أغاتا كريستي… وقانون الستين
هتاف دهام
في روايتها جريمة في قطار الشرق السريع تسعى أغاتا كريستي كعادتها إلى مفاجأة القارئ لتبدو النتيجة في الخاتمة بعيدة عن احتمالات تدور في ذهنه. إذ أنّ مَن ارتكب الجريمة في قطار الشرق السريع ليس فرداً واحداً إنما هم ركاب القطار جميعهم.
في القطار اللبناني… يشترك جميع ركاب قطار ساحة النجمة في جريمة إنتاج قانون الستين مجدّداً، من قبل أولئك الذين يصرخون ضدّه ليلاً نهاراً القوى المسيحية وأولئك الذين يقولون لا حول لنا ولا قوة، إذا فرض هذا السيناريو علينا. إنّ المسار الذي تسير به الأمور في اجتماعات اللجان المشتركة برئاسة النائب فريد مكاري لا تفضي إلى أيّ بوادر حلحلة في إمكانية إقرار قانون انتخابي جديد. وغاية ما يؤدّيه تظهير العجز في الوصول إلى صيغة مشتركة بين القوى المختلفة. كلما أخفق المجتمعون في بدعة انتخابية لجأوا إلى بدعة جديدة. وربما يحتاج الأمر إلى محاولة أخيرة لاستكشاف فرص التفاهم على المشروع المقدّم من حكومة الرئيس السابق نجيب ميقاتي القائم على النسبية مع 13 دائرة. ذلك أنّ هذا المشروع يحظى بدعم من حركة أمل وحزب الله والتيار الوطني الحر والحزب السوري القومي الاجتماعي والنائب وليد جنبلاط بوصفها مكونات الحكومة الميقاتية التي أسهمت في إنتاجه. وأكد رئيس المجلس النيابي نبيه بري أمس، أنه مع فشل التوافق على الاقتراح المختلط، من الأفضل العودة إلى مشروع قانون حكومة ميقاتي.
وتبقى القوات اللبنانية وتيار المستقبل خارج هذا الإجماع، لأنهما لم يشاركا في تلك الحكومة أسوة ببعض القوى الأخرى. ليس من المستبعد أن توافق معراب على هذا المشروع ما يجعل التيار الأزرق هو المعترض الوحيد والفعلي. فهل يكتب لهذه الفرصة النجاح؟
إنّ التوافق على هذه الصيغة أمر مستبعَد، لأنّ «المستقبل» لديه قراءته الخاصة لنتائج البلدية. ويعتبر أنّ النسبية بمثابة كارثة عليه، لأنها على الأقلّ ستأخذ من دربه 40 من المقاعد في الساحة السنية.
كلّ ذلك يؤشر إلى أنّ الخيار الحتمي العودة إلى الستين سيفرض نفسه على الجميع في نهاية المطاف. ألمح نائب رئيس حزب القوات جورج عدوان في اجتماع اللجان المشتركة امس، إلى أنّ العودة إلى الستين ستواجه في الشارع وفي البرلمان من قبل القوى المسيحية. لكن جهات نيابية مطلعة تساءلت عن مدى صحة هذا الموقف؟ وهل هو مجرد دخان يُراد منه التغطية على إعادة التموضع الثنائي على أرضية الستين، فالقوات اللبنانية تختلف مع الوطني الحر على شكل القانون الجديد وتقسيماته، لذلك تريد الإبقاء على القانون النافذ وبقوة. والتهديدات «العدوانية» أمس لا تتعدّى المناورات السياسية.
إنّ النقاشات التي جرت امس، حول المختلط راوحت مكانها. لم تتقدّم نصف درجة إلى الأمام. لكن ألطف ما فيها تغريدات بعض النواب خارج سرب أحزابها، وعكست اضطراباً في الرؤية الحزبية. تقدّم النائب عن حزب القوات انطوان زهرا باقتراحات حول تقسيم الدوائر كلّ دائرة إلى ثلاث دوائر تتناقض مع موقف حزبه المعبّر عنه في الصيغة الثلاثية المختلطة. وتقدم عضو تكتل التغيير والإصلاح النائب غسان مخيبر باقتراحات تتباين مع تصوّر التيار البرتقالي. فدعا إلى دراسة اقتراح النائب سامي الجميّل الصوت الواحد لكلّ ناخب . وأبدى النائب عن كتلة التحرير والتنمية علي عسيران بعض الملاحظات المؤيدة لطروحات النائب مروان حمادة لجهة أنّ الدروز في الطائف كانوا يطالبون بتحويل الأقضية إلى دوائر انتخابية. وهذا لا ينسجم على الإطلاق مع الاقتراح المختلط المقدّم من رئيس الكتلة نبيه بري…!