التغيير في معادلات الصراع الإقليمي والدولي
د. رائد المصري
اللاَّفت في موضوع الصراع الدولي والإقليمي ومقارعة مشروع الاستعمار الغربي بأوجهه كافة، هو غياب النقص في المادة التحليلية التي يمتلكها العرب أو تلك التي يجب أن تكون بحوزتهم على مرِّ العصور، لا سيَّما وأنَّ شعوب هذه المنطقة احتملت وتحتمل ما لا يمكن لطاقة بشرية في التاريخ الإنساني تحمُّله، من حروب ودمار وتشريد وخراب بأسماء ومسمَّيات وعناوين متعدِّدة، بحيث بتنا متعوِّدين عليها، سواء بمصطلحات سياسية أو غير سياسية كشن الحروب أو الاحتلال أو التصفيات أو النهب للثروات أو الانتداب أو اغتصاب الأرض أو تحت مسميات تنطبع بالطابع الاجتماعي والديني والفلسفي كالحقوق والحريات وفلسفة الحضارات وصراع الحضارات والدين والإسلام والمظلومية والفقر وغيرها من مسميات تطلق.
وللدخول في صلب الموضوع وأخصّ بالذكر هنا الحرب على سورية، فهي حرب استعمارية الاقتصاد، شوفينية الرؤية، وطبقية الهدف في بناء الأولويات للنظام الرأسمالي المتوحش. هذا النظام الدولي لن يُنهي الحرب في سورية أو في المنطقة إذا لم تكن كلفة هذه الحرب تسليحاً وضحايا وإعادة إعمار توازي أو تساوي الكلفة المالية التي تكبَّدها هذا النظام النيوليبرالي المتوحش في أزماته البنيوية التي تلاحقه منذ العام 2008 إلى اليوم.
فهناك حاجة ماسة بعد تراكم الرأسمال وزيادته بشكل وافر للتدمير من جديد حتى لا يحفر النظام الرأسمالي تحته، هذا التراكم المالي الهائل المتأتي من الفوائض النفطية خلال السنوات الماضية جعل المنظومة الإمبريالية دائمة البحث عن مخارج للصرف والتدمير حتى لا تشكل هذه الفوائض عبئاً عليها.
وإحدى أهمّ المخارج لإعادة تجديد البنية الرأسمالية التي أصابها الاهتزاز هي شنّ أو زرع الحروب وإعادة الإعمار بالإضافة إلى ما بينهما لرؤية وتنظيم وإعادة تشكيل علاقات الإنتاج الاقتصادية التي تتبدّل وتتشوَّه بعد كل عقد أو أكثر من الزمن.
ربَّما كانت سورية ومنظومة دول المشرق بفعلِ الانفتاح الاقتصادي المعولم وتحرير الأسواق وغيرها من المفاهيم الليبرالية، عاصية أو مكابرة أو متحوِّطة للدخول والمشاركة في هذا الفجور الاقتصادي الرهيب الذي هدم وحطم وهمَّش السيادة على قرارات الدول، وجعل الهيئات الأممية عاجزة عن التعامل وربط النزاع وقاصرة عن أداء مهامها أمام تحوُّل سياسي واقتصادي وغزو ثقافي وتحرير متفلِّت، في مواثيق وقوانين دولية ناظمة لعلاقات الدول التي لم تكن موجودة أيام تأسيسها وانطلاقاتها. وهذا القصور والعجز تبدَّى اليوم في الارتباك الحاصل للولوج إلى أيّ حلّ لأزمات المنطقة وخاصة سورية التي تداخلت فيها الأزمات الإقليمية والدولية وتعقَّدت إلى الدرجة التي أصبحنا متيقِّنين أنَّه لن تكون هناك حلول في هذا البلد ما لم يُعَد التركيب الإقليمي والدولي وصياغة علاقاته وأدوات إنتاجه الجديدة وفق حركة وأنماط أسعار السلع الاستراتيجية العالمية كالنفط مثلاً ، ودور الدولار الأميركي وسلة العملات الأخرى، ورسم الصناعات والأسواق الجديدة للتصريف عالمياً، وإعادة رسم التحالفات الدولية، والتي على ما يبدو لن تكون أو لن تتبلور إلا وفق الرؤية الاقتصادية والتبادلية ضمن مجموعات الأقاليم تحكمها مصالح اقتصادية ويحكمها تقارب في السياسات الحمائية بين بلدان ليس بالضرورة أن تكون متقاربة جغرافياً أو لغوياً أو دينياً…
أزمات النظام الرأسمالي البنيوية وشحّ السيولة النقدية عالمياً والاحتياطات الخليجية والسعودية تحديداً والأموال المودعة في بنوك الغرب، مضافة إليها اللصوصية التي تعمل بها مؤخراً الولايات المتحدة عبر المراقبة المالية لبنوك ومؤسسات مالية وتغريمها بمئات ملايين الدولارات، مضافة إليها كذلك صفقات شراء الأسلحة بمئات مليارات الدولارات إلى دول الشرق الأوسط والشروع في التدمير بالحروب من ليبيا إلى اليمن وسورية والعراق هي موضوعات أو مواد كفيلة في إعادة هندسة ورسم المشروع الرأسمالي الاستعماري الجديد وبحلة جديدة وبأدوات وعلاقات إنتاج حيوية أكثر قادرة أن تسمح لهذا النظام في العيش عقداً أو عقدين من الزمن ريثما تتغير أو تتبدل الموازين…