قالت له

قالت له: أحسّ في قلبي حزناً عميقاً وكأنّ جبلاً يربض على صدري، وقلقاً غامضاً يتسلّل ويسكن نفسي. ورغم كلّ حبّي لك أحسّ بذلك. فهل فيه شكّ أو ضعف أو أصابه وهنٌ؟

قال لها: وهل لِما يحدث في بلادنا وما يصيب حياتك كأيّ حياة متعدّدة الميادين والوجوه من متاعب صلة بذلك؟ أم تشعرين بذلك من نافذة الحبّ وحدها؟

فقالت له: شدة الألم والمرارة أنني لم أعد أعرف ما هو المصدر، حتى بتّ تائهة في بحار التحليل والقلق. والنوم صار مشهدَ فراش لا إغفاء عيون. وأنا التي كان النوم يدانيها بلا موعد فتغفو كطفل صغير.

فقال لها: الحزن نعمة لا تردّيها. فافتحي لها الأبواب عندما تطلّ، خصوصاً بمشاهد موكب موت جليل. وقلق المصير العام يصير خصوصياً عندما يجتاح العقل، وبلا انتباه يطغى على حجرة نومنا، ويطاول أشياءنا الصغيرة. فالنفس تختزن الأحزان وتعيد توزيعها وتجمع ينابيع القلق وترمي بها حزناً وقلقاً في ساحاتنا الخاصة، حيث تثق بقدرتنا على الامتصاص والتأقلم. لكن وزّعي همومك ثلاثةً: هموم تافهة وقولي لماذا ستشعرني بالحزن والقلق؟ وارميها جانباً. وهموم تستطيعين السيطرة عليها، ولا تتردّدي في فعل ما يجب لوضعها في قطار الحلول لو الحلحلة. وهموم لا حلّ لها، فتأقلمي معها وتعايشي حتى تحين ساعة تصغر فيها، أو تكبر لملاقاتها مقدراتك.

فقالت: ولماذا تطلّ أنت في كلّ هذه الهموم مرّات كسبب لقلق ومرّات كجواب للسكينة؟

فقال: لأن الحزن والقلق مصدر للشعور بالوحدة، وسؤال عن صدقية الشعور بالفقد. وأول من نتفقدهك ونتساءل عن صدقية حضورهم، الأحبة.

فقالت: وكيف أشتري بعضاً من السكينة أو المسكّنات؟

تأمّل عينيها ودمعة تطفو على بحرها وقال: أن تنظري إلى داخلك وتتساءلي ماذا يملك الفرحون أكثر ممّا تملكين، وسترين أن ما عندك أهمّ وأعظم. واخرجي من مقولة ما يقول الناس في ما تفعلين، بل تحققي من صحة ما ترين وصدقه، وآخر الدواء الكيّ، أن تتساءلي كيف تُنشئين عوالمَ للسعادة لا تنطبق على الظاهر. فعميق السعادة كاللؤلؤ، لا يطفو على السطح ويختبئ في المحار. وعندما تكتشفين محارتك واللؤلؤة فيها، تهزئين بعوالم الفرح التي يدّعيها الغير، وتتأسس على المظاهر والخداع والوهم لأن أصحابها غالباً مهتمون أن يقول عنهم الناس إنهم فرحون. وتسلّحي بالابتسامة لأن أصعب الآتي هو الموت، وهو حقيقة، وما سواه دونه وأقلّ حتمية حدوث منه. فكيف ندّعي مواجهة الموت بالتسليم والابتسامة ونتصرّف كأنه غير آت وهو سيأتي من حيث لا نعلم وفي حين لا نعلم؟ ونتهيّب ما نفترض أنه آتٍ وهو قد لا يأتي؟

فتبسمت وقالت: سأحتفظ بك مفتاح فرحٍ ولو سقطت من صفحاتي كسيّد للحبّ.

فقال: ولماذا هذا العدوان؟

فقالت: كلّ القضية أنني أردت أن تفهم. وما فهمت. فأنا أغار عليك من غزل أخريات رأيتهن في منامي، وقرّرت أن أخرج بسلام من قلقي بألا أحتاج إليك، فزدتني حاجة إليك.

وضمّته ورمت ثقل دمعتها على خدّيه.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى