الانقسامات تعكِّر صفو الحزب الديمقراطي ومستقبله
المنافسة الانتخابية على أشدها بين الحزبين، وأشارت أحدث استطلاعات للرأي إلى تقدم طفيف للمرشح دونالد ترامب على هيلاري كلينتون، بصرف النظر عن الفارق الهائل في الكفاءات الذاتية بينهما، الأمر الذي عزّز فرص ترامب في ممارسة نفوذ أكبر على قادة الحزب الجمهوري. في الطرف المقابل، استمرار المرشح بيرني ساندرز ومراكمته بعض الإنجازات الانتخابية على مستوى الانتخابات التمهيدية شكّل مصدر قلق للمرشحة هيلاري كلينتون.
أبرز ما شهده المسرح الانتخابي، الأسبوع الماضي، صدام مباشر بين مناصري بيرني ساندرز مع قادة الحزب الديمقراطي في ولاية نيفادا، خلال عقد مؤتمر الحزب في الولاية، وما يدّعيه أنصار ساندرز بأنه محاولة متعمّدة لتهميش معسكرهم.
المراهنة على تصادم حادّ، ربما داخل فريقي الحزب الديمقراطي كانت آتية لا محالة. سيستعرض قسم التحليل حالة الانقسام المتبلورة داخل الحزب الديمقراطي، أسوة بما يجري داخل الحزب الجمهوري، وكذلك إمكانية بروز منافسة لمرشح مستقل من خارج الحزبين قبيل إجراء الانتخابات العامة في مطلع شهر تشرين الثاني المقبل.
أميركا: التجسّس الداخلي والسياسة الخارجية
استعرضت مؤسسة «هاريتاج» أساليب الأجهزة الأمنية الأميركية المختصّة بالاستخبارات الخارجية في التقاط ومراكمة المعلومات الناجمة عن مراقبة الأميركيين داخل البلاد، وذلك بالتزامن مع جهود الكونغرس الجارية لإعادة تجديد العمل بالقانون الخاص بالتجسُّس، المعروف بالمادة 702. وأوضحت أنّ جهود المراقبة وتتبع النشاطات الإلكترونية للأجانب عبر شبكة الإنترنت، خلال السنوات السبع الماضية، والتي تصل نسبتها إلى 25 في المئة من مجمل المعلومات الاستخباراتية، أثبتت «أهميتها العالية كمصدر يعتمد عليه ضباط الاستخبارات الأميركيين وأعوانهم». وفنّدت المؤسسة مناهضي المادة 702 الذين «يعتبرون القانون الساري انتهاكاً لحقوق الأميركيين.. لخشيتهم أنّ البيانات المتراكمة وفق صلاحيات المادة المذكورة ستضم معلومات تخصّ المواطنين الأميركيين، والتي يقاربونها بالبيانات التي ذكرها المتعاقد السابق إدوارد سنودن». وأضافت أنّ «أي مقاربة في هذا الصدد هي مضللة، إذ إنّ البرنامج الاستخباراتي يعدّ حيوياً للأمن القومي الأميركي ويتعيّن على الكونغرس تجديد صلاحية العمل به في صيغته الراهنة».
وحذر معهد «كاتو» من توجهات هيلاري كلينتون، إن حالفها حظ الرئاسة، التي «ستكون أكثر قابلية لاستخدام الخيار والقوة العسكرية» لتحقيق أهداف السياسة الأميركية «وإرسالها قوات عسكرية كبيرة، معزّزة بالعربات المدرعة والطائرات الحربية بغية تحقيق نصر على تنظيم الدولة الإسلامية». وأضاف أنّ التنظيم نجح في ترتيب بنيته التحتية وتطوير أساليبه القتالية في حرب المدن، وقد ينشر قواته على مساحات واسعة لتنفيذ مهام حرب الغوار مما «سيضاعف حجم الضحايا الأميركيين، على الأرجح». وشدّد المعهد على أنّ الولايات المتحدة «لم تستطع وقف الهجمات الإرهابية في العراق أو وقف صعود الدولة الإسلامية بعد غزوها العراق عام 2003». وعليه، يمضي المعهد بالقول، من غير المحتمل توقع نتائج مغايرة في ظلّ رئاسة السيدة كلينتون «خاصة أنّ أوضاع العراق هي أسوأ حالاً مما كانت عليه، فضلاً عن أنّ رقعة الاشتباك توسّعت لتشمل الأراضي السورية، التي تُنذر باشتباك أميركي مع المصالح الروسية هناك».
سورية
«الاستراتيجية الأميركية» حيال سورية والعراق كانت موضع بحث لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية مذكراً بأنّ «الولايات المتحدة تواجه خيارات سيئة الآن والتي يكاد يكون من المؤكد أنها أسوأ بكثير منذ بدء إدارة الرئيس أوباما تدخلاتها العسكرية» في البلدين. وأضاف أنّ الإدارة الحالية دأبت على «التصرف التدريجي وغير الحازم والذي رافقه ثمناً عالياً نتيجة غياب التخطيط والتقييم السليم». واعتبر المركز أنّ الإدارة الراهنة «لا زالت تراوح في خانة ردود الفعل للأحداث أملاً في عدم المساس وتعكير صفو نهاية ولايتها الحالية». وشدّد على أنّ المطلوب ليس «المراهنة على تقطيع الوقت والتفاوض بشأن تحقيق وقف محدود لإطلاق النار أو لوقف الأعمال القتالية في سورية، بل تجديد الاهتمام بالبعد المدني للأزمة في كلّ من سورية والعراق ـ وكذلك الأخذ بعين الاعتبار مصالح الدول الرئيسة المؤثرة مثل تركيا وروسيا وإيران والدول العربية».
مصر
اعتبر معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى المعونة المالية السعودية المقدمة لمصر، التي قدرها بنحو 22 مليار دولار، بأنها فرصة ثمينة لتوجه الرئيس السيسي «لإصلاح الاقتصاد المصري، ثمناً لمنحه السعودية السيادة على جزيرتين في البحر الأحمر»، التي اعتبرها «فضيحة». وأشار المعهد إلى معارضة شعب مصر القوية وتنظيمه «مظاهرات ضخمة لم تشهدها القاهرة منذ سنوات، مطالباً بإسقاط النظام، ما ينذر بأنّ مصر تتجه نحو انهيار اقتصادي». وأضاف أنّ الرئيس السيسي «بذل جهوداً متضافرة لتشجيع الاستثمارات الأجنبية، بيد أنه لم يعالج مشاكل الاقتصاد البنيوية والأساسية في مصر، وأهمها الدور المتضخم للقوات العسكرية في النظام المالي ـ وسيطرتها على نحو 30 في المئة» من مرافق الاقتصاد. وحثّ المعهد «واشنطن وصندوق النقد الدولي عدم السماح للسيسي بهدر فرص إصلاح أخرى، إذ أنّ الأزمة الاقتصادية المصرية لن تهدأ قريباً إلا إذا تبنّت القاهرة» جملة من الإصلاحات تشمل «تخفيض رواتب القطاع العام».
تنامي «القاعدة»
أشار المجلس الأميركي للسياسة الخارجية إلى نمو حجم ونفوذ تنظيم القاعدة الأمر الذي يدل عليه «النجاحات الميدانية التي حققتها «جبهة النصرة» في سورية والتي تعود في جزء كبير منها إلى القدرة على تدفق مجندين جدد، ما يدلّ على أنّ معرفتنا بظاهرة المقاتلين الأجانب هي غير كافية وفي حالة يُرثى لها». وأضاف أنّ «المستفيد الأول من تمدُّد جبهة النصرة هو تنظيم الدولة الإسلامية، بيد أنه ليس الوحيد، ما يعني أنّ تنظيم القاعدة يحسن استغلال الفرصة في وقت الشدائد، وتحركاته الأخيرة في سورية تدلّ على جهوده في إعادة تنظيم صفوفه وبنيته التحتية». وخلص بالقول إنّ «شبكة بن لادن تتأهب لعودة» جديدة على المسرح الإقليمي.
إيران
لفت معهد المشروع الأميركي الأنظار إلى ما اعتبره «تدهور الاستراتيجية الإيرانية في العراق، الذي يشهد إذكاء مشاعر القومية العراقية واستياء عارم عابر للطيف العرقي والطائفي» ضدها. واستطرد بالقول إنّ ايران «ليست مسؤولة عن مستويات الفساد المذهلة» في الحكومة العراقية، بيد أنّ تأييدها لعدد من الشخصيات السياسية عزّز الإدراك العام بأنّ لإيران يد في فشل أداء الحكومة العراقية». كما لفت الأنظار إلى عودة «الانتهازي مقتدى الصدر ليستثمر حالة الغضب» الشعبي.
حدوث الانقسامات في الأحزاب السياسية، بصرف النظر عن مكانتها وتعريفاتها ومصالحها المتعددة، تقابل عادة بالازدراء والاحتقار من الشريحة القيادية، وتكال لأصحابها كافة صنوف الاتهامات بالخسة والانتهازية. بل هي ظاهرة ملازمة للعمل السياسي، وعادة ما تشير اليها اللوائح الداخلية للأحزاب المتعددة بالسلبية وضرورة محاصرتها قبل أن تتفشى.
الحياة والسلوك اليومي داخل الأحزاب قد يؤدي إلى تعميق الشرخ ومساحة الخلافات عند نضوج جملة من العوامل، سواء على التوجه السياسي، برنامج الحزب، أو تحالفات تُعقد مع شرائح على حساب أخرى يجري تهميشها، أو ظروف أخرى اجتماعية وثقافية وفكرية وشخصية ربما.
تلاشي القدرة على التغيير من الداخل، مهما تعدّدت الأسباب، يُفاقم الخلاف والتنافر ويؤدي إلى حالة انسلاخ وربما انشقاق البعض عن الهيكلية الجامعة. والأحزاب الأميركية، رغم كلّ الملاحظات على بنيتها وتركيبتها وتحالفاتها الداخلية وغياب العلاقة التنظيمية الطبيعية داخلها، ليست بمعزل عن تلك الآفة، خاصة عند الأخذ بعين الاعتبار «ميزة» خروج العضو بسرعة من الحزب دون ترقب عواقب محدّدة.
المشهد الانتخابي الأميركي الراهن اتسم باتساع شقة الخلاف داخل صفوف الحزب الجمهوري، نتيجة صعود مرشح لا يدين لولائه التام للحزب ولا يتقيد بسياساته وتحالفاته. ولا يزال الأمر قابلاً للمفاجآت قبل وخلال المؤتمر العام للحزب في شهر تموز المقبل.
سرعان من برزت الخلافات داخل الحزب الديمقراطي إلى السطح، الأسبوع الماضي، عقب صدام مباشر بين مناصري كلا المرشحين، بيرني ساندرز وهيلاري كلينتون التي تنحاز قيادة الحزب بشدة إليها «حفاظاً على إرث الحزب»، كما يعتقد. الواقعة كانت ستفرز عدد وهوية المندوبين المؤهلين للذهاب للمؤتمر العام المقبل، في مدينة فيلادلفيا، وتعمق الخلاف بين الفريقين حول بنود اللائحة الداخلية التي تتحكم بتوجهات وتصويت المندوبين. الأمر الذي استدعى تدخل رجال الشرطة لفض الاشتباكات بالأيدي داخل أروقة المؤتمر، كما تردّد ونفته مصادر بيرني ساندرز.
جذر الخلاف برز في قضيتين: الأولى، موافقة قيادة الحزب على جملة من الإجراءات الموقتة التي اعتبرها مؤيدو المرشح ساندرز بأنها ترمي إلى تهميش حضورهم، والثانية تمثلت في تحديد «اللائحة الداخلية» 12 مندوباً غير مقيدين بالتصويت لأي من المرشحين ثبت لاحقاً أنّ 7 منهم ذهبوا لتأييد المرشحة كلينتون والأقلية الباقية لصالح ساندرز، إضافة إلى ما اعتقده مناصرو ساندرز محاولة لعزل نحو 60 مندوبا من مؤيديهم ورفع صفة المندوبين عنهم.
رئيسة لجنة الاعتمادات في المؤتمر، ليزلي سكستون، أوضحت أنّ العدد النهائي بلغ 64 مندوباً لم ينطبق عليهم شروط العضوية «لأسباب متعددة»، وحرموا من فرصة الدفاع أو الالتماس لشرح موقفهم وفق نصوص اللائحة الداخلية، مطالبين بإعادة التصويت. واضطرت قيادات المؤتمر تعليق أعماله وانهـال سيل الاتهامات على ساندرز ومؤيديه.
وسرعان من تبادلا الاتهامات في جو غلب عليه طابع الفوضى، وتدخل المرشح بيرني ساندرز ليعلن أنّ الاتهامات الموجهة لأنصاره «محض هراء»، مناشداً قادة الحزب، لا سيما زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ عن ولاية نيفادا، هاري ريد، ضرورة استقطاب التيارات المتعددة، لا سيما أولئك المنادين بإجراء تغيير اقتصادي واجتماعي حقيقي. وأضاف ساندرز «من الضروري لقيادات الحزب الديمقراطي الإدراك أنّ العالم السياسي قد تغير وهناك الملايين من الاميركيين الغاضبين من السياسات التقليدية والاقتصادية» للحزب.
«الظاهرة» بدأت تقلق قيادات الحزب التي إن لم تحسن احتواءها ومعالجتها فإنها تنذر بتبديد النجاحات الانتخابية وفرص فوز مرشحة الحزب، على الأغلب، في الانتخابات العامة، عزّزتها استطلاعات للرأي تشير إلى تجسير الهوة بين كلينتون وترامب إلى 3 نقاط مئوية لصالح الأولى.
يُشار أيضاً إلى أنّ السيدة كلينتون وقيادات الحزب الديمقراطي تستغل أي فرصة متاحة للإشارة إلى «خطورة» استمرار منافسها بيرني ساندرز في الحملة الانتخابية، لا سيما وهو يسلط الأضواء على مثالبها ونقاط ضعفها ويصفها بأنها «ثمة شخصية مؤسساتية تقليدية»، ما يسهل الأمر على منافسها الجمهوري، دونالد ترامب، شنّ حملة ضدها.
نعود هنا لنذكّر بجذر الانقسامات الحزبية وتدخل القيادات المتنفذة لمحاصرة حرية التعبير وإصدار قرارات لا تستند إلى مرجعية واضحة، في أغلب الأحيان، وتفردها في صياغة القرار السياسي.
على الشقّ المقابل في الحزب الجمهوري، عقدت اللجنة الحزبية لولاية نيفادا مؤتمرها أيضاً، بمشاركة نحو 1000 فرد، وسار بسلاسة تامة من دون تسجيل أي اتهامات أو تجاوزات تذكر لاختيار 27 مندوب للمؤتمر العام.
ليس من قبيل المبالغة القول إنّ انقسامات حادة تجري في صفوف الحزب الديمقراطي، وأشدّ ربما من تلك الجارية داخل الحزب الجمهوري. عند إلقاء نظرة فاحصة على آخر الانتخابات التمهيدية، في ولايتي أوريغون وكنتاكي، التي فاز ساندرز بالأولى وكلينتون بالثانية بنسبة زهيدة، يتضح حجم الهوة الفاصلة داخل صفوف الحزب. فازت كلينتون للحظة بثماني ولايات مقابل 20 لمنافسها بيرني ساندرز في الانتخابات التمهيدية.
وما فاقم هوة الخلاف بينهما تصريح الناطق باسم حملة ساندرز الانتخابية بأنّ مرشحه ينوي تقديم التماس لهيئات ولاية كنتاكي يطالب فيها بإعادة فرز الأصوات التي دلت نتائجها المعلنة على تفوق كلينتون بنسبة لا تتعدى 0.05 في المئة من الأصوات.
بلغة الأرقام، تتفوق السيدة كلينتون على منافسها بمراكمتها نسبة 96 في المئة من أصوات المندوبين لصالحها، من ضمنهم مندوبين فوق العادة ـ مسؤولين سابقين وشخصيات نافذة. ساندر بالمقابل يحتاج ليفوز بنحو 64 في المئة من أصوات ما يتبقى من المندوبين، كي يتعادل مع منافسته كلينتون، قبيل دخول المؤتمر الحزبي.
عند النظر إلى ظاهرة الحزبين بتجرد تام نلحظ اوجه الشبه الشديدة بينهما: المؤسسة الحزبية عند الديمقراطيين تصطف بقوة خلف المرشحة كلينتون، أما التيار الليبرالي داخل الحزب فيدعم منافسها ساندرز الحزب الديمقراطي التقليدي المتمسك بمراكز السلطة في واشنطن يهمش مشاركة التيارات الليبرالية، فضلا عن تأزم العلاقة التقليدية بين النقابات العمالية، المؤيدة للوضع الراهن، ومجموعات حماية البيئة كما جسدته صراعات المؤتمر الحزبي في نيفادا.
صدامات الأمس القريب
في ذروة الحرب الأميركية على فيتنام انعقد مؤتمر الحزب الديمقراطي عام 1968، في مدينة شيكاغو، وتوّج باشتباكات حادة ومظاهرات صاخبة داخل وخارج أروقة المؤتمر بين جناحي الحزب: معسكر الحرب ممثلاً بنائب الرئيس هيوبرت همفري، والمرشح المناهض للحرب يوجين مكارثي. انعقد المؤتمر عقب موجة طويلة من المظاهرات والاحتجاجات الشعبية امتدت رقعتها لنحو 100 مدينة أميركية عقب اغتيال القسّ مارتن لوثر كينغ نيسان 1968 ، وأيضاً اغتيال المرشح الديمقراطي الأبرز روبرت كنيدي 5 حزيران . فاز مرشح «السلطة» هيوبرت همفري على الرغم من عدم فوزه في أي من الانتخابات التمهيدية للحزب، بينما فاز منافسه مكارثي بأغلببية الانتخابات.
أحد كبار أعمدة الحزب الديمقراطي في شيكاغو وعمدتها، ريتشارد ديلي، سخر ليس طاقات المدينة الأمنية فحسب، بل استغل اللوائح الداخلية للحزب للقصاص من منافسي «السلطة»، واشتبك رجال الأمن والمتظاهرين خارج مبنى المؤتمر.
إصرار قيادات الحزب على ترشيح همفري أحدث شرخاً واسعاً في أوساط القواعد الحزبية والتنظيمات الطلابية المناهضة للحرب والتجنيد الإجباري، بيد أنه استعاد عافيته متأخراً قبيل إجراء الانتخابات الرئاسية في شهر تشرين الثاني، وكلفه خسارة البيت الأبيض للمرشح الجمهوري ريتشارد نيكسون.
استحضرت السيناتور دايان فاينستاين حادثة ذلك المؤتمر لتنذر أقرانها في قيادة الحـزب الديمقراطـي باننـا مقبلـون على «تكرار تجربة عام 1968 مرة أخرى». يُشار أيضاً إلى أنّ صيغة «المندوبين فوق العادة ـ سوبر» تمّ إقرارها عام 1972 لحرمان أي مرشح من خارج سياق السلطة، مكارثي وجورج ماكغفرن لاحقاً، من الفوز بترشيح الحزب.
السؤال المركزي في ذهن قيادات الحزب هو كيف سيصوت مؤيدو ساندرز في الانتخابات العامة، مع إدراكهم تلاشي الحمية والحماس لمرشحة الحزب المفترضة. تعتقد أغلبية القيادات أنّ القسم الأكبر من مؤيديه ستصوت لصالح كلينتون، وإن على مضض. المؤشرات الشعبية الراهنة تدلّ على قسم لا يستهان به من الناخبين الديمقراطيين «قد يرتد» عن ولائه ويصوت لصالح ترامب، نظراً لتقارب مواقفهما النقدية للمؤسسة الحاكمة التقليدية.
تجدر الإشارة أيضاً إلى أنّ تلك الشريحة تقطن ولايات هامة وعادة ما تحسب في صف الحزب الديمقراطي: بنسلفانيا، متشيغان، إيلينوي، أوهايو، ويسكونسن. وإن حالف الحظ جهود ترامب في تلك الولايات، وأخرى في الساحل الشرقي الليبرالي عادة، فانه سيفوز بالانتخابات الرئاسية. يضاف إليها أولئك الناخبين المصنفين بالمستقلين الذين ينظرون إلى كلينتون بكثير من الازدراء والرفض، والذين يعول ترامب على استقطابهم بكثافة. وقد عزّز الاحتمال الأخير استطلاع للرأي أجرته شبكة أن بي سي للتلفزة أشارت فيه إلى تقدم ترامب بنسبة 8 في المئة بين أصوات المستقلين.
آفاق بروز حزب جديد
بداية، تجدر الإشارة إلى أنّ النظام السياسي الأميركي جرى تصميمه بدقة ليحول دون بروز تيارات مستقلة عن النخبة الحاكمة مهما فعلت من استقطاب وحراك جماهيري. وتشترط اللوائح الانتخابية نيل المرشح عن حزب «ثالث أو مستقل» نسبة لا يقلّ مجموعها عن 20 في المئة من أصوات الناخبين في عموم الولايات المتحدة.
بيد أنّ العقبات «القانونية» لم تُفلح في تصميم البعض للترشح، أهمها حزب الخضر بمرشحه السابق من أصول عربية، رالف نادر عام 2000، ومحاولة الثري روس بيرو عامي 1992 و 1996 على التوالي، وآخرين. وأقصى ما توصل إليه المرشح بيرو هو نيله نسبة 18 في المئة.
عند كلّ موسم انتخابي تتجدّد الدعوات المطالبة ببروز حزب آخر يمثل شريحة أكبر من المهمشين، والذي إن حالفه الحظ سيستقطب عناصره من صفوف الحزبين الرئيسيين: الديمقراطي والجمهوري.
في هذا الصدد، ناشد دونالد ترامب منافسه بيرني ساندرز على الانفصال عن الحزب الديمقراطي والترشح كمستقل طمعاً في تشتيت ولاءات جمهور الحزب ليفوز الأول بنسبة مُرضية.
قناة فوكس نيوز ، الناطقة بلسان الشرائح المحافظة والأشدّ عنصرية في المجتمع الأميركي، أعربت عن اعتقادها بأن نسبة 61 في المئة من الناخبين الأميركيين يؤيدون المرشحة هيلاري كلينتون، استناداً إلى استطلاع للرأي اشرفت على إجرائه منتصف الأسبوع الماضي، بزيادة 3 في المئة عن استطلاع سابق، كما قالت. مقابل 56 في المئة يناهضون ترامب، ما يعادل تقلصاً من الاستطلاعات السابقة التي أشارت إلى معارضة 65 في المئة قبل شهرين.
أما مؤيدو كلينتون فقد انخفضت نسبتهم من 39 في المئة إلى 37 في المئة، مقابل ارتفاع شعبية ترامب من 31 في المئة إلى 41 في المئة عن الفترة عينها.
بلغة الأرقام المجردة، هناك تربة خصبة لبروز تيار أو حزب ثالث يتخطى الحواجز التقليدية، بيد أنّ المعوقات والعقبات الموضوعة بعناية تعسر المهمة في ظلّ سريان قواعد اللعبة الراهنة، على الرغم من إشارة بعض استطلاعات الرأي المفرج عنها تأييد نحو 21 في المئة من الناخبين لحزب بديل.
هوية الحزب «البديل» ليست محصورة بتيار الليبراليين داخل الحزب الديمقراطي فحسب. إذ برز عدد من أقطاب المحافظين الجدد، والذين تصدّروا مشهد الغزوات والحروب العسكرية في عهدي الرئيس جورج بوش الابن، يعملون على هذا الصعيد ايضا بغية «تحفيز الناخبين المحافظين الحضور والمشاركة بقوة» في الجولة المقبلة. من بين الأسماء المتداولة المرشح الجمهوري السابق ميت رومني، والسيناتور المحافظ عن ولاية أوكلاهوما توم كوبيرن.
في الشقّ العملياتي، ليس هناك متسع من الوقت يحفز أي مرشح طامح المضي في ذلك الطريق، إضافة لما قد يعترض المرشح من عقبات «إجرائية» لإدراج اسمه على لوائح الاقتراع. علاوة على ذلك فإنّ أي قابل للعرض يخاطر بمساره السياسي وسمعته داخل الحزب الجمهوري نفسه، وما عليه إلا الاقتداء بما أصاب المرشح السابق رالف نادر الذي «كان» يحظى بمكانة مرموقة داخل أوساط الحزب الديمقراطي، وسرعان ما تمّ إقصاؤه والتخلي عنه. كما تعود الذاكرة الانتخابية بين الجمهوريين إلى المرشح الجمهوري السابق جون أندرسون، عام 1980، في سباق ثلاثي بينه وبين رونالد ريغان وجيمي كارتر.
عودة إلى ترامب
تقدم ترامب في استطلاعات الرأي أضحى من المسلّمات في المرحلة الحالية، خاصة عقب ميله لحلّ الخلافات مع قادة الحزب الجمهوري رافقها تراجع حدة الخطاب السياسي المعادي له.
شعبيته إلى ازدياد مضطرد بلغت 45 في المئة مقابل 42 في المئة لصالح كلينتون في أحدث استطلاع أجرته قناة «فوكس نيوز»، وتفوقه بنسبة 5 في المئة على منافسته وفق استطلاع أجراه معهد راسموسن، وتفوقه البارز بين الناخبين البيض عليها أيضاً. استطلاع «فوكس نيوز»، أفاد بميل نحو 11 في المئة من أنصار بيرني ساندرز التصويت لصالح ترامب.
استناداً إلى تلك الفرضيات والقراءات الأولية، باستطاعة ترامب تعديل ميزان القوى داخل صفوف الحزب الجمهوري لصالحه، وكسب أولئك المعارضين والذين لا ينوون الخلود إلى الراحة والتسبب بفوز هيلاري كلينتون.
بروز أي تيار أو مرشح عن حزب مستقل، كما أسلفنا، يبدو ضرباً من الخيال وصعب المنال، على الرغم من تنامي التأييد الشعبي للظاهرة وتوسيع رقعة المنافسة الانتخابية التي يحرص الحزبان الرئيسيان على احتكارها بينهما، واللذين يقودان توجيه خيار الناخب بين كلينتون أو ترامب، ليس إلا.