شرق أوسط جديد بأيادٍ عربية؟!
وردة بية
ما إنْ جرت بين مصر والسعودية صفقة تيران وصنافير الأرض مقابل البترودولار حتى تعالت أصوات عبر الفايسبوك ساخرة وناقمة على ما قام به الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
ومع موجة الانتقاد هذه ظهر على المواقع شريط موثق للرئيس الراحل جمال عبد الناصر يقرّ فيه بمصرية الجزيرتين، مستنداً على الاتفاقيات الدولية التي فصلت في القضية بداية القرن العشرين. بالإضافة الى شريط آخر لحسني مبارك يقول فيه: «واتنازل ليه، دُول مش رزقي دُول ملك للشعب المصري»… لنتوقف عند كلامه ونُذكٌر بأنّ القائل هو من قامت ضدّه ثورة أسقطته بسبب استشراء الفساد والفقر في عهده، وأتت من بعده بمرسي ثم السيسي…!
مركز الدراسات الاستراتيجية الأميركي «ستراتفور» نشر تقريراً كشف فيه لأول مرة أنّ المجلس الأعلى للقوات المسلحة حذّر الرئيس مسبقاً من التنازل عن «تيران» و»صنافير» لأنّ ذلك «سيمسّ بالشرف الوطني».
الانزعاج الشعبي والرسمي خرج عن المألوف، وظهر في صورة قصة قديمة تقول: «عواد باع أرضه يا ولاد… شوفوا طوله وعرضه يا ولاد… طب ده عواد ودي أرضه… إيش الحال بقى لما تعرف إن عواد باع أرض شعبه»؟ وتصاعدت الحملة أكثر بعد ما قال السيسي نصاً: «أصل والدتي قالتلي ماتطمعشي في اللي في ايد الناس».
بعيداً عن السخرية وعن الظاهر، هناك عمق في الأحداث يقول إنّ مخططاً ما، يرسم ملامح شرق أوسط جديد بأياد عربية تقوده في هذه المرحلة، مصر والسعودية…
حيث أنّ التنازل جرى في ظروف مستقرة لا تشوبها صراعات أو نزاعات دموية أجبرت السيسي على القيام بهذه الخطوة الصعبة حقناً للدماء مثلاً… كما أنّ الخطوة التي تمّت بمقابل مادّي جعلت الكثير من المحللين يتساءلون عن ماهية المقدّس عند الحاكم العربي اليوم، بعدما أصبحت الأرض «لمن يدفع»! خصوصاً في حالة مصر التي تعاني من أزمات مالية حادّة. فلم يعد هناك تشكيك – من وجهة نظر الكثيرين في ما ينقل من أخبار، حول نية الرئيس المصري – في خطوة تالية – بيع أجزاء من أرض سيناء، مقابل تنازل الفلسطينيين عن حدود ما قبل 1967 لـ»الإسرائيليين»…!
التساؤل في هذه الحال: كيف سيخدم هذا القرار أرض الكنانة؟ وهل أنّ مصر التي ضحّت بنفسها من أجل السعودية ستضحّي بنفسها مجدّداً من أجل التسوية العربية ـ الاسرائيلية؟ أم أنّ ذلك المخطط يتمّ عن طريق هذه الصفقة تمهيداً للاعتراف العلني والرسمي العربي بـ»إسرائيل» وتثبيت الصهاينة في أرض فلسطين من خلال إشباع غريزة «الطمع المصري» باستئجار – لا بيع – الأرض للفلسطينيين مقابل الملايين التي ستحصل عليها مصر لإعمار سيناء القاحلة، التي أصبحت اليوم ملاذاً للإرهابيين ومركزاً لتنفيذ العمليات الارهابية ضدّ الجيش ورجال الأمن؟
في تقرير لصحيفة «ماكور ريشون» جاء ما يلي: «أثبت السيسي أنه على استعداد للتخلي عن أراض ليس فقط مقابل السلام بل مقابل المال فحسب». ولهذا سارعت «إسرائيل» الى دعوته للتنازل عن سيناء للفلسطينيين لإقامة دولتهم محاكاة لنموذج تسليم جزيرتي «تيران» و»صنافير» للسعودية. وكتب الصحفي الاسرائيلي حجاي سيجال: »قبل نحو عامين تمتم السيسي بكلمات ما، حول استعداده لإقامة دولة فلسطينية بسيناء، وظهرت إمكانية أنّ هذه المسألة أيضاً يمكن إنهاؤها بواسطة أموال مناسبة»! وقال يعقوب بيري رئيس «الشاباك» السابق حينها إنّ «كرم مصر في الاقتراح أذهلنا».
وتأتي هذه التطورات الخطيرة في ظلّ الحديث عن تفعيل ما يسمّى بـ»مبادرة سلام» التي طرحها العرب على «إسرائيل» ورفضتها، حيث اختيرت السعودية ومصر بدعم اميركي لطرحها معدّلة بما يرضي الجانب الاسرائيلي. خاصة في ما يتعلق بحق العودة والانسحاب من الجولان. لتكتمل صورة ما يروّج له المحللون الإسرائيليون، على أنّ حلّ الدولتين لم يعد واقعياً.
ووفقاً لتقرير إسرائيلي فإنّ السيسي قدم هذه المبادرة لعباس في 2014.. كما زعم التقرير أنه قال لأبو مازن وقتها: »عمرك الآن 80 عاماً، إذا لم تقبل الاقتراح – سيفعل ذلك من يأتي بعدك». واستبشرت «إسرائيل» خيراً بهذه المقترحات التي نزلت عليها من السماء، لأنّ تل أبيب لو كلفت فريقاً مفاوضاً باسمها، فلن يتوصل الى ما عرضه السيسي بالمجان!
وفي خضمّ هذه التحوّلات الخطيرة، ذكرت شبكة «فولتير» الفرنسية، أنّ السعودية شرعت في تشييد سفارة ضخمة لها في تل أبيب. وأوضحت أنّ الأمير الثري الوليد بن طلال سيُعيّن سفيراً لها.
وقائع متسارعة يُراد منها أن تفضي، إنْ آجلاً أم عاجلاً… إلى حلول يتمّ فيها إسدال الستار على القضية الفلسطينية نهائياً، مقابل فتح صفحة جديدة مع «إسرائيل» بمباركة أميركية، وبهذا تضع مبادرة السلام المعدّلة حداً نهائياً للصراع العربي ـ «الإسرائيلي»، ويتمّ بموجبها استئصال حركات المقاومة في فلسطين ولبنان، كما سيتمّ وضع حدّ للتدخل الإيراني المتحجج باسم «القضية الفلسطينية»، وتعود المياه الراكدة الى مجاريها، «ويا دار ما دخلتك ايران»…!