عملية البقعة جرس إنذار للأردن الرسمي
محمد شريف الجيوسي
من المؤكد أنّ العملية الإرهابية الإجرامية التي نُفذت في الساعات الأولى من شهر رمضان، هي محلّ رفض وإدانة واستنكار كلّ أردني وعربي ومسلم شريف، بل وكلّ إنسان يؤمن بالأمن والإستقرار والسلم، وهي مدانة سواء نُفذت أول رمضان أو آخره أو في أيّ ساعة ويوم ومكان على حدٍّ سواء، لكن تنفيذها مع إطلاله شهر رمضان، تعطي دليلاً إضافياً على همجية الإرهاب، وأنْ لا ذمة له ولا اعتبار حتى لمكانة الشهر الفضيل في نفوس المؤمنين، الذين يزعم الإرهابيون الانتساب إليهم كذباً وبهتاناً وزورا.
إنّ للمساجد حرمة لا يجوز معها لجوء الملوثة أيديهم بالدم إليه، فيما انتهك الإرهابي حرمة المسجد وصلى وهو ما زال يحمل سلاح الغدر الذي ارتكب به جريمته الإرهابية، وعندما اكتُشف أمره حاول قتل المزيد من المؤمنين… ما يدلل كم أنّ هذا الإرهابي كأيّ إرهابي آخر قد مُسح دماغه، وجرى تجهيله بدينه وعروبته ووطنه، فأصبح مغايراً وعدواً ابتداء بنفسه وانتهاء بكلّ شيء.
إنّ الحرب على الإرهاب حرب فكرية عقائدية في جملة أشكال الحرب عليه من وسائلها منابر المساجد وأماكن الصلاة والخطباء، والأئمة ودور تحفيظ القرآن والجمعيات الخيرية ذات الطابع الديني والطائفي، فضلاً عن مناهج التعليم في المدارس والجامعات الخاص منها والعام، وفي وسائل الإعلام دون استثناء، حيث يحرّض عبّرها على الكراهية وتجري محاولات تشويه مذاهب، ويُستعدى عليها علناً وعلى مجاورين عرب للأردن، فيعتقدُ المغسولة أدمغتهم إنْ ارتكبوا هذه الحماقات الإرهابية الجهالية أنهم يحسنون بذلك صنعاً، ويتقرّبون بها إلى الله.
نحن في إقليم واحد قوانينه الرئيسة واحدة، وأيّة أمراض على اختلافها قد تصيب منطقة منه لا بدّ ستنتقل إلى بقية مناطقه بفوارق زمنية ليست طويلة، لكن الانتقال المتأخر قد يحمل كوارث أشدّ بما تراكم من ثارات وخبرات وإرهابيين وجهالات جرى تكثيفها إعلامياً وعمليات غسيل أدمغمة مدعومة بالمال والسلاح والتدريب والتعريض بالمذاهب والطوائف والأقوام الأخرى، لتتحوّل إلى رفض مطلق للآخر وتكفيره واستباحة دمه وعرضه وماله.
بوضوح… إنّ إتاحة الفرصة لموتورين وجهاليين ومتلقي أموال، ليبثوا من على وسائل إعلام ومن مساجد، الشتائم والاتهامات لمجاورين عرب، هو المقدّمة الأولى لانتقال التطرف إلينا وشرعنة الانتقال، ودخول خط التكفير لكلّ ما لا يتوافق على مسطرة التكفيريين.
كما أنّ انخراطنا في أحلاف إقليمية ودولية، يعطي فرصاً مجانية لانخراط العصابات الإرهابية في شؤون الأردن المحلية، في وقت أوْلى بنا تركيز جهودنا وعيوننا على حدودنا، ورصد بطانات حاضنة ممكنة، تزيدها الأخطاء وشؤون الفساد فرصاً للتمدّد، فضلاً عن البطالة وشؤون المعيشة الضنكة.
إنّ رفض وإدانة غالبية الشعب الأردني بمكوناته السياسية الحزبية والنقابية والشعبية المُعارض منها والموالي والوسط، للعملية الإرهابية التي تمّت يوم 6 حزيران وهو اليوم الثاني لحرب حزيران التي شنّها الكيان الصهيوني على الأردن وسورية ومصر، وأدّت في ما أدّت إليه إلى احتلال شطر الأردن الغربي الذي ما زال يعاني من الاحتلال وما هو أسوأ يدلل على وعي ووفاء واستشراف للمخاطر التي يحملها الإرهاب لهذا البلد، كما حملها من قبل لكلّ من لبنان وسورية والعراق واليمن ومصر وليبيا وتونس والجزائر…
ومن جهة أخرى يُشكل اختيار العصابات الإرهابية، يوم العدوان الصهيوني موعداً لتنفيذ العملية الإرهابية، على نظرتها المكملة لمصالح العدو الصهيوني ضدّ أردننا وأمتنا.
بكلمات، إنّ شعباً رافضاً للإرهاب بقوة، يستحق ثقة أكبر من قبل حكومات الأردن المتعاقبة، ويستحق الثقة بجدوى رفضه لسياسات التورّط في الأحلاف، وهو رفض يمتدّ إلى خمسنينات القرن الماضي وما يزال… وبالثقة بتوجهاته الرافضة لوصفات مؤسسات رأس المال العالمية، التي لم تزد الأردن إلا خراباً اقتصادياً، وبالثقة برفضه استقبال المزيد من اللاجئين السوريين لأكثر من اعتبار، لأنّ وطنهم أوْلى بهم وأقدر من الأردن، ولأنّ تسرّب غير سوريين وإرهابيين ومهرّبي مخدرات وسلاح وعملات وبَشّر بينهم حدّث وقد يحدث المزيد، ولكي لا نوسع الشقة مع دولتهم الوطنية بالاستمرار في استقبالهم بناءً لضغوط غربية، فضلاً عن نقص في وفاء المانحين باحتياجاتهم.
إنّ أمن الأردن واستقراره يقوم على كلّ ما سبق، وبفهم الذرائع التي دلف منها الإرهاب إلى غير دولة عربية، واغتنام الطامعين الأخطاء للتدخل في شؤونها وجلب سفهاء الإرهاب من بقاع الأرض الأربع إليها، لتدميرها بحجج لا تميّز عصابات الإرهاب وداعميهم بشيء عن الدول التي صدّر إليها الإرهاب، بل هم متخلفون عنها بعقود ومسافات بعيدة.
باختصار شديد، العملية الإرهابية التي نُفّذت مؤخراً، هي بمثابة جرس إنذار للأردن الرسمي، للإقتراب من شعبه ومجاوريه العرب المستهدفين بالإرهاب الإقليمي والدولي وللتنسيق معهم في محاربته، وإعادة النظر في نهجه السياسي والإقتصادي والاجتماعي أيّ في الحرب على الإرهاب باعتبارها حرباً فكرية وعقدية ومعيشية فضلاً عن كونها أمنية ولأجل مساحةٍ ديمقراطية أرحب، قادرة على المجيء بمجلس نيابي حقيقي لا يتيح منح المزيد من المزايا لـ»إسرائيل» على الأقلّ.
m.sh.jayousi hotmail.co.uk