حزب الله بعد اغتيال بدر الدين: أسئلة عن الثغرات والقدرات؟
روزانا رمّال
بغضّ النظر عن خوض حزب الله أخطر وأدقّ المعارك في سورية، فإنّ الحديث عن تخطي كلّ الانتكاسات التي يتعرّض لها انطلاقاً من ثقة كاملة ودائمة بقدرته على إعادة ترتيب أوراقه من دون الاعتراف بأنّ الاختراق بات يمثل قلقاً لدى قاعدته الشعبية الحريصة على مستقبله وامتداده، فإنّ هذا يعني تقديم الحزب على مذبح الأزمة السورية، وأنّ قادته باتوا صيداً سهلاً في تلك الأرض.
منطق الأرض لا يحكم كثيراً فكرة العلاقة بين المشروع والعناصر الذين ينخرطون فيه، فأرض سورية مثل أرض فلسطين ومثل أرض لبنان عندما تدعو الحاجة، و«الإسرائيليون» تأكدوا بعد دخول حزب الله في الحرب السورية حتمية إيفائه بوعود تحرير القدس، أو ما يدور منذ اغتيال القائد في الحزب عماد مغنية عن رفع احتمال دخول الأراضي المحتلة إلى الجليل إلى سلم أولويات «الردّ المنتظر»، لكن وعلى الرغم من رفع أولوية المشروع على حساب التأويلات والمتاهات العديمة الإفادة، فإنّ هذا يعني ضرورة أن يضع حزب الله كامل ثقله في كشف الثغرات الموجودة لدى جهازه في سورية وإعادة النظر بمسألة «إطالة عمر الحرب» واستغلال «إسرائيل» لمبدأ الإطالة مع حلفائها السعوديين والأتراك أيّ محاولة عرقلة أي مسعى لحلّ سياسي جدي قريب يمكن على أساسه الانتقال نحو مكافحة مشتركة للإرهاب بين الروس والأميركيين في المحافظات التي يستولي عليها «داعش»، وبالتالي نسف كلّ محاولة لتسكير ملفّ شكّل مساحة هامة لاستنزاف الحزب، عناصر وقادة، وخصوصاً أنّ الأجهزة الأمنية «الإسرائيلية» جهدت على مدى سنوات في معرض جمعها لمعلومات عن القادة على الأرض اللبنانية بالاشتراك مع عملائها المحليين من أجل استهدافهم في حرب تموز عام 2006، وهذا ما لم توفق فيه، أيّ أنّ عنوان تل أبيب العريض حينها في اعتبار أول أهداف الحرب «سحق حزب الله» فشل فشلاً ذريعاً وجاء بتكلفة باهظة مادية ومعنوية على الكيان.
أسئلة كثيرة تدور في بال القاعدة الشعبية للحزب القلقة بشكل أكيد على ما يمكن أن يطمئنهم على استمرارية وعافية الحزب في السنوات المقبلة إذا ما طالت الأزمة في سورية، والملاحظ اليوم أنّ الشارع غير مهتمّ للردّ أو الانتقام بقدر ما هو مهتمّ بمعرفة أسباب الخروق، وبقدر ما يعنيه الحفاظ على سرية يتغنّى بها حزب الله يكاد يفتقدها بسبب توسع اللاعبين على الأرض في سورية وكثرة الحاضرين.
بعد اغتيال الأسير المحرّر الشهيد سمير القنطار تحدّث معهد «إسرائيلي» عسكري عن نجاح «إسرائيلي» غير مسبوق في الاختراق الأمني للمنظومة العسكرية والاستخبارية لحزب الله، معتبراً أنّ اغتيال القنطار يأتي ضمن سلسلة اغتيالات استهدفت قادة عسكريين من حزب الله في السنوات الأخيرة. وهنا المقصود السنوات التي تمّ اتخاذ قرار دخول الحزب مباشرة في الحرب السورية إلى جانب النظام والحلفاء.
اختراق المنظومة الاستخبارية والعسكرية للحزب، ظهر بوضوح منذ اغتيال القائد الشهيد عماد مغنية عام 2008 في دمشق، ثم القيادي حسن اللقيس عام 2014، وصولاً إلى اغتيال جهاد مغنية ومجموعة ضباط وعسكريين من الحزب ومعهم عميد إيراني، في بدايات عام 2015 في القنيطرة.
تجمّعت الأسئلة باجتماع الاغتيالات، كيف نجحت أجهزة الاستخبارات «الإسرائيلية» في تحقيق هذا الاختراق العميق جداً، والعثور على قيادي كبير مثل القنطار، واغتياله بصورة محكمة على الفور؟ سؤال وجّهه موقع «والاه» الاستخباري عقب اغتيال القنطار…
ما هو مدى التنسيق «الإسرائيلي» الروسي في هذا الاغتيال فوق الأراضي السورية؟ سؤال يطرحه متابعون كثر ومحللون بين خصوم وموالين، خصوصاً أنّ الحضور الروسي كان من المفترض أن يقلّص مخاطر استهدافات من هذا النوع، على اعتبار أنّ المخابرات الروسية قادرة على إحباط مخططات قبل حدوثها نسبة لمتابعتها الأمنية والتقنية بين تنصّت وتجنيد وتعزيز حضور الخبراء.
السؤال الأهمّ كيف سيواجه حزب الله ثغرات تركها مؤخراً القائد بدر الدين وهل اغتيال عماد مغنية الأول ثم اغتيال اللقيس ثانياً سهّل باقي الاغتيالات؟ بمعنى آخر هل توالي الخروق هو نتيجة تصدّع في جسم الحزب الأمني؟
ماذا يعني أن يتهم حزب الله القوى التكفيرية بالقيام بتنفيذ الاغتيال وهو يعلم أنّ هذه القوى مدعومة «إسرائيلياً»، وانّ الحزب واظب على شرح أهمية العلاقة بين كلّ الأطراف على الأرض السورية والقوى التكفيرية، وكشف أكثر من مرة عن توجه جرحى من الإرهابيين للطبابة في الأراضي المحتلة بترحيب كامل من العدو؟ هل إعلان مسؤولية التكفيريين عن الحادث موقف مقصود من الحزب أو قرار بعدم الرغبة في فتح معركة مباشرة مع «إسرائيل»؟
إلى أيّ حدّ ممكن أن تخدم الحرب بالوكالة «إسرائيل» أكثر من الحزب؟ والى أيّ مدى يمكن ان يستفيد الحزب من الحرب المباشرة مع «إسرائيل» بدلاً من الحرب «بالوكالة»؟
ينتظر اللبنانيون موقف أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله اليوم الجمعة، للتحدّث عما جرى وعن موقف الحزب، وعلى هذا الأساس، وعملاً بجدية التساؤلات من المنتظر أن يكون الخطاب واضحاً وصريحاً ويجيب بالقدر الممكن على هذه الهواجس، من دون تجاهل كلام سابق للسيد نصرالله عن دقة المعركة وطولها ونجاح القوى التكفيرية بالتدمير والخرق…