واشنطن وتغيير قواعد الاشتباك في العراق

هدى رزق

تدعي وزارة الخزانة الاميركية انها والمملكة العربية السعودية تسيران على نفس الخطى حيال تمويل الارهاب لا سيما في ما يتعلق بتنظيم دولة العراق والشام «داعش». لكن المسارب غير الرسمية للتمويل في السعودية لا تزال بعيدة من الرقابة الاميركية. فالحكومة السعودية ما زالت تسمح للافراد بتقديم التبرعات «للتنظيم» بطريقة غير رسمية.

لقد وضعت الرياض، هذه الجماعة على لائحة الارهاب واعتبرتها تشكل تهديداً مباشراً لأمن المملكة الى جانب جبهة «النصرة «المدعومة من تركيا، والاخوان المسلمين وكذلك الحوثيين اعداءها السياسيين. يضع تصنيفها الحركات السياسية ووصمها بالارهاب ووضعها في سلة واحدة مع «داعش» علامات استفهام حول جدية هذا التصنيف وأهدافه.

يهدف تمويل «داعش» الى تعزيز المواقع السنّية في سورية والعراق عبر تسريب الأموال والرجال والاعداد للهجوم الذي حصل في الموصل. حاولت السعودية التنصل من مسؤولياتها اتجاه تأمين الدعم المالي واللوجستي. وادعت أن «داعش» تهدد ايضاً اراضيها وتتهم بعض السعوديين المنضوين تحت سلطة «التنظيم» بالتخطيط لاغتيال شخصيات امنية ودينية سعودية واعداد مؤامرة محلية لضرب مراكز حكومية. وقامت بطلب مساعدة من الحكومة المصرية لحماية حدودها لكن مع اليمن حيث يعتبر التهديد الارهابي اشد ضراوة… يلف التناقض الموقف السعودي، من جهة تمول الارهاب وتدرب وتدعم «داعش»، ومن جهة اخرى تدعي الخوف والحذر منها وتعتقل اكثر من تسعة وخمسين شخصاً من دون التعريف بهوياتهم السياسية وما هي انتماءاتهم؟ أخوان مسلمون ام حزب الله السعودي؟ ام افراد من «داعش»؟

فهل تكتفي وزارة الخزانة الاميركية في هذه الحال بتقرير من القطاع الحكومي السعودي لمراقبة تمويل الارهاب الذي تدعي محاولة تجفيف منابعه؟

هي تعلم ان هناك حملات تمويل ترسل من دول الخليج الى الكويت ومنها الى سورية وان للسعودية سوابق في استخدام مقاتلين من اجل تحقيق غايات سياسية خارج حدودها. فهي مولت «القاعدة» في افغانستان والحرب في الشيشان ونشرت الفكر التكفيري داخل بعض البلدان الآسيوية حيث تقدم المساعدات وتبني المساجد من اجل الانتشار سياسياً ومذهبياً وبعلم الاميركيين ومساندتهم

يعود خوف الرياض من ارتداد هذا التنظيم ضدها بعد سماحها لمواطنيها بدعم الارهاب الى سابقة التفجيرات التي طاولتها بعد ارتداد «القاعدة» ضدها. لكنها في سبيل تحقيق غايتها في سورية والعراق تدعم ارسال مئات ملايين الدولارات من دول الخليج الى هذه البلدان وتعتقد ان نجاح «داعش» سوف يزيد من فرص النصر السياسي والعسكري السعودي.

تملك «داعش» اليوم بعد الدعم اللوجستي والمالي الخليجي مصادر دخل جعلتها مستقلة بعد احتلالها مواقع مهمة في العراق وسورية. لقد تجاوزت البدايات حيث أمن لها الخليج المساعدات. هي تعمل اليوم في تهريب النفط والاسلحة والاثار، وتقوم بعمليات السطو وفرض الخوات على المؤسسات.

لقد استقرت بعدما وضعت يدها على البنك المركزي في الموصل في حزيران الماضي. واستولت على أغلب آبار النفط في سورية وعلى اكبر مصفاة للنفط في الموصل واسقطت المدن المحيطة بمواقع البترول.

تشارك تركيا في هذا النهب المنظم وتشتري النفط السوري بأسعار متدنية وتقوم مافيات النفط الرسمية بتكريره وبيعه في السوق بالسعر الرسمي. استفادت أربيل من احتلال «داعش» الموصل وسيطرة القوات الكردية على مدينة كركوك ونفطها، لطالما شجعت تركيا اربيل على تصدير النفط الخام العراقي الى مصافيها لتكريره رغم معارضة الحكومة السابقة.

أعادت القوى المعادية لمحور المقاومة تموضعها منذ حزيران الماضي فاجئت ايران – فوراً بعد تمديد محادثاتها النووية مع الغرب – بالهجوم على الموصل ووضعتها تحت الامر الواقع. وطالبت المالكي الفائز في الانتخابات بالاستقالة شكلت رسالة الى انتخابات سورية ايضاً.

صحيح انه تم احتجاز القنصل التركي وثمانية وأربعين شخصاً. لكن الحكومة التركية صمتت واشتكت الى الاميركيين. يعتقد الاتراك ان هجوم «داعش» يثبت استقلال الدولة الكردية ويعلن بداية تقسيم العراق.

يسعى الاميركي الى تغيير قواعد اللعبة من خلال وضع يد «داعش» على الارض والثروة في سورية والعراق. «داعش» التي تمثل الجناح العسكري الجديد لـ«القاعدة» ويضم في صفوفه مجموعة مساجين «القاعدة» السابقين في السعودية وسورية والعراق وغوانتانامو والآتين من الغرب عبر الحدود التركية، تم تدريبهم في الاردن وتجهيزهم بأحدث الأسلحة وتمويلهم من حلفاء الولايات المتحدة. لكن هذا «التنظيم» لا يملك القرار الفعلي هو الاداة التي غيرت قواعد اللعبة التي بدأت في عراق 2003، لكنه لن يكون صانع قرارها السياسي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى