غزة والهدنة الجديدة: من يربح معركة المفاوضات؟
حميدي العبدالله
تم التوافق مجدّداً على اقتراح مصري بوقف إطلاق النار لمدة 72 ساعة لأجل استمرار المفاوضات غير المباشرة والوصول إلى اتفاق حول التهدئة الدائمة.
واضح أنّ مصالح الطرفين دفعتهما إلى الموافقة على الاقتراح المصري. العدو الصهيوني الذي أعلن قادته أنهم لن يفاوضوا في ظل استمرار إطلاق الصواريخ على الكيان، تمنحهم الهدنة فرصة العودة إلى المفاوضات كأنهم حققوا شروطهم، والطرف الفلسطيني يحقن دماء المواطنين ويحول دون سقوط المزيد من الشهداء والجرحى ووقوع المزيد من الدمار، لكن من دون رفع سيف العودة إلى إطلاق الصواريخ إذا لم تستجب حكومة العدو لمطالبه المشروعة.
لكن الأمر الأهمّ من المصالح والحسابات التي أملت على كلا الطرفين القبول بوقف إطلاق النار لمدة 72 ساعة يكمن في السؤال الآتي: هل يقود وقف إطلاق النار إلى نجاح المفاوضات هذه المرة، وتحقيق الفلسطينيين مطالبهم، وتوازي نتيجة هذه المواجهة حجم التضحيات التي قدمها الشعب الفلسطيني؟
أولاً، حتى هذه اللحظة توافرت للطرف الفلسطيني شروط لم تتوافر في أي مواجهة سابقة، ومن أبرز هذه الشروط وحدة الموقف الفلسطيني ووجود مصلحة مشتركة لجميع الأطراف الفلسطينية، خاصة فتح والسلطة وحماس، في تحقيق جميع المطالب التي طرحها الفلسطينيون كشروط للعودة من جديد إلى التهدئة. ولعلّها المرة الأولى منذ اتفاقات أوسلو، بل منذ مفاوضات مدريد عام 1991، يتفق جميع الفلسطينيين على مطالب موحدة في مواجهة الاحتلال «الإسرائيلي» والقوى والجهات الدولية والعربية والإقليمية الداعمة له، ومن أبرز هذه الشروط أن المقاومة تملك قدرات عسكرية وبنية تحتية عسكرية تؤهلها لخوض حرب استنزاف ضد العدو تمتد لأشهر وليس لأسابيع، إضافةً إلى قدرات عسكرية تهدد بإحداث شلل في مناطق واسعة من الكيان الصهيوني الغاصب. وبديهي أن هذه الشروط ستكون ذات تأثير كبير في مجرى المفاوضات غير المباشرة، وفي النتائج التي يمكن التوصل إليها عاجلاً أم آجلاً.
ثانياً، يواجه الكيان الصهيوني مأزقاً حقيقياً في مواجهة المقاومة، ويتجلى هذا المأزق بعناصر عدة أبرزها عدم قدرته على شن عدوان بري بعد تجربته المحدودة في التوغل في المناطق الآهلة والخسائر الكبيرة التي تكبدها إذ خسر 64 جندياً قتيلاً و1620 جندياً جريحاً. أما استمرار العدو الصهيوني في قصف المناطق الآهلة في غزة وارتكابه جرائم بشعة في حق المدنيين فإنها تؤلب الرأي العام الدولي ضده، ولعل حجم التظاهرات التي تخرج كل يوم سبت في أوروبا والولايات المتحدة وأستراليا منذ شن العدو عملياته ضد غزة، خير دليل على ذلك، وتشكل هذه الجرائم عنصراً آخر من عناصر مأزقه، كما أن العدو لا يستطيع احتمال استمرار مستعمراته في النقب، تحت وابل الصواريخ التي يصعب على «القبة الحديد» اعتراضها، إضافةً إلى الإرباك الذي يتركه إطلاق الصواريخ على منطقة «غوش دان» بما في ذلك مدينة «تل أبيب»، و«مطار بن غوريون» في اللد، وهو العنصر الثالث في المأزق الصهيوني.
الشروط المتوافرة للطرف الفلسطيني وعناصر المأزق الصهيوني تتيح فرصة حقيقة للمقاومة الفلسطينية لتحقيق مطالبها، بما في ذلك فتح ميناء ومطار ورفع الحصار عن قطاع غزة، وفتح المعابر، خاصة معبر رفح، من دون تقديم التنازلات التي يسعى العدو الصهيوني وحماته في الغرب وفي المنطقة العمل إلى تحقيقها.