صباحات
يلتحق القلب ببعضه. فالشوق قاتل والقائد المكتمل لم يولد، فكان نصفان: نصفه عماد رحل، ونصفه مصطفى يترجّل. ولما رحل النصف بقي نصفه يقاتل عن الإثنين حتى كان اللقاء. رحيل سيف المقاومة البتار الشهيد القائد مصطفى بدر الدين. المصطفى من بين الناس ليكون قائداً وبدراً مكتملاً للدين. رحل ذوالفقار وسيفنا سيبقى بشعبتين وبتاراً، وسيبقى عليّ العصر يرسم المعادلات وتبقى سبابته مصدر رعبهم سيوفاً مشرعة، وعيناه منصات صواريخ تهزمهم قبل أن تطلق الحمم. بدمعة حارقة وجبين حزين وكتف جريحة نودّع رفيق سلاح وقائد الصمت والعتمة، وصانع الخطط وعبقري الخرائط ومهندس القوات ومنظّم الجبهات. ركن مؤسّس في جدار المقاومة الصلب منذ عام 1982. ترك والعماد أجيالاً لن تهزم. تنتقم «إسرائيل» لهزائمها، والحرب سجال بل حرب أجيال، وسيكتب التاريخ أنّ الانتقام المؤلم يوجع المنتصر، لكنه لا يصنع نصراً للمهزوم. سلّم على عماد يا مصطفى، وإلى اللقاء، فالمسيرة مستمرة ونصر جديد بشهيد جديد. الأمة تحتاج إلى نصرها وتكبر بشهدائها.
التفاؤل بإشراقة نهار جديد يعني العزم على أننا لن ندعه ينتهي من دون أن نفعل ما يجعله أفضل من الذي قبله. وإلا كان كتفاؤل الأمس تثاؤب الكسالى بالرهان على الحظّ الجالب للأفضل كمن يسير في البحر ويترك مراكبه للريح آملاً في تغيّر اتجاه الريح. بينما لديه على متنه مجاديف التحكم، وعلى صاريته شراع منصوب. فبدلاً من التفاؤل في تغيّر اتجاه الريح، يمكن التحكم بضربات المجداف وتغيير اتجاه الأشرعة.
في حياتنا دائماً مشاكل تتكفّل بحلّ عقدها بذاتها، ومشاكل نقدر نحن على حلّها، ومشاكل لا حلّ لها على الأقل بما بين يدينا. والمتشائم هو من يضع هذه المشاكل أمام عينيه، ويرى الدنيا سواداً وينشر بأحاديثه السواد من حوله. والمتفائل هو من يتفرّغ للمشاكل التي يقدر على حلّها بصمت، ويترك المشاكل التي ستحلّ بذاتها بلا ادّعاء، ويتعايش مع المشاكل التي لا حلّ لها بين يديه بابتسامة. أما المغرور فهو من يتحدّث من دون أن يفعل شيئاً عن قدرته على حلّ مشاكله كلّها.
حاول أن تراجع سنواتك الخمس التي مضت وضع عنواناً لكلّ سنة تختصرها. وافعل ذلك لخمسٍ قادمة كي تتحكم بعنوان جامع لعشر سنين من عمرك. فالنجاح والفشل يفترقان عند منح حياتنا معنى وهدفاً. ولهذا تحسب سنوات التعليم الأجمل لأنها ترسم لنا بذاتها لكلّ سنة هدفاً وعنواناً، وتجمع كلّ خمس تقريباً بعنوان مرحلة. ولهذا نتوه بعدها بين الانتظار والتكرار. فكم من سنوات في مدرسة الحياة نعيدها تكراراً وانتظاراً من دون أن نحسّ أو نعترف بالرسوب. ماذا لو جعلنا العمر سلّماً من مراحل تستكمل سنوات الدراسة نمنحها نحن الأسماء ونقيم لأنفسنا فيها الامتحانات ونتخذ من العمر الافتراضي للثمانين مقياساً، ونقسّم ما بعد الثلاثين إلى عشر حزم من خمس، نمنح لكلّ منها عنوان مرحلة. فنكتشف كم هو العمر الذي يصعب أن نناله قصيراً. ورغم ذلك نتصرف وكأن لدينا دائماً متسعاً من الوقت.
إذا أردت أن تعرف مكانتك عند من تحبّ فلا تحسب عليه الكلمات ولا تكثر من المعاتبات والانتقادات والمطالبات. فالخجل وتفادي الإحراج طبع بعض المحبّين. والانهماك والاطمئنان يحكمان تصرّف بعض الناس. فما عليك إلا أن تطلب إليه منحك وقتاً لتعرض له مشكلة تعاني منها، وتحتاج منه العون والمشورة ومراقبة تصرّفاته وردود فعله، وستعرف حكماً مكانتك عنده، وتكتفي لمرّة واحدة إن كنت صادق النيّة وصافي القلب، وإلا، فأنت مشكلته. وإن أردت المزيد فاطلب منه تضحية لأجلك بحدود ما يملك من ماله أو وقته. واحذر أن تطلب منه تغييراً في سلوكه أو علاقاته. وسيسهل عليك الحكم إن كنت محبّاً، وإلا فأنت المشكلة لأنك تريد عبداً لا حبيباً.
منذ مئة سنة، قسّم الغرب بلاد الشام على أمل أن تعيش «إسرائيل» بأمان. فكانت المقاومة وبدأ أفول زمن القوّة التي لا تقهر، وأمل الغرب في أن تسقط فكرة الدولة في المشرق. فكانت سورية نموذجاً لا يقهر ولا تزال. تقسيم المقسّم سيصيب مملكة الرمال وسلطنة الوهم وتبقى المقاومة وروح الدولة تقاتلان في سورية. بدأ زمان النهضة رغم كلّ السواد، لأن آخر سواد الغرب هو ما يتصدّر علم «داعش» وما بعده بياض فجر وضوء وألوان قوس قزح، يتقدّمها أحمر دم الشهداء، وتضيء ليلها نجمتان خضروان. فإن كانت المئة التي مضت لهم فالمئة القادمة لنا… صباحكم انتصارات.
عندما تبقى شكوى الناس ثنائية ضيق الوقت والملل، فتأكدوا أنهم لا يريدون تغييرها. فهي ليست شكوى بل سلاح يدافعون به في وجه شعورهم بعدم الإنجاز بضيق الوقت وفي وجه عدم إظهار الفرح بالملل. فهم فرحون يتظاهرون بالحزن لأنهم يريدون مزيداً من الاهتمام. فلا تجادلوهم بل اعطوهم وقتاً أكثر. الأوطان أحياناً تعبّر عن هذا طلباً لمزيد من الاهتمام. فإن حدّثتها عن النصر حدّثتك عن عظيم التضحيات. وإن حدّثتها عن التضحيات ذكّرتك بحجم الجحود. قابلوها بالمزيد من الحنان والاهتمام تشعرونها بالرضا.