عشقت السماء

أتدري لماذا عشقتُ السماء

وصافحتها تحت ستر المساء

وأودعتها سرّ قلبي وفكري

وأهديتها رقدتي والرخاء

وسلّمتها كلّ ما تحتويـ

ـه ضلوعي وأرجعت دَيْن الهواء

لأنّ انجذاب النجوم إليها

يرومون منها وصال العلاء

ويعرج فيها غبارٌ رماه

غنى الناس عنه بكلّ ازدراء

وفيها رياحٌ من السعد تسعى

تصعّد فيها زفير الهناء

وغيمٌ من الخير ملّ السكون

تنقّل ما بين همزٍ وياء

وبرقٌ إذا مسّ عيناً كساها

من الوهج ثوباً فعمّ الضياء

أتدري لماذا عشقت السماء

وأسلمتها دمعة الكبرياء

وأجريت فيها شعوراً تأبّى

عن البوح إلا بستر الخفاء

لأنّ الرعود بها غيظ قلبٍ

له ألف شوقٍ ولا من لقاء

لأنّ شهاباً من النار فيها

كنيران صهر النوى والبلاء

لأنّ السواد وثوب الحداد

مآتم ترثي الهوى في الملاء

لأنّ الهلال تمحّص فيها

وأحنى فما أصعب الانحناء

لأنّ طيور الظلام استفاقت

لفطر القلوب وبذر الجفاء

لأنّ بها كلّ صوتٍ شجيّ

وقيثارة الحزن نوح العزاء

أتدري لماذا عشقت السماء

وأصفيتها الودّ دون النساء

وطارحتها كلّ ما في شعوري

من التّيه والتّيم حتّى الفناء

لأنّ بها الصمت بعد الضجيـ

ـج كصمت المعاني أمام البهاء

وفيها وفاء ولا من وفاء

وفيها هواءٌ ولا من هواء

تنفّست منها حياتي وعيني

بها جالت العمر دون اتّقاء

لها حُسن ظنٍ لها وجه بشرٍ

لها بئر سرٍّ أضاع الدلاء

لها لون حزنٍ لها صفو ماء

لها كلّ نفسٍ تروم اللقاء

إذا كان حُسن الوجود تجّلى

بها هازئاً زاهداً بالثّناء

فصارت غرامي وسكنى هيامي

تعجّبت أنّي عشقت السماء

محمود كريم

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى