الحلّ في اليمن جدّي وفي رمضان
ناصر قنديل
– كثيرة هي المؤشرات التي تسمح بالاستنتاج أنّ سقوف التصعيد اليمنية لم تنخفض، والتي تسمح بالقول إنّ مشاركة الفريقين في التفاوض تشكل نوعاً من رفع العتب، فالمراوحة في المكان تعكسها الإعلانات المتكرّرة عن اتفاقات على وقف للنار لا يبصر النور ولا يثبت، والانسحابات المتكرّرة من المفاوضات احتجاجاً على الاتهامات المتبادلة بعدم الجدية، إضافة إلى أنّ جبهات القتال تشهد منذ بدء التفاوض في الكويت تطوّرات قاسية، وعنفاً يتخطى أحياناً ما كان قبل التفاوض، والسقوف السياسية للفريقين لا تزال تدور حول حدّين صعب تدوير الزوايا بينهما، مطالبة الحوثيين بالتفاهم على حكومة موحدة تنضوي تحت سقفها كلّ بنود التسوية، ورفض جماعة منصور هادي ذلك باعتباره شرعنة لما يسمّونه بالانقلاب، والمطالبة بالبدء بتسليم المدن والسلاح لجيش ما يسمّونه بالشرعية، أيّ جيشهم، ووصف الحوثيين لذلك بالدعوة للاستسلام.
– مقابل كلّ ذلك، يسهل الجزم بأنّ فريقي الصراع لا يملكان خارطة طريق لما بعد فشل التفاوض، والعودة إلى المواجهة العسكرية، فتوازن القوى السلبي بلغ مداه في إثبات العجز عن الحسم العسكري لكليهما، وهو حسم مستحيل على الحوثيين وحلفائهم بوجود التدخل السعودي الجوي والبري، وحسم صار مستحيلاً على السعوديين بعد آمال وأحلام تكسّرت خلال عام من صمود اليمنيّين وبطولاتهم، والطريق المسدود للخيار العسكري يجعل التفاوض طريقاً حتمياً للخروج من حرب استنزاف بلا أفق، مهما طال وتعقد التفاوض، وفي المقابل أيضاً يبدو الفريقان مدركين لهذه الحقيقة، فتراهما عندما يغادر أحدهما التفاوض احتجاجاً يصرّ على البقاء في الكويت وإطلاق المواقف التي تشير إلى تمسكه بالخيار التفاوضي طالباً تدخل الوسطاء لإعادة المفاوضات إلى سياق مقبول.
– النتائج المترتبة على حرب الاستنزاف تصيب قدرة الفريقين على الصمود في ظلّ ضعف الموارد المالية، فالفريق اليمني الذي تدعمه السعودية يعرف أنّ الدعم المالي السعودي والخليجي تراجع إلى أقلّ من النصف، والفريق الحوثي وحلفاؤه يعرفون أنّ موارد الخزينة اليمنية في صنعاء قد تلاشت ولم تعد تكفي للمزيد من الصمود ما لم يتمّ التوصل لحلّ سياسي، والنتائج المترتبة على الاستنزاف فيها مستفيد واحد هو تنظيم «القاعدة» بنسخته الأصلية ونسخته المنقحة «داعش»، الذي يتجذّر ويتمدّد في ظلّ الحرب، ويشكل بتمدّده جسر تواصل مع الصومال من جهة، وضفاف البحر الأحمر المقابلة من جهة أخرى، وباكستان عبر المحيط الهادئ من جهة ثالثة، ما يجعل البعد الاستراتيجي لهذا التمدّد والتجذر، مصدر قلق وعناية في الغرب وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية التي انتقلت من موقع الداعم العلني للحرب السعودية، إلى مصدر دعم للمفاوضات، وهو ما عبّر عنه الرئيس الأميركي باراك اوباما لأمير الكويت في حضور الملك السعودي، بدعوته لرعاية المفاوضات، وقد انتقل مؤخراً إلى الضغط الجدي لتسريع بلوغ المفاوضات نهاياته السعيدة.
– تزامن وصول الناطق الرسمي باسم اللجان الثورية إلى الرياض قبل أيام مع صدور تقرير الأمين العام للأمم المتحدة الذي وضع التحالف الذي تقوده السعودية على اللائحة السوداء، ما استدعى حملة سعودية خليجية عالية الوتيرة حتى تمّ سحب التصنيف، ومعلوم أنّ الإدراج والسحب قد تمّا بقرار أميركي، وأنّ الثمن كان تعهّداً سعودياً بتسريع إنجاح التفاوض، وأنّ التفاوض الحقيقي كان يجري في الرياض، مثلما الذي حدث قبل بدء التفاوض في الكويت، وخلال ساعات قليلة أعلن عن وجود بوادر اتفاق شامل في الكويت، يتضمّن تشكيل لجنة عسكرية محايدة تمّ الاتفاق عليها ستتولى تسلّم الأمن والسلاح كتمهيد لتشكيل جيش وطني يمني موحّد، يتبعها تشكيل حكومة موحدة، تكون هي المرجع الذي يقود العملية السياسية بتعديلات دستورية تنتهي بانتخابات نيابية ورئاسية.
– قد تصعد وتهبط التوقعات حول الحلّ في اليمن، لكن الواضح أنّ ثمة موعداً جرى التأشير إليه منذ بدء مفاوضات الكويت، هو نهاية رمضان كموعد لبلوغ الحلّ تجب مراقبته بعناية.