دردشة صباحية
يكتبها الياس عشّي
اتصل بي صديق وطلب مني أن أعيد نشر مقال ظهر لي في «البناء» قبل أربع سنوات، تحت عنوان «قاموس المبدعين في بلاد الشام»، وها أنا عند رغبته، أعود وأنشره بدون زيادة أو نقصان»:
هل يستيقظ الضمير العالمي ويوجّه رسالة اعتذار إلى ياسمين الشام، ونواعير حماه، وقلعة حلب التي ما زالت جدرانها تختزن أجمل ما أنشده المتنبي «مالئ الدنيا وشاغل الناس» من أشعار؟
وهل تُعقد الخناصر بين كلمة حبّ من هنا، أو قصيدة غزل من هناك، أو من أيّ مكان آخر ما زال شعراؤه وكتّابه أحياءً، ويتوجّهون إلى حمص، ويضعون وردة على قبر ديك الجن؟
وهل يمكن لهذا العالم الغارق في عقليّة الصرّاف، ورائحة النفط، والرسائل القصيرة، ومؤامرات يهوه، والضجيج الإعلامي أن يفهم أبا العلاء في «لزوميّاته» و«رسالة غفرانه»، ويتذكّر بدوي الجبل آخر عمالقة الشعر الكلاسيكي في بلاد الشام؟
بلاد الشام ليست، أيها السادة الكبار، حدوداً مغلقةً، ولا روائح عطر محبوسة في قارورة بلاد الشام نوارس حملت بمناقيرها، يوم كانت تلهو على شواطئ أوغاريت، حرفاً أبجديّاً ذا صوت وأهدته إلى العالم، فكان هوميروس وسقراط وأفلاطون وأرسطو وشيشرون وزينون وفيثاغورث وكلّ من كتب حرفاً في الأدب والعلم والفلسفة.
بلاد الشام هي عبد الرحمن الكواكبي ويوسف العظمة وسلطان باشا الأطرش وفارس الخوري وجول جمّال وعمر أبو ريشة ونزار قباني ومحمد الماغوط وكمال خير بك ويوسف الخال وأدونيس وسعدالله ونّوس وحنّا مينه ومحمود درويش وإبراهيم وفدوى طوقان وفرح أنطون وأحمد فارس الشدياق واليازجيون والبساتنة وجبران خليل جبران وأمين الريحاني والأخطل الصغير وصلاح لبكي وأمين نخلة وخليل مطران وسعيد تقي الدين وسعيد عقل والرحابنة وفيروز وأنطون سعاده الذي ردّد ما قاله يسوع الناصري: «خذوا كلوا هذا هو جسدي، واشربوا هذا هو دمي».
بلاد الشام غادة عمرها سبعة آلاف عام وما زالت الأجمل بين كلّ بلدان الأرض، وما زال الشعراء يتغزّلون بقامتها المنتصبة كالرمح، وبعينيها الجامعتين ألوان البحر والبحيرات، وشموخ قاسيون، وقداسة شجرة الزيتون، وبركة بيادر القمح، وأرجوانيّة شقائق النعمان. منها صدح البحتري الذي «أراد أن يشعر فغنّى»، وفي ميادينها نشأ أبو فراس وقاتل وأُسر وكتب يومياته الحزينة في قصائد سُمّيت بالروميّات، وبين يوم ويوم تضيف بلاد الشام اسماً جديداً ينضمّ إلى قافلة المبدعين.
وربّ متسائل: إلى أين تريد أن تذهب والشام تحترق؟
«أريد أن أذهب، كما قال نزار قباني قبل ثلاثين عاماً ونيّف، إلى أصغر ذرّة تراب في العالم العربي وأقول لها: أنا أحبّك. أريد أن لا يبقى على أرض الوطن العربي، شجرة تحت القمع، أو عصفور تحت القمع، أو كتاب تحت القمع. أريد أن يصبح الحبّ، كالتعليم، مجانياً، فلا يبقى في هذا الوطن رجل لا يعرف أن يقرأ، وامرأة لا تعرف أن تحبّ».
فهل أطلب المستحيل؟