عن «مريم» التي واجهتنا بكلّ الكذب الموجود فينا!
أحمد طيّ
أن تخطو خطوةً نحو تحقيق حلمك، فهذا أمر يبدو عادياً لدى البعض. وأن تخطو خطوةً جريئة نحو تحقيق هذا الحلم، ففي ذلك بعضٌ من حماسة واندفاع. أمّا أن تخطو خطوةً خطيرةً تعرفُ مُسبقاً أن ثمة منزلقات وعوائق وعثرات أمامك، وتُكمل، فإن في ذلك شغفاً يقارب المغامرة اللذيذة التي لا ترى إلا النجاح نصب العينين.
بالروحيّة الأخيرة، أرادت الممثلة والمخرجة الشابة مروة قرعوني خوض غمار المغامرة، بشغف، وجرأة، وتحدٍّ وتصميم وثقة. هدفها فرض نفسها على الساحة الفنّية أولاً، وإثبات أنّ في الجيل الجديد مَن نهل من المخضرمين والكبار ويريد ـ وإياهم ـ أن يبني مداميك الفنّ والمسرح في لبنان. والنجاح أولاً وأخيراً.
مساء الأربعاء الماضي، كان العرض الأول لمسرحية «تفل قهوة» للمخرجة والممثلة مروة قرعوني على خشبة مسرح «تياترو فردان». حضر العرض جمعٌ من أهل الفنّ مع حفظ الألقاب : جوليا قصار، جوزف بو نصار، برناديت حديّب، لينا خوري، وطارق تميم. إضافةً إلى وجوه إعلامية وثقافية وشبابية.
تُفتَح الستارة على ديكورٍ خفيف، كرسيّان من الخشب، ونافذتان، وطاولتان عليهما أدوية كثيرة، فيما استقرّ الراديو على إحداهما. وتدلّت من السقف ساعات، واحتلّ إحدى الزوايا، سرير أحمر أيضاً.
مروة، أو «مريم»، كانت مذ فُتحت الستارة متوسّطة المسرح. نائمة، هادئة، ثمّ تستفيق لتُفرغ كلّ ما في جوّانيتها من ألمٍ وحرقة، ولتواجهنا بكل الكذب الموجود فينا ـ نحن البشر ـ رجالاً ونساءً وكتّاباً وأحزاباً وسياسيين ووواللائحة تطول.
لن أدخل في مجال النقد الفنّي المسرحي. فلهذا النقد أربابه، خصوصاً من حضر منهم. ما أحاول التركيز عليه، هو الكمّ الهائل من الأسئلة التي أمطرتها «مريم» علينا، بأسلوبها الخاص المتأرجح بين الغضب والثورة والفوران من جهة، والهدوء والوجع والسكينة من جهة أخرى. ما يشير إلى أنّ «مريم» هذه، حُكِم عليها بالجنون… هكذا فهمتُها، وتبّاً لكل من جعل «مريمات» بلادي مجنونات.
وبالعودة إلى مسألة النقد، ثمّة رسائل أودّ أن أوجّهها عبر هذا المقال. الأولى للفنانين الكبار والمخضرمين والشباب الذين شاهدوا المسرحية في عرضها الأول. أقول لكم إن هذه النبتة بزغت براعمها في حديقتكم، فاعتنوا بها. وأعرف جيّداً حرصكم على الفنّ والمسرح في لبنان، لذا، كونوا الحضن الراعي والمعلّم المرشد والنبراس المنير لمروة وأمثالها. فبها كما الشباب استمراريتكم. وإذا كانت لديكم أيّ ملاحظات تررونها أنتم ولا يراها الآخرون، فالأجمل ـ من وجهة نظري ـ أن تواجهوها بها من باب المحبّة لا التيئيس.
الرسالة الثانية للزملاء الإعلاميين، أن مهمتنا ـ في المجال الثقافي الفني ـ أن نكون متوكّأً للفنانين الشباب. لن أدخل في موضوع الصحافة الصفراء المقيتة. إنما طالعني أمس تقرير نُشر لأحد الزملاء على الموقع الإلكتروني لقناة فضائية عريقة. تناول فيه المسرحية والفنانة قرعوني بنقدٍ أبعد ما يكون عن النقد. أولاً في المسمّيات. إذ إنّ «تفل قهوة» ليست «ستاند آب كوميدي»، لم تُضحكنا «مريم»، لقد أبكتنا، أوجعتنا، وضعتنا أمام الحقيقة المرة التي هي نحن. صرخت وبكت وسبّت وشتمت وانتحرت لتضيء على التابوات التي نخشاها، والأعراف البالية التي نخضع لها، والأديان التي تبعدنا عن الله، والعلاقات التي تحول بيننا وبين الحب، والمظاهر التي تنفينا. لقد أبكتنا «مريم» حدّ الوجع، وإن مرّرت بعض النكات الخفيفة التي برّدت حرقة هذا الوجع أحياناً.
ثمّ من قال للزميل النبيه أن هناك فناً يدعى «وان وومان شوو»، هل هو «وان مان شوو» بصيغة المؤنّث… عجبي. يا صديقي ما قدّمته مروة هو «مونودراما». وما كانت تلبسه عاديّ جدّاً… أكاد أتخيّلك تشاهد مسرحية «فينوس» مثلاً، لتخرج وتقول: «إنها مسرحية بورنو»! عجبي أيضاً.
وما أودّ أن أقوله للزميل في نهاية هذه الفقرة، وجواباً على تساؤله عن جدوى «التركيز على جوانب مطروقة قبلاً»، إنّ كل هذا الكذب والرجعية والتبعية وما إلى ذلك المتمثل بالتفل الذي يلف لبنان، جانبٌ طرقه أدباء وفنانون وسياسيون شرفاء قبلاً وفي كل الحقبات التاريخية، وسيبقى يُطرق حتى يستفيق اللبنانيون ويتخلّصون من مستنقعهم.
الرسالة الأخيرة إلى مروة قرعوني، الممثلة الشابة الغنية شغفاً وحماسةً واندفاعاً، لكِ وللشباب المستقبل… هنيئاً لك ما قمت به من مغامرة استحققتِ عليها علامة عشرة على عشرة.
أخيراً، تجدر الإشارة إلى أنّ عرض «تفل قهوة» مستمرّ على خشبة «تياترو فردان» في سنتر «Dunes»، كل أربعاء وأحد الساعة التاسعة والنصف مساءً. وهي من إخراج هشام زين الدين، والنصّ لهيثم الطفيلي.