ما خفي كان أعظم
عبد الحكيم مرزوق
هل كان رفض البيت الأبيض مؤخراً لمشروع القانون الذي أقره مجلس الشيوخ الأميركي والذي يسمح لأسر ضحايا هجمات الحادي عشر من أيلول بإقامة دعاوى قضائية ضدّ السعودية للمطالبة بالتعويضات مستغرباً، في ظلّ السياسة التي تتخذها الإدارة مع السعودية والتي تحمل الكثير من المؤشرات التي تؤكد أولاً وأخيراً أنّ السعودية هي أداة من أدوات الإدارة الأميركية في تنفيذ سياساتها الاستعمارية في المنطقة العربية.
فمملكة الرمال الغارقة في التآمر على سورية وفي تمويل ودعم الإرهاب والإرهابيين وإرسالهم إلى سورية لم تقم بهذا الدور من تلقاء نفسها بل بتوجيه وبمباركة أميركية واضحين لفرض هيمنة القطب الذي لم يعد وحيداً في العالم، والإدارة الأميركية لم تتغاض عن حقيقة تورط النظام السعودي في تلك الهجمات لسواد عيون المملكة المحتضرة بل لأنّ أركان المملكة هم أدوات رخيصة ويتحركون كالبيادق بإمرة بعض موظفي الإدارة الأميركية وينفذون رغباتها في المنطقة، وإن كنا نسمع بعض التصريحات لصغار المملكة فذلك ليس سوى نباح في كهف لا أحد يسمعه لأنه لا يسمن ولا يغني، فصبيان المملكة أعجز من أن يقوموا بتنفيذ أي قرار قد تتخذه المملكة إذا لم تكن هناك مباركة أميركية على تلك القرارات.
وإذا كان ثمة من يقول إنّ الإدارة الأميركية تحافظ على علاقتها بمملكة الرمال حفاظاً على العلاقات التجارية والاقتصادية والجيوسياسية التي تجمع الولايات المتحدة بالسعودية، فإنّ وكالة الاستخبارات الأميركية أكدت في آخر تقرير لها أنّ استثمارات السعودية هي 117 مليار دولار وليس 750 مليار دولار وهذا يعني أنه مبلغ مالي لا يشكل شيئاً أمام قوة وحجم الاقتصاد الأميركي، لذلك لم يعد نظام بني سعود يتحدث عن سحب الأموال لأنّ هذا التهديد سيزيد من تصلب الأميركيين، والمعروف أنّ المملكة غير قادرة على ليّ ذراع الولايات المتحدة الأميركية، فالسعودية في الواقع ليست دولة بذات الثقل الذي يمكن أن يؤثر على قرار الإدارة الأميركية وهي أولاً وأخيراً دولة لا تعني شيئاً سوى أنها مأمورة وليست لديها القدرة على اتخاذ قرار قد يكون له تأثير على المنطقة العربية وهي إضافة إلى كلّ ذلك تبدو لاهثة وراء الانبطاح في حضن الأميركيين و«الإسرائيليين» وقد أصبحت في الآونة الأخيرة لا تخفي تعاونها مع الكيان «الإسرائيلي» الذي يحتل فلسطين ويقوم يومياً بقتل أهلنا في فلسطين ويدمر بيوتهم ويرتكب المجازر اليومية. كشفت المملكة القناع عن وجهها وبعدما كان التعاون من تحت الطاولة أصبح علنياً من دون أن يشعر أمراؤها وملكها بأي خجل من السياسة التي تنتهجها بلادهم في المنطقة العربية، خاصة دعم الفصائل الإرهابية الوهّابية التي صدرتها الرياض إلى كلّ أنحاء الوطن العربي، خاصة سورية لإسقاطها خدمة للمصالح الأميركية الصهيونية في المنطقة بهدف تدمير وإضعاف محور المقاومة الذي أصبح له دور هام في الحرب ضدّ الكيان «الإسرائيلي» الجبان، فـ»إسرائيل» لم تستطع عبر السنوات الماضية أن تهزم المقاومة في الجنوب اللبناني وسقطت هيبتها تحت أحذية المقاومين الأبطال الذين نالوا من هيبة الكيان «الإسرائيلي» و جيش النخبة في أكثر من حرب خاضها في الجنوب اللبناني.
بعد كلّ تلك الحيثيات، هل يمكن أن تقف الإدارة الأميركية ضدّ آل سعود أم تدعمهم وتدعم إرهابهم الذي يخدم مصلحتها في المنطقة العربية؟ فقد أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما معارضته لمشروع القانون الذي نظر فيه الكونغرس ويجيز للقضاء الأميركي محاكمة مسؤولين سعوديين بسبب مسؤوليتهم عن هجمات الحادي عشر من أيلول على مركز التجارة العالمي ومبنى وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» بعد أن هدّد النظام السعودي قبل أسابيع بسحب أصول مالية في الولايات المتحدة الأميركية، فهل أصبح آل سعود أقرباء لأبي حسين أوباما؟ أم أنّ الوقائع غير ذلك… وهي لا تعدو كون الإدارة الأميركية التي أوجدت «داعش» ورعته هي راعية للإرهاب ومن يدعم الإرهابيين، فلا يمكن للكلب أن يعضّ ذيله لأنه جزء منه والسعودية أصبحت جزءاً من الدول الإرهابية والداعمة للإرهاب ليس منذ عام أو عامين، بل منذ زمن طويل وما خفي كان أعظم…
كاتب وصحافي سوري
marzok.ab gmail.com