الرئاسة الفرنسية فوق صفيح انتفاضة الشارع
إنعام خرّوبي
قبل أيام، قرّرت الحكومة الفرنسية تبنّي إصلاح قانون العمل المثير للجدل، من دون التصويت عليه في البرلمان، وسط انتقادات شعبية حادّة للقانون.
وأكد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أنه لن يتراجع عن تعديل قانون العمل، رغم التظاهرات الاحتجاجية ضدّه في كلّ أنحاء فرنسا ومعارضة نواب من داخل الحزب الاشتراكي، معلناً استعداده للدفاع عن مواقفه قبل 11 شهراً من نهاية ولايته.
وقال: «لن أتراجع، وهذا القانون سيمرّ»، مؤكداً أنه «يحظى بدعم النقابات المؤيدة للإصلاحات وغالبية النواب الاشتراكيين»، فجاءه الردّ سريعاً على لسان رئيس الاتحاد العام للعمال فيليب مارتينيز الذي قال إنّ الرئيس هولاند لا يتصرّف كرئيس دولة، وهو يرفض الاستماع إلى 74 في المئة من الفرنسيين الرافضين لهذا النوع من الإصلاحات.
وقد زاد تعديل القانون من هشاشة موقع الحزب مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية عام 2017. وفي غياب الأغلبية، أعلنت الحكومة الفرنسية أنها ستلجأ إلى مادة في الدستور المادة 49-3 التي تسمح لها بالاعتماد على مسؤوليتها وإقرار نصها من دون التصويت عليه في الجمعية الوطنية، ما حوّل الشوارع الباريسية إلى ساحة مواجهات بين الشرطة ومتظاهرين من العمال المعارضين للقانون، ووضع البلاد أمام خيارات اقتصادية استراتيجية أحلاها مرّ في ظلّ سعيها إلى تحقيق نمو اقتصادي بنسبة واحد ونصف في المئة هذا العام.
وتتيح المادة 49-3 من الدستور للحكومة تبني مشروع القانون من دون موافقة البرلمان. وقد استُخدمت هذه المادة مرة واحدة سابقاً في عهد هولاند، من أجل تحرير بعض الأنشطة الاقتصادية، بينها تمديد ساعات عمل المتاجر أيام الأحد.
ويرى مراقبون أنّ ما تشهده فرنسا هو أعمق من ثورة اقتصادية. هو ثورة متعدّدة الجوانب مالية واجتماعية وسياسية وديمقراطية ، معتبرين أنّه أزمة بنيوية.
وإذ يؤكد هؤلاء أنّ القانون لا يشكل في حدّ ذاته خطراً على الاقتصاد القومي، فإنهم يرون أنّ توقيت طرحه مثير للريبة، متسائلين: لماذا اختار هولاند هذا التوقيت ليقوم بمثل هذه الإصلاحات ولم يفعل ذلك في بداية عهده؟ فقد اتضح للفرنسيين أنّ كلّ الوعود التي أغدقها على الناخبين كانت كذبة كبيرة وهذا ما جعل الفرنسيين يثورون على هذا الوضع، وبذلك أصبحت الحكومة الفرنسية حكومة مع وقف التنفيذ، لأنّ أحداً لا يريد لها أن تنهار في هذا الوقت بالذات وقد دخلت فرنسا، مبكراً، في سباق نحو انتخابات نيابية ورئاسية ستجري العام المقبل، ولا يمكن لأحد التنبّؤ بنتيجتها، خاصة أنّ فرنسا شأنها شأنُ معظم الدول الأوروبية تعيش أزمات مماثلة بسبب الاتحاد الأوروبي الذي لا يَعِد المواطنين الأوروبيين إلا بالتقشّف وانخفاض القيمة الشرائية وانسداد الأفق.
من جهة أخرى، يخشى البعض أن يكون قانون العمل الجديد مدخلاً إلى انفجار الوضع العام في فرنسا، إذ يرون أنّ المشكلة ليست في القانون وبنوده غير الشعبية بل في بنية الاقتصاد الفرنسي والمشكلات الاقتصادية والمعيشية التي تعاني منها فرنسا، خصوصاً ارتفاع نسبة البطالة والتضخم وتراجع النمو. وبحسب الأرقام المعلنة، هناك أكثر من ثلاثة ملايين عاطل عن العمل، في وقت تشير المعلومات إلى أنّ هذا العدد يتجاوز الخمسة ملايين، كما أنّ الضغط الضرائبي الذي لم تشهده فرنسا من قبل يدمّر النسيج الصناعي والاقتصادي في البلاد والحياة السياسية الديمقراطية، والإصلاح الذي تنشده حكومة هولاند لن يوفر فرص العمل للعاطلين، بل سينتج عقود عمل هشة لا تراعي مصلحة وحقوق العمال ولا توفر لهم الأمان الاجتماعي.
ويفسّر المراقبون محاولات تمرير هذا القانون من دون موافقة البرلمان بأنه نوع من التواطؤ بين الاشتراكيين واليمينيين. فسياسة هولاند لطالما كانت سياسة ليبرالية متطرفة، وفي حين تؤيد نسبة 10 في المئة فقط ترشح هولاند مجدّداً، يبدو المزاج العام في فرنسا اليوم رافضاً لليمين ولليسار بشكليهما الحالي، ويعتبر الفرنسيون أنّ الأحزاب لا تعمل، وهي على أبواب الانتخابات، من أجل مصلحة المواطن، بل وفق استراتيجية ربح الانتخابات. وهذا ما أدّى إلى صعود التيارات المتطرفة، يسارية كانت أم يمينية، لكنّ النظام الانتخابي الفرنسي القائم على الأكثرية وعلى تحالف الأضداد لن يسمح لهذه القوى الصاعدة بالوصول إلى السلطة وأمام تكرار هذا الفشل الانتخابي لجأ الفرنسيون إلى الشارع.
وبحسب الإحصاءات، وفرت فرنسا بين عامي 2013 و2015 نحو 57 ألف فرصة عمل فقط مقابل 482 ألفاً في ألمانيا و651 ألفاً في إسبانيا و288 ألفاً في إيطاليا، وبذلك لن يكون القانون الجديد بمثابة الوصفة السحرية التي ستزيد فرص العمل وتحيي الاقتصاد، وفي وقت تقول الحكومة إنّ تعديل قانون العمل يهدف إلى جعله أكثر مرونة لمكافحة البطالة المستشرية، بعدما بلغت 10 في المئة، يقول معارضوه إنه يصبّ في مصلحة الشركات، وقد يضعف الأمن الوظيفي، وإنه سينتج وظائف هشّة من دون حدّ أدنى للأجور ومن دون ضمانات، باسم التنافسية.
وكان هولاند ربط ترشيحه لولاية جديدة بخفض البطالة وهو يدافع عن مسعاه للجمع بين «الأمن الوظيفي للشباب» و«المرونة لدى الشركات»، من خلال مشروع القانون، لكنه لم ينجح في إقناع الشباب. كما أنّ صياغة المشروع السريعة وفشل وزيرة العمل الفرنسية مريم الخمري في تقديمه أمام الرأي العام وإقناع النقابات العمالية به كانا وراء رفضه من قبل غالبية الشعب الفرنسي ما دفعه إلى الخروج بتظاهرات عمّت البلاد. وفي هذا السياق، يرى المتابعون أنّ المطلوب، بدلاً من اتخاذ هذا النوع من الإجراءات التي لا تُغني ولا تُسمن، هو إعادة النظر في القوانين الليبرالية التي تصنع في بروكسل وتحكم الاتحاد الأوروبي.