلال شرارة

النكبة هي تعبير عن صورة المشهد العربي من المحيط إلى الخليج في هذه اللحظة السياسية، وليس فقط ما حصل للشعب الفلسطيني الشقيق منذ 68 عاماً عندما تشرّد من أرض وطنه، لأنه حينها على الأقلّ حمل رجل العائلة معه مفتاح باب الدار المفتاح العربي الذي ما زلنا نعلقه بمسمار على الجدار على أمل العودة يوماً . النكبة في واقع الأمر هي التعبير الواقعي عن اليأس وإحباط أماني الشعب الفلسطيني في التحرير والعودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وهو ما نكاد نعترف أنه أصابنا لولا الأولاد الذين يسرقون سكين المطبخ ليطعنوا به جندي الاحتلال. والأولاد راشقو الحجارة الذين يُعمون أعين جنود الاحتلال وقلوبهم الذين يربطون الدروب وأعالي السطوح . النكبة هي الحدود المقفلة بوجه الفلسطينيين الذين يرغبون بالعودة ولو شهداء إلى أرض وطنهم.

النكبة هي في واقع الحروب الصغيرة والكبيرة الجارية داخل أوطاننا أو العابرة لحدودنا بالسلاح والمسلحين.

هي – النكبة – في واقع التفتيت الراهن. في «الإسرائيليات» الطائفية والمذهبية والعرقية التي تنشأ هنا وهناك في الفيدراليات والكونفيدراليات التي نتدافع لترسيمها على مساحة أوطاننا.

النكبة ليست في سقوط حلم العودة الفلسطيني فحسب، بل في سقوط كلّ الشعارات الحرية، الوحدة والاشتراكية و ثأر، تحرّر، عروبة و وطن حر وشعب سعيد و بلاد العرب أوطاني من الشام لبغدانِ و من المحيط إلى الخليج ، وبرّ الشام و… النكبة ليست في تحوّل بعض الشعب الفلسطيني إلى شعب لاجئ داخل أرض وطنه يقيم في مخيمات في الضفة الغربية وقطاع غزة ولا في تشرّده إلى دول الطوق وأصقاع العالم. بل في وقوع شعوب المنطقة في صفة التشرّد واللجوء والنزوح نفسها، وتحويل شعوب العراق وسورية واليمن وليبيا شعوباً تتسوّل الأمن والأمان على أرصفة العالم، وتحويل مصر ولبنان والأردن دولاً مصدّرة للموارد البشرية٠

ألم يستخدم الإرهاب التكفيري الوسائل الإرهابية نفسها التي استخدمتها العصابات الصهيونية في فلسطين من ارتكاب للمجازر وحفلات الإعدام الجماعي لممارسة الإرهاب التهجيري؟

الآن لا يستطيع أحد أن يقدّر أعداد اللاجئين أو النازحين من أوطانهم إلى دول العالم، خمسة، عشرة، خمسة عشر ألف لاجئ أو نازح؟ لا يستطيع أحد أن يقدّر أعداد الذين يقعون تحت خط الفقر، ولا يستطيع أحد، مؤسسة وطنية أو دولية أن تقدّر الخسائر المادية الناجمة عن الدمار والخراب الذي وقع ويقع على البنى التحتية وشبكات الماء والكهرباء والهاتف والطرقات.

النكبة في واقع الأمر هي في انحطاط تفكيرنا إلى درجة أننا نريد أمناً وأماناً على مساحة طائفة، مذهب، عرق، جهة، فئة. النكبة هي في تحوّل أحلامنا إلى كوابيس! النكبة هي في انعدام الثقة بين أقطارنا، طوائفنا، مذاهبنا، أعراقنا، قبائلنا، لغاتنا المحكية.. النكبة هي أنّ كلّ واحد منا يرفع علمه، بيرقه الخاص. ينشد نشيده الوطني الخاص، النكبة هي في استيقاظ المشكلات النائمة بيننا وعودتنا إلى عصبياتنا السابقة، النكبة هي في أننا لم نعد نملك مشروعاً لاستعادة استقرارنا وسلامنا الأهلي ووحدة بلادنا شعوباً وأرضاً ومؤسسات، في أننا فقدنا إحساسنا بالوقائع المرة في فلسطين، بتحرير الفلوجة والموصل وبانتزاع حلب من قبضة الإرهاب، بوقف حرب اليمن، بالانصياع إلى أية حكومة أو مجلس نيابي في ليبيا؟ في توزيع السودان إلى جهات وعلى أربعين إثنية، النكبة في أننا في كلّ عام نضيف إلى ذاكرتنا عاماً جديداً من الانتكاسات. النكبة ليست في خرائط وأوطان وقّع عليها كلّ من سايكس وبيكو وليست فيما يُتفق عليه من خرائط نفوذ بين كيري ولافروف. ليست في الأفكار الانعزالية للأكراد، ليست في سقوط رغبة التعايش الإسلامي المسيحي، ليست في استيقاظ الفتنة السنية الشيعية. النكبة هي في ثقافة الهزيمة التي أصبحت نهجاً رسمياً دراسياً وإعلامياً وثقافياً على مساحة مختلف أنماط السلطات والشعوب العربية.

68 عاماً على نكبة فلسطين وقت ليس كافياً ليقظتنا، ولكنه وقت كافٍ لأجيال ولدت بعد أحلام الوحدات العربية التي كنا شهداء من أجلها وشهوداً على سقوطها، وقت مناسب لنهوض أولاد السكاكين وأطفال الحجارة المولودين بعد أوسلو.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى