أشهر عجاف في حرب إرادات بانتظار حصاد الخريف…!
محمد صادق الحسيني
من الفلوجة إلى الرقة وبالعكس، ومن حلب إلى درعا وبالعكس، ثمة أذرع تتمدّد بأوامر أباطرة وأخرى تُقطع بعزم السادة والحرب سجال…!
واشنطن في سباق مع الروس لقطف رأس ربيبتها داعش قبل مغادرة الراعي الأميركي لهدنة «عمرو بن العاص» لغاية في نفس يعقوب…!
وموسكو في سباق مع الزمن لإخضاع أسياد النصرة لمعادلة اليد العليا لمحور المقاومة لغاية في نفس بوتين إنهاء الأحادية وإعادة التعددية في القرار الدولي من خلال حماية ظهر القيصر الجنوبي ومنع الخصم من ملاقاته على بوابات روسيا الاتحادية…!
ومع ذلك، فنحن لسنا وحدنا في معركة الساعات الحاسمة نحو ستة أشهر مما تبقى من عهد الإمبراطور الأميركي اللاعق للسمّ ومعه أذنابه الإقليميون الصغار، وهو في انكفائه نحو الشرق الأدنى..!
كما أننا على اعتقاد بأنّ الحليف الروسي ليس بصدد التآمر على محور المقاومة ولا حتى التخاذل أمام «شريكه اللدود» في الحرب على داعش والنصرة، كما هو معلَن على الأقل…!
وهذا ليس منّة منه علينا بقدر ما هو حاجة روسية لا يستطيع الاستغناء عنها، لأنّ أيّ إشارة ضعف استراتيجية تصدر منه الآن تعني وصول الأطلسي إلى أسوار موسكو وطرقه أبواب الكرملين…!
وكما قال بوتين في رسالته إلى مؤتمر قازان في بلاده في الساعات المنصرمة: فإنّ العالم الإسلامي يمكنه الاعتماد على روسيا كحليف آمن…!
لكن ومع ذلك كله علينا أن نرسل للأصدقاء الروس رسالة قوية وشديدة الصراحة والوضوح مفادها:
بأنّ راعي البقر الأميركي هذا ليس فقط لا يُؤتمن جانبه أبداً، وأنه ليس بصدد ائتلاف دولي يشبه معادلة المنتصرين في الحرب العالمية الثانية ضدّ النازية والفاشية، بقدر ما هو بصدد إعادة صياغة معادلة تقسيم الوطن العربي والعالم الإسلامي المنبعثة من نهايات الحرب العالمية الأولى على قواعد تمزيق جديدة…!
صحيح أنّ موفد البيت الأبيض لسورية «مايكل راتني» يقول في كلام موجّه للمجموعات الإرهابية المسلحة بأنّ التخلي عن اتفاق الهدنة الآن خطأ استراتيجي، ما يعني أنّ واشنطن ليست بصدد احتمال إدارة مواجهة إقليمية او دولية قوية مع روسيا وحلفائها في الوقت الراهن…!
لكن الأميركي هذا مصمّم أيضاً، إنْ استطاع، على وضع منطقة عازلة في الطريق بين طهران وشرق المتوسط أيّ في الأنبار والرقة، محققاً بذلك هدفه الملحّ القاضي بتجويف سورية من محتواها الاستراتيجي وتفتيت جبهة المقاومة وتالياً إعادة رسم لسايكس بيكو بمنحى جديد ومحاولة لوضع الحجر الأساس لصيغة «طائف سوري» يحلم فيه منذ إرساله للخنجر «الإسرائيلي» المعروف بالأخضر الإبراهيمي موفداً دولياً إلى سورية…!
قد تكون روسيا تعي ذلك جيداً، كما يتمّ التداول بينها وبين أصدقائها في الكواليس وخلف الأبواب المغلقة، وكما يقرأها المتفائلون أيضاً من قياداتنا التي نثق بها، لكننا نعرف كذلك بأنّ قواعد الحرب والسلام ليست قراءة تفاؤلية، فحسب بقدر ما هي حساب دقيق لموازين القوى والأهمّ التقدير السليم للموقف…!
الفيل الأميركي المهزوم والجريح في نقاط أساسية عدة في بدنه يسعى جاهداً لإعادة تضميد قوامه العام من خلال إطلاق العنان لأذرعه من خلال تحالف الثكالى من تل أبيب إلى الرياض إلى أنقرة والدوحة أيضاً ليقوموا هم بواجب إعادة ترميم ما أمكن خلال الشهور المتبقية للاستحقاق الرئاسي، أيّ إلى حين استكمال عملية استبدال ساكن البيت الأبيض الحالي بالساكن الجديد…!
باعتبار أنّ تكلفة هذا النوع من الترميم لن تكون فيه مخاطرة المواجهة الكبرى مع ساكن الكرملين ولا مقامرة التضحية بحكومة حاملة طائراته الجاثمة على اليابسة الفلسطينية إسرائيل …!
إنها أشهر صعبة على الجميع سيكون فيها عضّ أصابع شديد، علينا أن نكون على أهبة الاستعداد لأيّ طارئ، بالوقت نفسه الذي ينبغي لنا أن نضع جزءاً من عواطفنا وأحاسيسنا في ثلاجة حائك السجاد الإيراني الذي يقول في مثل تاريخي له: الفراخ يتمّ عدّها في نهاية الخريف…!
ويوم يؤذن المؤذّن في ذلك اليوم سنعرف مَن هو المنتصر ومَن هو المهزوم…!
محور المقاومة لم ولن ينهزم، محور المقاومة سينتصر حتماً، وستعود القضية الفلسطينية قضية مركزية…
الكلام الآنف الذكر لسيد المقاومة قبل أيام في عيد أيار عيد التحرير والانتصار، يعني في ما يعني أنّ ثمة حركة ما من جانبنا قد تقع فتؤول الأمور إلى قلب الطاولة بشكل غير متوقع…!
قد نفاجئهم في حلب أو في درعا، ومن حيث لا يحتسبون، وقد نفاجئهم في ساحة لا يجرؤون حتى تصوّرها، ألسنا أحفاد من قال: الحرب خدعة…!
هي الحرب إذن، والحرب سجال، ولن نغمد السيوف قبل أن نوغل في عدوّنا المزدوج الصهيوني التكفيري، وإنّ ما سيكتب ويدوّن في التسوية السياسية هو ما نرسمه على ارض المعركة كما يقول قائد سياسي كبير من السادة، ويؤكد في حواراته بأنّ محورنا كما هو ليس على عجلة من أمره في الحسم، فهو غير متهاون أو مسترخٍ تجاه أيّ متغيّر طارئ، ومن أخذ زمام المبادرة أول السنة بقادر على حسمها لصالحه في نهاية العام…!
ومع ذلك كله على الجميع بين صفوفنا أن يعي جيداً بأنها لحظة حرب الإرادات واختيار القرار الصحيح والمناسب، ولا يحقّ فيها لأيّ طرف مسؤول من الأصدقاء والحلفاء التردّد أو الوقوف على الحياد مطلقاً…!
فمصير المنطقة إنْ لم يكن مصير العالم كله مطروح على الطاولة ليس لعقود مقبلة فقط، بل وقد يكون لقرون عديدة…!
من باب التذكير فقط نقول، في العام ٣٣٤ قبل الميلاد حدث نزاع كوني خطير للغاية بين إمبراطور الفرس داريوش الثالث وإمبراطور الإغريق الأسكندر المقدوني، وكانت المعركة الفاصلة آنذاك كما هي عليها الآن على شرق البحر المتوسط…!
يومها كانت المعركة الأهمّ على سواحل إمارة صور «الجزيرة» التي قاومت الغازي الغاشم مطوّلاً إلى أن أصاب قيادتها الضعف والهوان وأعلنت ما سمّته يومها بالحياد التامّ على غرار النأي بالنفس اليوم لدى البعض من أتباع المعادلة الخشبية …!
ورغم مساندة الفينيقيين للجزيرة ومقاومة أهلها الشرفاء إلا أنّ رفع هذا الحياد من جانب القيادة يومها كان بمثابة سقوط صور ومن ثم صيدون فجبيل وصولاً إلى أقصى الساحل السوري، بل وسقوط بلاد فارس ولمدة ثلاثمئة عام تقريباً في قبضة الإمبراطورية اليونانية…!
هل وصلت الرسالة، لمن يعاتبنا على قرارنا في الذهاب إلى سورية، أو يعاتبنا على البقاء فيها حتى الآن، أو يريد إقناعنا بأن الأباطرة إنما يعودون عن قراراتهم الظالمة والمتعسّفة، بناء على قواعد حوار منطقية أو بفضل مفاوضات طويلة النفس فحسب…!؟
الأباطرة جميعاً، وبخاصة الكاوبوي الأميركي، ليسوا مهيّئين أصلاً لمثل معادلة كهذه، لأنّ منطقهم المصارعة على الحلبة، ومَن منطقه المصارعة على الحلبة لا يصحّ الرهان على هزيمته في غرف المفاوضات وبالحنكة الدبلوماسية، بل ببطحه أرضاً على الحلبة، أيّ في الميدان ونحن سادة الميادين وأسود الساحات، وهذا التاريخ يشهد للسادة بأنهم ما قاتلوا في حرب إلا وانتصروا فيها وما قاتلهم أحد إلا وهُزم شرّ هزيمة…!
لاحظوا جيداً حتى في النووي الإيراني، لولا الصعود الصاروخي لعدد أجهزة الطرد المركزي والتخصيب بنسبة العشرين بالمئة والمنظومة الصاروخية والقيادة القاطعة كسيف ذو الفقار، لما أذعن الكاوبوي هذا إلى طاولة المفاوضات، ناهيك عن الرضوخ إلى توافقات هي غير معلومة الحال حتى الآن، فما بالك والفصل الآتي أعظم…!
ولبنان في عين العاصفة، ولنتذكّر جميعاً بأنّ عدونا الأساس، أيّ الصهيوني، لا يرضخ ولا يُذعن لنتائج أيّ مفاوضات إلا والسكين على رقبته…!
بعدنا طيّبين قولوا الله.