سفيرّ الشرّ في بغداد متى يُطرَدُ…؟

مصطفى حكمت العراقي

منذ أن وطأت قدمه مطار بغداد كان هو رمز الشرّ فيها، فكان سفيراً لعاصمتين في أن واحد هما الرياض وتل أبيب، وكان متحدثاً رسمياً «لداعش» فيها فلم يخف عداءه الطائفي لطبقة واسعة من الشعب العراقي، وكان مقرّ إقامته ملجأ لكلّ عاهات السياسة في العراق، فالمفسدون والإرهابيون والخائنون وبعض هواة السياسة الذين خدعوا بابتسامته، كلّ هؤلاء كان السبهان سيدهم وموزع الأدوار عليهم، لجعل العراق مركزاً لبث السموم وخنجراً في جسد المقاومة الذي شكل الباب الأخير المغلق بوجه «داعش»، فلولا هذا المحور لأصبح العراق عرضة للسقوط في أيّ وقت، في ظلّ تآمر الرياض ومن معها من محور الشرّ في داخل العراق وخارجه.

كلّ هذا حصل ولا يزال يحصل تحت أعيّن الحكومة العراقية ووزارة خارجيتها المشغول، وزيرها بالسفرات الفارغة من محتواها والخالية من مضمونها، فلم نرّ من وزير الخارجية العراقي سوى إعانة سعود الفيصل سابقاً على المشي في باريس، والتودّد إلى دول الخليج لكسب الرضا، والتصريحات الرنانة في بداية دخول القوات التركية إلى شمال العراق، والتي أصبحت اليوم جسماً اعتيادياً وكائناً لا يجرؤ أحد على إخراجه من العراق، في ظلّ سياسة الانبطاح التي اشتهرت بها حكومة العبادي.

فالأخير كثُّرت تصريحاته في الأيام الأخيرة لجهة سعيه لمقاضاة الإعلام الداعم «لداعش» دولياً على حدّ قوله، وكأنه يتناسى الدعم الرسمي لسفارة الرياض في بغداد «لداعش» والتهجّم الطائفي المتكرّر من السفير السبهان على فصائل الحشد الشعبي ووصفها بالميليشيات الطائفية، وعلى الجنرال سليماني ومن معه من المستشاريين الإيرانيين الذين يدافعون عن عروبة العراق بطلب رسمي حكومي، بعد أن انشغل الجنرالات العرب بقضاء الليالي الحمراء في ملاهي أوروبا وجعلوا نصف العراق بيد «داعش»، وكاد النصف أن يضيع لولا وجود الحشد الشعبي ومن خلفه الأصدقاء من طهران وحزب الله الذين أوقفوا الإرهاب ومنعوا تمدّده في بغداد ودمشق وبيروت، وهو ما فجر في الرياض وحلفائها النار من غضب الهزيمة لربيبهم الإرهاب، فكالوا التهم كيف ما تشاء مصلحتهم، وجعلوا القاتل مظلوماً، والمدافع عن نفسه ظالماً وإرهابياً ومنتهكاً لحقوق الإنسان، وهم لا يعرفون من الإنسان إلا اسمه.

كلّ هذا عملوه والآن نجد السبهان يغرّد علينا مجدّداً ليكشف نوايا مملكته الخاوية العدائية اتجاه العراق ومن وقف معه من حلفاء بقوله أنّ وجود شخصيات إرهابية إيرانية قرب الفلوجة دليل واضح على أنهم يريدون حرق العراقيين العرب بنيران الطائفية المقيتة وتأكيد توجههم بتغيير ديموغرافي… هذه التصريحات الرديئة تنمّ عن حقد دفين وتفكير طائفي مريض، فهل الجنرال سليماني أو باقي القادة العسكريين الإيرانيين الذين افترشوا الصحراء والتحفوا السماء للدفاع عن بغداد وعروبتها هم الارهابيون؟ أم المفتي السعودي وباقي شيوخ الفتنة من العريفي وغيره .. والذين يتباكون يومياً على نساء سعوديات اعترفوا بتواجدهن في الأنبار للجهاد كما يدّعون؟ من الإرهابي سليماني الذي منّع ومن معه من المجاهدين وصول «داعش» إلى عواصم الخليج وإسقاطها وصولاً إلى مكة المكرمة؟ أم دار الافتاء السعودي الذي حرّم تشجيع نادي ريال مدريد الإسباني لمجرد تعاطف الأخير، وارتدائه الشارات السوداء حزناً على استشهاد مشجعين له في العراق على أيادي الإرهاب السعودي، بحجة تعاطفه مع الروافض كما يقولون؟ من الإرهابي والمجرم قادة الحشد الشعبي الذين حملوا نساء الأنبار على ظهورهم وتحمّلوا ما لا يطاق لتحرير الأرض من داعش؟ أم من يجلس في مكان واحد مع المصنّفين دولياً بالإرهاب ويدعمهم مالياً وإعلامياً وسياسياً في اليمن وسورية ولبنان وصولاً إلى العراق؟

كلّ هذه المعطيات تجعل من المستحيل التفكير بأنّ لمملكة القرون الوسطى القدرة على تصحيح المسار لجهة الالتحاق بركب الاعتدال وعدم التفكير طائفياً ومذهبياً، واتخاذ القرارات على هذا النهج بالرغم من تكرار الفشل في مختلف الملفات، ففي اليمن انهزموا وكسرت أنوفهم بخناجر انصار الله، وفي لبنان سقط ابنهم البار سعد الحريري، كذلك هو الحال في سورية حيث احترقت ورقة علوش التفاوضية وذابت قبل اشتداد حرّ الصيف ومعها انتحر جسمهم العسكري في إدلب. أما في العراق فالواقع الميداني انحسم لجبهة الحق المتمثلة بمحاربة الإرهاب، ولكن السقوط السياسي لم يتمّ إلى الآن في ظلّ ساسة لا يعرفون العز ولا يكتسبونه، حتى من انتصارات الشعب في قلعة الرياض الإرهابية في العراق والمتمثلة بالفلوجة التي بدأت بالعودة إلى حضن العراق، في ظلّ جهاد المرابطين في ساحاتها من القوات الأمنية والحشد الشعبي وباقي الفصائل الداعمة لتحريرها من إرهاب الرياض، فالردّ الحكومي العراقي على حماقات السبهان كان مخجلاً كعادته، إذ عبرت الخارجية العراقية عن استغرابها من التصريحات الصادرة من بعض الشخصيات الدبلوماسية والمتضمّنة لموقف سلبي من العمليات العسكرية الجارية لتحرير مدينة الفلوجة من سيطرة «داعش»…

هذا الكلام العاجز ينمّ عن حكومة هزيلة لا يرجى منها خيراً، فلولا تضحيات الحشد الشعبي والقادة الايرانيّين لم يصل العبادي إلى السلطة، ولم يصبح الجعفري وزيراً للخارجية، فمتى يخجل هؤلاء ويحفظون للعراق وحلفائه كرامتهم ويطردون هذا السفير من أرض العراق التي يدنّسها بيديه الملطختين بالدماء، فلا هدف من وجوده في بغداد إلا خلق الفتنة وليس التمثيل الدبلوماسي، لذلك فإنّ بقاء هذا السفير يبشر بالمزيد من الإرهاب والمشاكل في العراق، فالعالم بدأ يرفض الرياض تدريجياً فهل نكون نحن من يفتح لهم الأبواب لنصب العداء لمن وقف معنا في ذروة وقت الحرب؟ وهل من المنصف ذلك يا قادة العراق الغائبين عن كلّ شيء والمنشغلين بالفساد إلا ما رحم ربي…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى