الرقة بعد فشل هجوم «سوريا الديمقراطية»… تحت نيران الجيش لبنان: فراغ دستوري فسياسي … وعجز عن إنتاج التسويات
كتب المحرر السياسي
بعد الصراخ المتمادي حول إدخال المساعدات إلى داريا ونجاح الجيش السوري بتأمين إدخال الكمية التي وفرتها الأمم المتحدة في ظل تقشف برامجها وعجزها عن الوفاء بالوعود بسبب إحجام دول الغرب والخليج عن سداد المستحقات التي يفترض أن تصل لبرامج الأمم المتحدة التي تتولى تأمين المساعدات لسورية، نجحت الأجهزة الأمنية السورية بتأمين خروج عشرات المسلحين وانضمامهم إلى خطط المصالحات، بينما كانت جبهات حلب وأريافها تشهد عدداً من المعارك المتشابكة والمتداخلة، فمن جهة هجوم داعش المتواصل على مواقع جبهة النصرة في مارع ونحو أعزاز، ومن جهة اشتباكات متواصلة بين قوات سوريا الديمقراطية وداعش قرب منبج وفي مناطق الانتشار الكردية نحو عفرين، بينما كان الجيش السوري في مواجهة وتبادل النار مع جبهة النصرة ومَن معها من جماعات مسلحة في أرياف إدلب وحلب، وتواصل الغارات الجوية على مواقع النصرة وأحرار الشام.
التطور المفاجئ كان مع المراوحة التي شهدتها منطقة الرقة في تقدم قوات سوريا الديمقراطية، رغم الإعلان عن التقدم نحو مجموعة قرى في الرقة، بينما رفضت واشنطن دعوات موسكو للتنسيق عسكرياً في مواجهة داعش وتباطأت في التنسيق حول الحرب على النصرة، فكان الهجوم الواسع نحو الطبقة الذي بدأه الجيش السوري بشراكة حلفائه من محور أثريا في ريف حماه الشرقي محققاً تقدماً سريعاً باتجاه الرقة.
لبنانياً، أضافت الانتخابات البلدية بما ترتب من ارتباك في وضع تيار المستقبل وافتقاده القدرة على المبادرة، وما تحمله المناقشات حول قانون الانتخابات النيابية، مع غياب أي أفق قريب للنجاح في صياغة تسوية في الملف الرئاسي، فراغاً سياسياً إلى الفراغ الدستوري، فلا تقدم رئاسي ولا تقدم نحو قانون الانتخاب، ولا قدرة على إطلاق المبادرات، والتشظي يحكم الواقع السياسي، فصار الانتظار البارد مهيمناً على حركة القوى السياسية، وكأن معجزة دولية أو إقليمية وحدها يمكن أن تخرج البلاد من التآكل المتمادي، بينما يبدو الوضعان الدولي والإقليمي بعيدين عن الاهتمام بأولوية لبنانية تتخطى منع الانفجار، فيما الأولويات هي في ساحات أخرى، والمعجزات قد ولى زمانها.
الرئاسة بعيدة… والسبل سدّت أمام الحريري
لا تزال تداعيات الانتخابات البلدية والاختيارية تخيّم على مستوى الاستحقاقات العالقة والمتعلقة بقانون الانتخاب والرئاسة. وفيما بدا تيار المستقبل في اجتماع اللجان المشتركة أول أمس قلقاً من إجراء الانتخابات النيابية في أيار 2017 ولو على أساس القانون النافذ، في ظل تصدّع علاقته مع حزب القوات اللبنانية وانتفاضة الدكتور سمير جعجع ضده، وتفكك 14 آذار، وما أنتجته الانتخابات البلدية من نتائج لم تصبّ في مصلحته، عقدت أمس، الجلسة الأربعون لانتخاب الرئيس بحضور 40 نائباً فقط، ما دفع رئيس المجلس النيابي نبيه بري لإرجاء الجلسة إلى 23 من الشهر الحالي لعدم اكتمال النصاب.
وتؤكد مصادر نيابية لـ «البناء» أن نتائج الانتخابات البلدية شكلت عامل ضاغط على أكثر من طرف سياسي في ملفين: قانون الانتخاب وملف الانتخابات الرئاسية، وحملت بعض المتشدّدين إلى مراجعة مواقفهم انطلاقاً من مقولة ما يؤخذ اليوم لا يدرك غداً. ولذلك يبدو أن أكثر من فريق سياسي مما يُسمى 8 آذار أو ما يُسمّى 14 آذار بات أكثر قبولاً بالسير بانتخابات رئاسة الجمهورية، لكن العقبة التي تواجه هؤلاء جميعاً هي شخص الرئيس الممكن اختياره وليس تياره السياسي. وهذا ما يُعيد الأمور رغم كل ما يُقال إلى نقطة الصفر. وتشير المصادر إلى حراك جدي للبحث عن رئيس، لكن هناك صعوبة في الوصول إلى هذا الرئيس ما يجعل الانتخابات بعيدة عن متناول اليد.
وفي هذا الإطار يُنقل عن مصادر غربية «أن حظوظ الموارنة الأربعة متدنية حتى شبه معدومة عند البعض، ويبقى البحث عن رئيس من خارج هذا المربع».
وتشير مصادر مطلعة لـ «البناء» إلى أن «لا إشارات جدية من الرئيس سعد الحريري تجاه العماد ميشال عون»، لافتة إلى أن «جدية الحريري تتوقف على إعلانه رسمياً تأييد كتلته النيابية للعماد عون كخيار للرئاسة الأولى».
ورأت المصادر أن على الحريري أن يتجاوز الفيتو السعودي على الجنرال عون، وأن يتخطّى وضعه السياسي المهزوم على ضوء نتائج الانتخابات البلدية، خصوصاً نتائج طرابلس، والتي تجعله فاقداً للمناورة السياسية، وان يكون قادراً على امتناع كتلته الذهاب معه في هذا الخيار، وامتلاك الجرأة لخطوة كهذه.
ولفتت المصادر إلى «أن السبل سدت أمام الحريري ولم يعد ينقذه إلا خيارات بهذا الحجم»، معتبرة أنه «لو عاد له الأمر فلن يتأخر لحظة واحدة في ترشيح الجنرال عون للرئاسة شرط أن يضمن تبوّأه لرئاسة مجلس الوزراء، رغم أن هذا الأمر ليس مضموناً حتى لو وصل الجنرال إلى بعبدا، علماً أن خطوة من هذا النوع تتجاوز الأبعاد الشخصية والإرادات الفردية للمعنيين وتحتاج إلى صفقة سياسية كاملة ذات أبعاد داخلية وخارجية».
المشنوق: فرنجية لن ينتخب رئيساً
وكشف وزير الداخلية نهاد المشنوق عن أن «ترشيح رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية لم يأت من سعد الحريري بل من وزارة الخارجية البريطانية مروراً بالأميركيين وصولاً للسعودية فالحريري».
وأوضح المشنوق في حديث تلفزيوني أن «الترشيح هو نتيجة قرار دولي بأن الرئيس الضمانة أفضل من النظام الضمانة، وهذا ما آمن به الغرب ولهذا دعم الحريري فرنجية للرئاسة». إلا أنه رأى أن «فرنجية لن ينتخب رئيساً اليوم للأسباب نفسها التي لم يُنتخب رئيس من قبل».
قطيعة الحريري ــ جعجع
إلى ذلك، حاول النائب جورج عدوان التخفيف من حدة كلام رئيس حزب القوات سمير جعجع الموجّه ضد الرئيس الحريري، والذي انتهى بسجال بقي مستمراً بينهما حتى مساء أمس، وانتهى بتبادل الاتهامات بين النائبين احمد فتفت وفادي كرم. وأكد عدوان «أن كل شخص له الحق بإبداء رأيه بطريقته». ورأى «أن ما حصل موضوع طبيعي وأشجع على تبادل وجهات النظر بالنقاط التي لا اتفاق حولها».
وأشارت مصادر نيابية في تيار المستقبل لـ «البناء» إلى أن هناك أزمة سياسية كبيرة ومعقّدة تتحكم بالعلاقة بين الرئيس الحريري والدكتور جعجع، لدرجة أنه لا يمكن تجاوز آثارها بالسهولة التي يعتقدها البعض». ورأت أن هذه الأزمة باتت في منطق أقرب إلى القطيعة منها إلى الانسجام والتحالف»، لافتة في الوقت نفسه إلى أن هذه العلاقة تبقى رهناً بالتطورات المقبلة خاصة أنها ليست خاضعة فقط لمزاج صاحبيها إنما لاعتبارات خارجية تحظى باهتمامهما».
التيار الوطني لن يخاطر بإفشال التفاهم
وفي موازاة ذلك، تحتفل القوات والتيار الوطني الحر بمرور عام على إعلان النيات الذي ترجم بداية بالانتخابات البلدية والاختيارية. وأكدت مصادر قيادية في التيار الوطني الحر لـ «البناء» أن إعلان النيات أثبت نجاحه بقوة»، مشيرة إلى انه ترجم في الانتخابات البلدية، مبدية ارتياحها للنتائج التي حصدها التفاهم مع القوات لا سيما في نتائج زحلة التي أتت نتيجة نضال نخوضه منذ 18 عاماً، فالمعركة كانت معركتنا مثل ما كانت معركة القوات». وتوجّهت المصادر إلى المصطادين في الماء العكر في شأن تحالفات انتخابات جونية بالقول إن التيار الوطني الحر راضٍ عما حصل، والدليل ان الانتخابات لم تسقط التفاهم بيننا».
وإذ أشارت إلى أن ما حصل سيترجم في الاستحقاقات المقبلة النيابية والرئاسية، فهذان الاستحقاقان على الأبواب وغداً لناظره قريب، لقد أنهينا أصعب مرحلة بنجاح ولدينا عمر طويل في العلاقة مع القوات».
وأشارت المصادر إلى أن ما حصل يحملنا مسؤولية مضاعفة للمحافظة على هذا التفاهم، خاصة أنه أعطى بارقة أمل للمسيحيين، ولذلك لا أحد منا يمكنه أن يخاطر بإفشاله، ونحن سوف نحل مشاكلنا في ما بيننا ولو تنازلنا لبعضنا البعض في ملفات معينة ولن نسمح لتيار المستقبل بعد الآن ان يلعب على وتر الخلافات المسيحية، لا سيما اننا نخوض معركة قضية وطنية ضد استئثاره بالسلطة والحكم».
وشددت على ان حزب الله وقف إلى جانبنا في محطات أساسية ورئيسية في الملف الرئاسي والحكومي، وساعدنا ويساعدنا لاستعادة دورنا وحقنا من اجل تحقيق الشراكة الحقيقية، على عكس تيار المستقبل الذي لم يعترف بالقوات اللبنانية كشريك حقيقي، وهذا تتحمل مسؤوليته القوات لأنها كانت تغض النظر عن ذلك في مراحل سابقة لأسباب سياسية».
ريفي … والكتلة النيابية
في سياق آخر، برزت أمس زيارة وزير العدل أشرف ريفي إلى مفتي الجمهورية اللبنانية عبد اللطيف دريان في دار الفتوى، وتأكيده «أنه ليس في تيار المستقبل إلا أنه مقاتل شرس في الدفاع عن الحريرية السياسية»، لافتاً إلى أن «العودة عن استقالته من الحكومة أمر غير وارد تماماً».
وعلمت «البناء» أن المكتب السياسي لـتيار المستقبل سيجتمع فور عودة الرئيس سعد الحريري من الخارج لتقويم نتائج انتخابات طرابلس إضافةً إلى «السجال» الذي حصل أمس بين رئيس المستقبل ورئيس القوات.
وأكدت مصادر في المكتب السياسي لـ «المستقبل» لـ «البناء» «أن العلاقة على المستوى التنظيمي مقطوعة بالكامل مع الوزير ريفي، رغم إبقاء بعض النواب والمسؤولين خيطاً من التواصل على المستوى الشخصي معه». وأشارت المصادر إلى أن «كلام الوزير ريفي من دار الفتوى أمس، كان إيجابياً فضلاً عن أنه تصرّف بذكاء بعد انتصار لائحته». ورأى أن «عودة الأمور إلى مجاريها ليست محصورة بطرف واحد، فالمسألة تحتاج إلى مد اليد من الطرفين، والامور مفتوحة على كل الاحتمالات». ورداً على سؤال عن تخوّف الرئيس الحريري من تشكيل اللواء ريفي للائحة تنافسه في الانتخابات النيابية المقبلة في طرابلس وتشكيل كتلة نيابية، رأت المصادر «أنه لا يمكن الاستنتاج من حدث الانتخابات البلدية هذا الأمر، الذي من الممكن أن يحصل، ومن الممكن ان لا يحصل».
سد جنة مجدداً الأسبوع المقبل
أرجأ مجلس الوزراء متابعة البحث في ملف سد الجنة إلى الأسبوع المقبل، بعد فشل الوزراء في التوصل لقرار في شأنه.
وأشارت مصادر وزارية لـ «البناء» أن «جلسة أمس لم تتوصل إلى حل لموضوع سد جنة بسبب تعدد الآراء ووجهات النظر في مجلس الوزراء إزاء هذا الملف، مؤكدة أن لا أحد يعارض إقامة السد بل هناك عدد من الوزراء يتحفظون لناحية الشروط البيئية والفنية للمشروع»، ولفتت المصادر إلى أن «النقاش كان مضيعة للوقت وطلب الرئيس سلام في الختام بأن لا يكون هذا الملف عنصر تجاذب سياسي وإعلامي».
وشهدت الجلسة سجالات حول هذا الملف، أبرزها بين وزير البيئة محمد المشنوق الذي طالب بوقف مشروع سد جنة وطلب إيضاحات حول الأثر البيئي للمشروع، وبين الوزيرين جبران باسيل والياس أبو صعب، حيث رد باسيل، بحسب ما علمت «البناء» بأن أحداً لن يستطيع أن يقف أمام سد جنة وأعماله ستسير، كما طرح وزير الدولة للتنمية الإدارية نبيل دو فريج تكليف لجنة خبراء لإجراء دراسة علمية فنية لتكون أساساً يعتمد عليه مجلس الوزراء».
كما علمت «البناء» من مصادر وزارية أخرى أن «المشنوق قال خلال الجلسة إنه مع إقامة السد ومع توفير المياه للمناطق، لكنه سأل عن الأثر البيئي للمشروع»، فرد أبو صعب عليه قائلاً: «يا ريت يا معالي الوزير بتحافظ على البيئة في مناطق أخرى أيضاً». وعرض ابو صعب صوراً عن مشروع أقامه مجلس الإنماء والإعمار في قضاء المتن والمجزرة البيئية التي أحدثها وتوجه إلى المشنوق قائلاً: «لماذا لا تتحرك ووزارة البيئة لإيقاف هذه المجزرة ولماذا لا تتحرك لتوقيف مشروع إقامة سلسول في برج حمود والكوستبرافا لطمر النفايات في البحر، ريثما يتم إيجاد حلول بديلة؟»، وأضاف ابو صعب: «نحن معك بيئياً لكن نرفض الانتقاء والتمييز بين المناطق والتركيز على سد جنة فقط».
أما السجال الآخر فدار بين أبو صعب ووزير الاتصالات بطرس حرب الذي طلب شرحاً لموضوع السد من الناحية الفنية والبيئية بعد أن انتهى عدد من الوزراء بتقديم شرح وافٍ حول الموضوع لا سيما حول توسيع السد 600 م مربع الذي أدى إلى زيادة 7 ملايين متر مكعب من المياه، فرد ابو صعب على حرب قائلاً: «كلامك ينطبق على المثل القائل عنزة ولو طارت». ما استدعى توضيحاً فنياً من وزير الدولة لشؤون مجلس النواب محمد فنيش حول سبب توسيع المشروع.
وأشار ابو صعب لـ«البناء» إلى أن «الأجواء قبل جلسة مجلس الوزراء كانت توحي بأن النقاش سيكون من منطلق بيئي لا سيما أن المشكلة بحسب الوزراء ليست بيئية، لأن أي مشروع يترك أثراً بيئياً في أي منطقة، وكل الوزراء يريدون إقامة هذا المشروع وتأمين المياه إلى المناطق، لكن داخل المجلس تبين أن النقاش كان سياسياً».