في الطريق إلى الرقّة رسائل وعِبر

سعد الله الخليل

يبعثُ تسارعِ العمليات العسكرية باتجاه الرقة عبّر محورين: الأول بقيادة الجيش السوري والقوى الحليفة والرديفة، انطلاقاً من أثريا في ريف حماه الشرقي، في مسعى للوصول إلى مدينة ومطار الطبقة العسكري بغطاء جوي روسي، والثاني بقيادة قوات سورية الديمقراطية ونواتها الصلبة وحدات الحماية الكردية وبغطاء جوي أميركي، برسائل تتعدى مساحة الجغرافيا التي تدور عليها العمليات على الرغم من أهميتها الجغرافية.

أولى الرسائل فرضها التزامن بين الحملتين ففي الوقت الذي اعتقدت الولايات المتحدة بإمكانية التفرُّد بالرقة، بما يسمح بإقامة كيان داعم للوجود الأميركي في المستقبل مدعوماً بخلفية حليفة متمثلة بالإدارة الذاتية الكردية، ما يسّهل لواشنطن التوغل في العمق السوري أكثر فأكثر إلى ما هو أبعد من الرميلان والحدود السورية التركية، ويمهد لسيطرتها على مفاتيح هامة من بوابة الرقة، مدعومة بخلفية كردية موالية متفقة مع التوجهات الأميركية بأقلّ الإيمان، تبدأ بالإمساك بمحافظات دير الزور وامتداداتها في العمق العراقي وحماة في المنطقة الوسطى، وصولاً إلى الحدود التركية عبّر حلب والحسكة، ولا تتوقف عند السيطرة على مجرى نهر الفرات كشريان رئيسي لسورية، لما يشكله من رافعة مائية وزراعية وكهربائية يُشكل سد الفرات قلبها. وفي المقابل، فقد شكلت الحملة التي يقودها الجيش السوري للسيطرة على مطار الطبقة ضربة لتلك الرؤية في الصميم، فالسيطرة على الطبقة، بما تحتويه من مطار عسكري وسدّ الفرات، تعادل من حيث الأهمية والقيمة أضعاف الوصول إلى مدينة الرقة التي تُشكل رمزية تواجد تنظيم «داعش» في المحافظة، وبالتالي فقد بعثّت الحملة على الطبقة رسالة واضحة باستحالة التفرُّد الأميركي بالرقة تحت أي شعار أو مُسمّى.

بعيداً عن التوقيت ودلالاته، فإنّ في تفاصيل التقدم السوري باتجاه الطبقة رسائل قوة لا يمكن أن تُخفى على الأميركي الذي يقرأها جيداً، فالتوغل مسافة تفوق 50 كيلو متراً في عمق الرقة خلال 72 ساعة فيها الكثير من دلالات القوة، وقد أدّت إلى تقهقر «داعش» الذي ترك وراءه مقرات مليئة بالوثائق التي تكشف سرعة الاندحار، وحتى العربات المفخخة التي ضبطها الجيش السوري فقد هرب انتحاريوها قبل تفجيرها من فتحة في السقف بعد إحكام التنظيم أبوابها منعاً لهروبهم، وفي التنظيم نجحت قيادة المعركة، بالتنسيق بين مكوناتها المختلفة من وحدات الجيش بتشكيلاتها المختلفة والحلفاء والوحدات الشعبية المؤازرة على اختلاف مكوناتها، وأظهرت كفاءة عالية في مواكبة مجرّيات المعركة، وهو ما يُقرأ بمفهوم القدرة على إدارة الجبهة بمكونات متعدّدة لكلّ منها قيادتها تحت إمرة قيادة موحّدة، من دون أي خلافات فيما بينها بل تحرز تقدماً منقطع النظير.

في الرسائل السورية من معركة الطبقة ما يؤكّد أنّ الدولة لم تفقد بوصلتها، فالرقة هدفها أن تفرض أمرها الواقع على أراضيها، ومعركة حلب التي تخوضها بشراسة لن تؤخرها في المضي باسترجاع ما كسبه تنظيم «داعش» في ظروف الدولة الصعبة، فمنع التفرد الأميركي الكردي يبقى أولوية سورية، للقضاء على أيّ آمال بالتدخل البرّي التركي لفرض أمر واقع سياسي، يتطلب اندفاعة على الأرض توصل الجيش السوري إلى الطبقة قبل الأميركي والكردي، ما يفرض على الخصوم التنسيق معه، كأمر واقع لا مفر منه، سواء امتلك الجرأة للتنسيق المباشر أو غير المباشر بالوكالة عبّر التنسيق مع الجانب الروسي.

بعد سيطرة الجيش السوري على الطبقة يستكمل الاستحواذ على مثلث حيوي ما بين أثريا والطبقة ومدينة تدمر، بما يؤمن له قاعدة صلبة في الوسط السوري الذي يحتضن أكثر من مطار عسكري، بما يسمح لطيرانه حرية الحركة على أكثر من محور و على أغلب حقول ومصادر الطاقة السورية من النفط والغاز والكهرباء، عدا عما تؤمنه من قاعدة تواصل ميداني وجغرافي لوحداته في أرياف حمص وحماه وحلب امتداداً إلى ريف دمشق عبّر القلمون الشرقي، وبالتالي تُشكل العملية بعد استكمالها أكبر تهديد جدي لمواقع «داعش» في مدن وأرياف الرقة ودير الزور بما يؤسِّس لبداية اندحار التنظيم وهزيمته في الشرق السوري.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى