الأسد: تعاون روسي – أميركي غير منتج

روزانا رمّال

إذا كان الاستحقاق الأميركي يتقدّم كلّ الحسابات الدائرة في أروقة البيت الابيض ويتحضر لها الأميركيون بمشهد مغاير لما كانت قد عرفته الولايات المتحدة فازت السيدة كلينتون او السيد ترامب، فإنّ الاستحقاق السوري يبقى التحدي الأكبر لأيّ منهما، فالرئيس الأميركي القادم سيتحمّل مسؤولية جديدة قد تكون احد بنودها مشابهة لأحلام وخطط الرئيس الذي سيصبح سابقاً باراك اوباما في تحديد مهلة إخراج الجيش الأميركي من العراق وأفغانستان كما هو مقرر أواخر العام 2016، او مثل اجندة الرئيس الاسبق جورج بوش في وعوده بكشف المتورطين بحادثة إسقاط برجي التجارة العالمية في عام 2001 فغزو العراق.

الملف السوري واجتثاث الإرهاب سيكونان ملفين من الملفات التي سيراهن عليها أي رئيس أميركي مقبل، فسورية برمزيتها السياسية وبموضوعات مثل ملف اللاجئين وتفشي الجماعات التكفيرية حصدت عناية الرأي العام ووسائل إعلام العالم بفرادة المعركة فيها واتساع دائرة مساعي إيجاد حلول واقعية. وهنا يتسلّم الرئيس الأميركي ولايته الجديدة بعد أن يكون أوباما نفّذ وعده بالانسحاب من أفغانستان وقبلها من العراق ليقدم الملف السوري بكل سخونته على مائدة الرئيس الجديد… ولكن!

يُلفت أن سورية لا تبدو حاضرة على لسان المرشحين الأبرزين ديمقراطياً وجمهورياً على حد سواء، هيلاري كلينتون ودونالد ترامب، أي أن احداً لم يأت على تفصيل وتقديم موقفه من الرئيس السوري بشار الأسد والتعامل معه او الغوص في ضرورة ابتكار حل لأزمة دولية بهذا الحجم. وهنا فإنّ اهتمام الإدارة الجديدة لا يولي تركيزاً على اللاعبين المحليين في سورية بل يخصّ ملف الإرهاب باهتمام اكبر، حيث تواصلت دعوات محاربته بسورية والعراق وضرورة القضاء على داعش.

كل هذه عناوين فضفاضة لا ترتقي إلى مستوى الحدث السوري الشرق أوسطي البالغ الأهمية ما يشير إلى دقة الملف الذي لا يودّ أن يُطرح فيه أي مرشح فرضية قد تؤدي إلى امتعاض إسرائيلي مقبل او ربما تكون الأمور بمكان آخر كلياً.

خيار أوباما الصريح بالتمايز وحفظ ارث تاريخي «مبهر» لعهده يسبق حضوره التوقعات في ملف الأزمة السورية التي يمكن ان تكون واحدة من أهم إنجازاته، ففيها قدرة على تجيير أهم الانجازات الرئاسية التي سيتفرّد فيها عهده لو صارت في مجال قتال الإرهاب، خصوصاً أنّ معارك الفلوجة التي تتقدّم ضمن خضوع أميركي لواقع رسمه العراقيون تأخذ إلى قناعة أميركية مفادها قرار مسبق لأوباما من الأزمة السورية جاهز الشكل والمضمون والتوقيت.

إنهاء عهد اوباما من دون طبول تقرع وضجيج يسمع غير وارد على ما يبدو، وإذا كان صيف الشرق الأوسط ساخناً، فانّ الخريف الأميركي يتوجه نحو وداع رئيس يحمل في جعبته تعاوناً أميركياً مع نظام الجمهورية الاسلامية في طهران بالملف النووي بعد قطيعة 30 عاماً، وملف مصالحة كوبا، وصولاً إلى سحب جنوده من العراق ولوعد قطعه تمثل بنية سحب جنوده من أفغانستان ليأتي السؤال، هل سيكتفي اوباما باختتام ملف سلفه بوش وسحب الجنود من المنطقة وإنهاء عهد واشنطن فيها وتقديمها لروسيا نهائياً فيكون هذا هو الخيار الأميركي الروسي؟

أم أنّ أوباما مقبل على نهاية عهد يتوجه حماس أميركي لفكرة قتال الإرهاب في محافظات مثل الرقة وتجييرها انتخابياً لكلينتون مقابل ضمانات كاملة، فتكون موسكو قد قرّرت الشراكة مع واشنطن وإنهاء الأزمة السورية بقدر يحمل شيئاً مما يشبه التسوية واقتسام النفوذ؟

بالواقع، لا تبدو العملية السياسية مقنعة، كما يقول الرئيس السوري بشار الأسد، وهو قال أمس في خطابه أمام مجلس الشعب السوري المنتخب إن في جنيف لا يوجد «طرف آخر» غير الفريق السوري أي «فريق النظام» بل إنّ جدول أعمال الرياض أو فريق الرياض لا يتعدى كونه فلكلوراً من نوم واستيقاظ وطعام.. ينسف الأسد مساعي وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ووزير الخارجية الأميركي جون كيري، ويؤكد على أنّ المفاوضات لا تزال في الشكليات، وإذا كان الفريق السياسي المعارض غير مكتمل المعالم، فإنّ هذا يعني أن كل المحادثات السياسية ومساعي الوسيط الدولي ستيفان دي ميستورا لم تتقدّم نهائياً ولم تقدم أيّ جديد للسوريين في التفاتة دقيقة جداً من الأسد على أبواب بداية معارك الصيف الحاسمة كالرقة وحلب على ما وعد الرئيس التركي بدفن آماله فيها.

الأسد يحفظ لموسكو إنجازها السياسي في عملية جنيف والهدنة بالقول إنها حققت مكاسب سياسية هامة ووفرت المناخ لإنجازات عسكرية كمعركة تدمر ومعارك الغوطة، داعياً لتفهم هذه المسارات بصفتها ضرورات للفوز العسكري وتوفير مناخات ملائمة له أكثر مما هي مطلوبة بذاتها ولذاتها كطريق لحل سياسي وهدنة مع طرف يجلس على مائدة التفاوض لصناعة هذا الحل.

من المهم أن يحفظ الأسد لحليفه الروسي جهوده، لكن ليس عادياً أن ينسف الرئيس السوري مساعي المبعوث الدولي ومعه مساعي واشنطن التي يفترض أنها شريك لموسكو في حل الأزمة السورية على أبواب نهاية ولاية اوباما.. يرفع الأسد مستوى المعارك والإنجازات التي يحوزها الجيش السوري مع حلفائه ويؤكد أخيراً أن الحل لن يكون إلا نتيجة ربح كامل في الميدان وأي تسوية لا تبدو أنها واضحة بالأفق وربما لا تبدو سورية مستعدة للحديث عن أي تنازلات بإطارها..

بشار الأسد ينزع الستار… شكراً موسكو وواشنطن حراك سياسي هزيل.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى