المعارك لاستئصال «داعش» تتجاهل أنها فكر طائفي مسيّس لا يواجه فقط بالسلاح…؟
ميشيل حنا الحاج
فجأة تبدّل كلّ شيء في المنطقة، وخاصة بالنسبة لكيفية التعامل مع «الدولة الاسلامية ـ داعش». فبعد أن كان التعامل معها لزمن طويل يتمّ بحنان ورأفة من الجانب الأميركي على الأقلّ، اذا به يتحوّل فجأة الى تعامل النمر المفترس الذي يسعى إلى قضم رقبة الذئب الداعشي.
كلّ شيء تبدّل فجأة، وظهر الأمر وكأنّ بركاناً قد بعثت فيه الحياة بعد رقاد طويل. وفي البداية، بدا الأمر وكأن الرئيس أوباما يسعى لتحقيق إنجاز واضح في عهده ضدّ «داعش»، قبل رحيله عن سدة الرئاسة. ولكن ما كان يبدو أنه مسعى لتحرير الفلوجة، وتحقيق موطئ قدم لأكراد سورية في الشمال السوري المحيط بالرقة بتعاون ودعم من خبراء أميركيين مهّدت له زيارة مفاجئة للمنطقة نفذها الجنرال الأميركي جوزيف بوتيل … ظهر بعده تطوّر آخر مفاجئ وسريع، في موقع آخر من مواقع تواجد «داعش».
إذ أنّ هجوماً آخر انطلق من مدينة مصراته باتجاه سرت، أحد معاقل «داعش» في ليبيا. وتقول أنباء بأنّ القوات الليبية المؤازرة لرئيس الوزراء الجديد فايز السراج، باتت تخوض الآن قتال شوارع في داخل مدينة سرت، بينما يقول معلق عسكري ليبي كما ورد في برنامج إخباري على قناة «بي بي سي»، أنهم يقاتلون في أطراف المدينة، ولم يصلوا بعد الى وسطها ليدخلوا مرحلة قتال في شوارع المدينة.
ولكن مفاجأة أخرى أكبر وأهمّ، جاءت عندما بدأت القوات السورية، تحت غطاء من سلاح الجو الروسي، بالتقدّم بسرعة فائقة نحو محافظة الرقة قادمة من جهتها الجنوبية، ووصلت الى داخل منطقة الحدود الإدارية للمحافظة. وهنا وقع المراقبون والمحللون السياسيون في حيرة. فما أعتقد أنّ ما يجري في شمال منطقة الرقة من زحف قوات سورية الدمقراطية ذات الأغلبية الكردية في المناطق الواقعة شمال الرقة، في مناطق غالبية سكانها من الأكراد، مع وجود بعض التركمان والآشوريين، وهو زحف يتمّ تحت جناح غطاء جوي للتحالف المدعوم أميركياً، ولكن بالاتفاق والتنسيق المسبق مع روسيا… شكل التدخل السوري المفاجئ والقادم من جنوب الرقة، مفاجأة مذهلة لأطراف عدة. فهل يجري ذلك نتيجة تنسيق وتخطيط مسبق بين الروس والأميركان، أم جاء، كما قال أحد المحللين على «بي بي سي»، نتيجة مخاوف سورية مفاجئة، بأنّ الزحف الكردي لن يتوقف لدى السيطرة على المناطق الكردية الواقعة شمال مدينة الرقة، بل سيسعى لدخول المدينة وضمّها بعد تحريرها من مقاتلي «داعش»، الى الاقليم الكردي الذي يتمّ التوجه الى إعلانه منطقة كردية ذات حكم ذاتي، لكن تحت راية مركزية الحكومة السورية.
ومن هنا اضطرت سورية، كما يرى المعلق السياسي، للتدخل في معركة الرقة، لتكون قواتها هي من يدخل المدينة ويحرّرها من سيطرة «داعش». وهذا قد يعني دخول القوتين الروسية والأميركية في مرحلة التنافس المعلن، بعد أن كان التنافس بين التحالفين، الروسي والأميركي، في مقاتلة الحركات الجهادية الإرهابية بما فيها «داعش» و«جبهة النصرة»، تنافساً صامتاً.
لكن زخم التقدّم نحو الرقة، سواء من شمالها أو من جنوبها، لم يشكل المفاجأة الوحيدة التي باغتت الجميع لما أفرزته من ارتفاع وتيرة القتال ضدّ «داعش»، وفتح أربع جبهات لها متزامنة وفي آن واحد هي: جبهة الفلوجة حيث تقدّمت القوات العراقية لتسيطر على مدينة الصقلاوية القريبة جداً من الفلوجة، وجبهة سرت في ليبيا حيث باتت القوات الليبية على مشارفها أو في داخلها، وجبهة قوات سورية الدمقراطية المنتشرة في شمال الرقة والمتقدّمة نحو مدينة منبج، بل وباتت على مشارفها، علماً أنّ منبج هي المدينة الأكبر في الشمال السوري بعد حلب، إذ يبلغ عدد سكانها 470 ألفاً، كما قال الدكتور فايز الدويري. والهدف الرئيسي لقوات سورية الديمقراطية، إضافة لأهداف أخرى، هو السعي لإغلاق الحدود التركية في مسافة قد يصل امتدادها إلى أربعمائة كيلومتر، تمتدّ من جرابلس الى أعزاز الحدودية. وهذا كله يجري في وقت تتقدّم فيه القوات السورية قادمة من جنوب الرقة، لتصل الى عمق 12 كلم داخل الحدود الإدارية للمحافظة، في مسعى لمحاصرة مدينة الطبقة الاستراتيجية في تلك المحافظة… ففي خضمّ وزخم تلك التطورات، جوبهت المجموعات التي تقاتل «داعش»، ومن أجل مقاتلتها تخلت الحكومة السورية موقتاً عن مخططها السابق لتحرير حلب من القوات المعارضة المسيطرة على أجزاء منها… بل وفوجئت أيضاً بأنّ المعارضة المسلحة بما فيها «جيش الفتح» الذي تقوده «جبهة النصرة» المنتمية إلى تنظيم «القاعدة»، وبمؤازرة قوات تركية تتسربل بكونها تنظيما سوريا مسلحا اسمه «جيش السلطان مراد»، قد استغلّ التطوّر الجديد، لمهاجمة مواقع الحكومة السورية في مدينة حلب. ويقول مركز المراقبة الروسي في قاعدة حميميم، إنّ الف جندي تركي يتواجدون الآن في منطقة الشيخ مقصود، بينما يتواجد ألفان آخران، في منطقة عفرين داخل الأراضي السورية القريبة من محافظة الاسكندرون، وهدفهم مؤازرة الجماعات الإرهابية المسلحة وأبرزها «جيش الفتح» و«الجبهة الشامية»، في مهمتها المتوقعة الساعية للسيطرة على كامل المدينة الحلبية.
واذا كان التدخل التركي المباشر والمفاجئ له أسبابه المفهومة، وهي رغبته في إحباط مشروع قوات الحماية الكردية الموصوفة بقوات سورية الديمقراطية، من النجاح في السيطرة على المناطق الشمالية للرقة والمحاذية للحدود التركية على امتداد 400 كلم، وذلك كإفراز لتصنيفهم قوات الحماية الكردية خصماً لكونه تنظيماً مؤازراً لتنظيم PKK التركي المصنف من قبل أردوغان بالتنظيم الإرهابي… فإنّ الدور الذي تقوم به «جبهة النصرة» و«جيش الفتح» من مشاغلة القوات السورية في حلب، لم يفهم بعد إنْ كان هدفه هو مجرد إحكام السيطرة على حلب تمهيداً لإعلانها الى جانب إدلب، «إمارة إسلامية»، أم أنّ له دوراً آخر وهو تخفيف الضغط عن الشقيقة السابقة… دولة العراق الاسلامية التي جرى فك ارتباطها بجبهة النصرة منذ منتصف عام 2013.
ومهما كانت أهداف «جبهة النصرة» وتكتل «جيش الفتح» و«جيش السلطان» و«الجبهة الشامية»، فإنّ ذلك لا ينفي أهمية ما باتت «داعش» تواجهه من معارك متزامنة في أكثر من موقع، وفي آن واحد، مما يشكل بدون أدنى شك، ورقة ضغط كبيرة على داعش لم تواجه مثيلاً لها منذ نشأتها. كلّ ما في الأمر أنّ السؤال الذي سيظلّ قائماً هو: هل ستنجح هذه الضغوط والمعارك المتزامنة في استئصال «داعش»، أم ستؤدّي فحسب الى تحجيمها… ربما لبعض الوقت.
يستبعد العديد من المراقبين والمحللين السياسيين والضالعين في الشأن العسكري، نجاح تلك الهجمات على داعش في القضاء عليها أو استئصال وجودها. كما بستبعدون احتمال السيطرة على محافظة الرقة، وخصوصاً مدينة الرقة، في وقت قريب أو نسبي. ويؤكد هذه الرؤية الدكتور فايز الدويري، وهو أكاديمي أردني متخصص في الشأن العسكري. ويعزز أيضاً تلك الرؤية، الدكتور هشام جابر، وهو محلل سياسي لبناني وعميد متقاعد في الجيش وخبير في الشأن العسكري، اذ أنه يستبعد ذلك تماماً، مذكراً بأنّ التنظيم يمارس في آن واحد نهجين في القتال: نهج المجابهة الكلاسيكية في المعارك العسكرية، ونهج حرب العصابات، فيلجأ لأسلوب الكرّ والفرّ بما ما يفرزه من انسحاب لكن مع العودة فجأة للهجوم. وأودّ أن اضيف الى قول الدكتور جابر، أنه اضافة الى استخدام المفخخات المتفجّرة، هناك العديد من الأنفاق في المنطقة، والتي شقتها داعش أثناء تواجدها الطويل في المنطقة، مما يساعدها على استخدامها في تنفيذ هجمات مضادّة آتية من خلف القوات المهاجمة. فهذه الأنفاق العديدة، سوف تساعده على استخدام عنصر المباغتة في هجماته الشرسة.
ومن تكتيكات داعش المعروفة، تنفيذ هجمات مفاجئة في مواقع لم تكن متوقعة. وهناك أيضاً سلاح التنظيم الأهمّ، وهو سلاح العمليات الانتحارية المعزّزة بتواجد العديد من الجهاديين المتحمّسين لفكرة الاستشهاد باعتبارها طريقاً سريعاً الى الجنة، كما يُقال لهم. وسلاح الانتحاريين سلاح ينفرد به تنظيم «داعش» ولا تملك مثيلاً له القوات السورية أو الروسية أو قوات سورية الدمقراطية. وهذا سلاح، أيّ سلاح الانتحاريين، غالباً ما يؤدّي الى نجاح أحد الانتحاريين في التسلل الى الصفوف الخلفية للقوات المهاجمة، فيؤدّي تفجير نفسه في الصفوف الخلفية وفي وسط تجمع للمقاتلين أو المؤازرين لهم، ملحقاً ضربة موجعة ومعيقة لمخططاتهم.
وإذا ما اضطر التنظيم للتراجع في بعض المواقع، بحيث كاد يبدو للعلن في حالة من الضعف والوهن والتقهقر قد يؤدّي الى فرار بعض أعضائه خوفاً من هزيمة، كما يؤدّي الى تضاؤل عدد المنتسبين الجدد للتنظيم، فإنّ التنظيم في حالات كهذه، من المتوقفع أن يلجأ لأن يضرب في الصفوف الخلفية للدول المنضوية تحت جناح التحالف الدولي برعاية أميركية… في صفوف الدول الأوروبية المؤازرة للتحالف، وربما أيضاً في صفوف دول التحالف الروسي أو حتى الإسلامي، وذلك عبر عمليات انتحارية قد ينفذها في مواقع أوروبية أو غير أوروبية، ولكنها مواقع لم يقدر أصحابها احتمالات تعرّضها للخطر، فلم يتخذوا نتيجة ذلك احتياطات أمنية كافية لتداركها.
فداعش، كما يرى بعض الدارسين والمتابعين لنشاطها ونهجها، قد حرصت كما يبدو، على إيجاد خلايا نائمة لها في تلك الدول، تستخدم في حالات الضرورة، وخصوصاً عندما ترغب في التأكيد للملأ بعد ضربات موجعة وجهت اليها، بأنها لما تزل قوية وقادرة. ويرجح أنّ سلاح الخلايا النائمة في الدول الأوروبية، قد تعزز بأعداد ملموسة مؤخراً نتيجة تدفق المهاجرين السوريين وغير السوريين على تركيا وعلى دول أوروبا، مما يرجح احتمال تسلّل بعض الانتحاريين بينهم تحت ستار اللجوء الإنساني، لتعزيز سلاح الخلايا النائمة في تلك الدول.
فالضربات في الصفوف الخلفية للدول المهاجمة تحت أيّ ستار أو تجمّع كان، لا يشكل مجرد ضربات موجعة لعدو، بل هو تذكير بالنهج الاستراتيجي الذي اعتمده التنظيم كتكتيك، بل كاستراتيجية للفت النظر اليه، وللانتشار بسرعة متستراً بعامل تخويف الآخرين منه… والمقصود به نهج الأعمال الوحشية التي تعزز الخوف من التنظيم، والذي من أجل بثه في نفوس الآخرين، لجأت الى قتل الأسرى، وقطع الرؤوس أمام العلن، وسبي النساء واغتصابهن. فالضربات الانتحارية في الدول الأخرى، ستشكل نقلاً نسبياً ونوعياً لخط القتال من سورية والعراق وليبيا، الى خطوط أخرى موجعة واقعة في دول داخلة في التحالفات التي تقاتل داعش.
وهكذا يبدو أنّ المعركة طويلة، رغم التزامن في فتح عدة جبهات، وقد تكون أطول مما يتوقع الكثيرون. واذا نجحت تلك الحملة، فقد تنجح فحسب في إضعاف داعش، لا في استئصالها. ولعلّ الولايات المتحدة قد تعلّمت درساً من طريقة تعاملها مع تنظيم «القاعدة» في أفغانستان، وهو التنظيم الأمّ الذي نمت في دفء حضنه، كلّ الحركات الارهابية السائدة الآن في هذه المنطقة وفي أفريقيا، وكذلك في مواقع أخرى من العالم كأوروبا والمناطق الشيشانية والاسلامية في الاتحاد الروسي.
فالولايات المتحدة رغم حرب خاضتها على مدى أربعة عشر عاماً في أفغانستان ضدّ «القاعدة» وضدّ مناصريها من طالبان الذين يقدّمون الحماية لتنظيم القاعدة ويضمّونها تحت أجنحتهم، لم تفلح في استئصال «القاعدة» أو انهاء وجودها أو نشاطها، الأمر الذي تؤكّده تفجيرات وهجمات تنفذ بين الفترة والأخرى في كلّ من الصومال واليمن وأحياناً في مناطق قريبة من المغرب العربي، كما في العملية الإرهابية التي نفذها قبل شهرين أو أكثر، تنظيم القاعدة في المغرب العربي، في دولة بوركينا فاسو. وهذا الفشل في استئصال «القاعدة» المتواجدة قيادتها في داخل أفغانستان وفي مناطق باكستانية مجاورة للحدود الأفغانية، يرجح أنّ الاكتفاء باستخدام القوة المسلحة وحدها لمكافحة تنظيمات جهادية ذات توجهات سياسية نابعة من أصول دينية متشددة كهذه… هو خطوة غير كافية، خصوصاً أنّ هذه التنظيمات تلجأ للتمدّد في مواقع أخرى غير المواقع المتعرضة للهجوم، فتشكل تنظيمات فرعية لها في دول أخرى كما فعلت «القاعدة» بإيجادها تنظيمات لها في عدة بلدان أخرى. ويرجّح أنّ داعش قد نحت نحو القاعدة في تشكيل فروع كهذه لها وخصوصاً بعد مبايعتها من تنظيمات عدة متواجدة خارج سورية والعراق كبوكو حرام، وأهل بيت المقدس وغيرهما كثر.
اذن أسلحة الحرب التقليدية المستخدمة حالياً في مقاتلة القاعدة أو داعش، ليست وحدها هي السلاح الفعلي المطلوب أو المنتج. فهذه التوجهات المستندة الى فكر اسلامي متشدّد، لا يمكن أن تعالج إلا بفكر مقابل قد يستطيع بعد عدة عقود قد تكون طويلة فالنتائج لن تكون سريعة ولكن طريق الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة ، من الوقوف في وجه هذا الفكر الجهادي المتشدّد والمضلّل بمفاهيم وتفسيرات خاطئة. والفكر الجديد القديم المطلوب، هو من ناحية، قيام الأزهر الشريف بطرح شروحاته المتسمة بالاعتدال، والداعية للتسامح الديني وعدم إنكار الآخر. ومن ناحية أخرى، العودة الى رفع شأن الفكر العروبي والقومي الذي كاد يتلاشي في خضمّ طروحات الجهاديين، اضافة الى توجهات نحو العلمانية ونحو بعض المنحى اليساري في التفكير، ولو المعتدل منه المتناسب مع وضع شعبنا وتقاليدنا. فهذا هو الردّ الموضوعي والفاعل لاحتواء الأفكار المتطرفة والمتشدّدة التي طرحها بعض الفقهاء المتشدّدين كابن تيمية مثلاً وبعده محمد بن عبد الوهاب.
فالفقيه بن تيمية، قد وضع بذور أفكاره المتشدّدة في بوتقة الفكر الاسلامي والتي تحوّلت بعد عدة قرون، وعلى يد الفقيه والداعية الاسلامي محمد بن عبد الوهاب، الى نقطة انطلاق لوضع تلك الأفكار في موضع التنفيذ في النهج الحياتي والسياسي، منطلقة في البدء من السعودية، لتنتشر بعدها في بعض دول الخليج، ومن ثم الى مصر على يد سيد قطب، ومنه الى أسامه بن لادن، ومن ثم لأيمن الظواهري، وبعده الى «الخليفة» أبو بكر البغدادي.
وهكذا يبدو لي، وربما لآخرين، أنّ هذا التوجه في التشدّد الديني الى حدّ الافراط في التطرف، قد يحجمه أو يؤخره قوة استخدام السلاح، لكنه لن يستأصله. فلا شيء يستأصل فكراً كهذا الا فكراً مقابلاً واضحاً ومقنعاً يدغدغ المشاعر القومية الوطنية، كما دغدغت أفكار بن تيمية ومن والاه، المشاعر والمعتقدات الدينية التي نحترمها كثيراً عندما تكون في إطارها الصحيح كدين اسلامي معتدل ومتسامح كما أراد له الرسول أن يكون.
ولكن الفكر الأكثر استدعاء للاهتمام به على عجل، هو مفهوم الاستشهاد الذي تغسل به أدمغة المنتحرين المزنّرين بكمية قاتلة من المتفجرات. فالمفهوم الذي يقدّم لهؤلاء، هو أنّ مصيرهم الى الجنة فور تفجير أنفسهم في وسط مجموعة، غالباً ما لا تكون من المقاتلين، بل من المدنيين الأبرياء. وهذه نشهدها كثيراً في العراق، وأحياناً في مدينة حماة السورية، بل ونفذت مؤخراً في اللاذقية. فالمطلوب من الأزهر الشريف، أن يبيّن لهؤلاء، أنّ المنتحر يذهب الى الجنة الموعودة اذا كان يفجر نفسه في وسط عدو محتلّ لبلاده، ويغتصب حقوق شعب ما كالشعب الفلسطيني مثلاً. أما من يفجر نفسه في أيامنا هذه في وسط مدنيين أبرياء ومن أبناء شعبه، من بينهم النساء والشيوخ والأطفال، فهذا يصعب كثيراً القول بأنه سوف يذهب الى الجنة ليلتقي بالله تعالى، عندما يقتل أطفالاً هم أحباب الله.
وهناك حالة أكثر وضوحاً، وهي من يفجر نفسه داخل جامع أو حسينية أثناء قيام البعض بأداء فروض الصلاة والتعبّد لله. وهذه قد حدثت كثيراً في الماضي القريب والبعيد. فكيف يمكن لهذا المنتحر المضلل أن يعتقد أنه حقاً في طريقه الى الجنة، مع أنه قتل للتوّ أبرياء، أثناء أدائهم لصلواتهم متعبّدين لله. فهل من الممكن أن يستقبل الله قاتلاً اغتال للتوّ أناساً كانوا يتعبّدون له؟
على الاخوة في الأزهر الشريف، أن يبادروا فوراً لشرح ذلك لهؤلاء المضللين… وأن يشرحوه لهم مراراً وتكراراً وبأساليب ووسائل مبتكرة وحديثة، لعلهم يقنعون بعضاً منهم بالتراجع عن هذا المفهوم الخاطئ… بل المفهوم القاتل.
مستشار في المركز الأوروبي العربي
لمكافحة الارهاب برلين
عضو في مركز الحوار العربي الأميركي واشنطن