ضرب السياحة المصرية بالطيران المدني
بشير العدل
لا تزال الحرب مستمرّة على بلادي مصر، وهو ما يجب أن تتنبّه له الدولة، وتعمل جاهدة على مواجهته وإلحاق الهزيمة بقوى الشرّ التي تتربّص بمصر الدوائر في الداخل والخارج، وتريد النيل منها، سواء بإرهاب الحديد والنار، أو بضرب الاقتصاد القومي، وهو ما يجب أيضاً أن تعيه وسائل الإعلام المختلفة، التي يجب عليها أن تقوم بدورها ومسؤولياتها الوطنية والمهنية من أجل دحر الإرهاب، وأن تساعد مع أجهزة الدولة وتساندها في جعل تدمير الإرهاب في تدبيره.
فبعد ثورة أبناء بلادي في 30 حزيران/ يونيو من العام 2013 وما تلاها من أحداث انتهت بإزاحة جماعة «الإخوان» من سدة الحكم، وأنصار الإرهاب يشنّون حرباً شعواء ضدّ مصر، ممثلة في جيشها وشرطتها وأجهزتها الأمنية، التي رعت وحمت الشعب، وساندته في مطالبه برفض حكم الجماعة، وفي تلك الحرب استهدف الإرهاب أبناء القوات المسلحة والشرطة، وساعدتهم في ذلك كتائب الكترونية تابعة للجماعة وأنصارها تحرّض ضدّهم، واتخذ الإرهاب من سيناء الحبيبة مكاناً لتنفيذ عملياته، نظراً لطبيعتها الجغرافية التي تسمح بتغلغل أنصار الإرهاب فيها والاحتماء بجبالها، غير أنّ ذلك لم يحمهم من بسالة القوات المسلحة ووفاء الأجهزة الأمنية حتى استطاعت بلادي أن تدحر الإرهاب وتقضي عليه بنسبة كبيرة.
غير أنّ قوى الشرّ لا تريد احترام الإرادة الشعبية، واتجهت إلى حرب من نوع آخر هي الحرب الاقتصادية، التي تهدف بالأساس إلى تسويد الحياة في وجوه المواطنين وإشعارهم بأزمات اقتصادية حتى يتمّ خلق فجوة بين الشعب وقيادته السياسية، تنتهي بحسب الفكر الإرهابي، إلى رفض الشعب للقيادة وثورته عليها، وهو ما لم ولن يتمّ.
وفي إطار الحرب الاقتصادية عملت جماعات الإرهاب على خلق أزمات اقتصادية متسلّلة من خلال التلاعب بأسعار الدولار الأميركي وممارسة سياسات احتكارية في سوق صرف الدولار، حتى تعجز الدولة عن توفيره للاستيراد، ومن ثم يكون هناك مبرّر لرفع الأسعار نظراً لرفع قيمة الاستيراد بعد ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه المصري.
وفي هذه المرة أيضاً فشلت قوى الإرهاب بفضل تدخل البنك المركزي وقيامه بطرح عطاءات دولارية لسدّ العجز في الطلب حتى كادت أن تنتهي الأزمة.
وبالتوازي مع ذلك قامت قوى الإرهاب بمساندة خارجية بالاتجاه إلى السياحة بهدف ضربها باعتبارها أحد مصادر العملة الأجنبية، فكان التخطيط لضرب السياحة بطرق عديدة منها الترويع والترويج بأنّ مصر غير آمنة، ثم مؤخراً عن طريق استهداف الطيران المدني سواء التابع لمصر أو لغيرها من الدول التي تتسم بزيادة أعداد السياحة الوافدة.
وفي هذا الإطار من التخطيط الإرهابي جاء حادث سقوط الطائرة المصرية التابعة لشركة مصر للطيران، في البحر الأبيض المتوسط الخميس الماضي، والتي كانت في رحلتها من مطار «شارل ديغول» في فرنسا إلى القاهرة، لتضيف أوجاعاً اقتصادية جديدة لمصر، تضاف إلى الأوجاع الأسرية التي يعانيها أهالي الضحايا الذين ينتمون إلى دول عربية وأجنبية بجانب مصر.
فالنتائج المترتبة على الحادث تنعكس وبشكل مباشر على حركة السياحة الوافدة إلى مصر، والتي تعاني بطبيعتها تراجعاً حاداً منذ أحداث كانون الثاني/ يناير 2011 وما تلاها من أحداث أخرى تركت أثراً سلبياً على قطاع السياحة في بلادي مصر بسبب التداعيات السياسية، التي كان أبرزها حالة عدم الاستقرار الأمني بسبب حالة الفوضى التي كانت تعمّ البلاد قبل أن يتمّ القضاء عليها.
وكان حادث سقوط الطائرة في البحر المتوسط تالياً لحادث سابق يتعلّق أيضاً بالطيران والذي ارتبط بسقوط الطائرة الروسية في سيناء في نهاية تسرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي بعد إقلاعها من مطار شرم الشيخ في طريقها إلى روسيا، والذي استتبعته إجراءات روسية بالتحذير من السفر إلى مصر، والتي تزامنت مع دعوات أخرى أوروبية انطلقت من بريطانيا لتعاني السياحة المصرية نزيفاً حاداً في الإيرادات.
وتقول الأرقام إنّ أعداد السياح إلى مصر تراجعت في الوقت الراهن إلى ما معدّله 40 بالمئة في الربع الأول من العام الحالي، مقارنة بالفترة الزمنية نفسها من العام الماضي، وذلك حسبما صرّح قبل أيام وزير السياحة المصري يحيى راشد، الذي أعلن عن ضرورة اتخاذ إجراءات مصرية جديدة لعلاج أزمة السياحة بعد تراجع أعداد السائحين إلى تلك المعدلات الخطيرة.
ومن بين ما أعلنه الوزير من أرقام أنّ مصر استقبلت نحو 7.14 مليون سائح في عام 2010، وهو العدد الذي تراجع في العام التالي 2011، في حين كانت مصر تستهدف جذب 12 مليون سائح مع نهاية العام المقبل، وذلك بموجب خطة حكومية.
وعلى ذلك فإنّ خططاً وإجراءات يجب اتّباعها من جانب الحكومة لعلّ أهمّها إعادة الثقة في الطيران المدني المصري، الذي أرادت قوى الإرهاب أن تستخدمه لضرب السياحة المصرية، وهو ما يتطلّب ضرورة إعادة الثقة في الطيران المدني وشركته الوطنية «مصر للطيران»، وتأكيد الاستقرار الأمني، وتقديم الخدمات اللازمة للسياحة وتصحيح مفاهيم مغلوطة عن مصر، وتنمية الأماكن السياحية فيها، بجانب إجراءات أخرى كثيرة.
غير أنّ خطط بلادي مصر وإجراءاتها لإحداث حالة من الانتعاش السياحي وإنقاذ السياحة من كبوتها وعودتها إلى معدلاتها الطبيعية مرة أخرى تتطلّب جهوداً كبيرة ليس فقط من جانب وزارة السياحة، باعتبارها المعنية بالقطاع، ولكن أيضاً بقطاعات أخرى يأتي في مقدّمتها الأمن الذي يمثل العنصر الرئيس في حفظ توازن السياحة وأحد أهمّ عوامل زيادتها، هذا بجانب قطاع الخدمات الذي تتولاه المحليات، وكذلك قطاع الطيران والنقل، وكلها قطاعات تلعب دوراً تكاملياً في علاج أزمة السياحة باعتبارها أحد مصادر العملة الأجنبية في الدخل القومي.
غير أنّ الأزمات المالية التي تواجه مصر بشكل عام، وتلك القطاعات وغيرها بشكل خاص، من الممكن أن تعطل برامج الإصلاح السياحي بعض الوقت، إنْ لم تكن لها أولوية خاصة في برامج الحكومة وخططها.
ويجب أن يسبق ذلك كله إدراك عام من الشعب ووسائل الإعلام أنّ الحرب الاقتصادية مستمرة وأنها طويلة الأمد وأنها في حاجة إلى فهم وإدراك من جانب جميع الجهات التي يجب أن تتضافر جهودها وتسير جنباً إلى جنب مع جهود الدولة من أجل الانتصار فيها، كما سبق أن حققت انتصارات في الحرب على إرهاب الحديد والنار.
كاتب وصحافي مصري
مقرّر لجنة الدفاع عن استقلال الصحافة