لا انتقائية في التعامل مع الإرهاب…؟

راسم عبيدات

الإرهاب واحد سواء قامت به دول أو مجموعات أو أفراد، وهو ليس مرتبطاً بفكر أو مذهب أو دين محدّد، ولكن الخلاف بأنّ بعض القوى والدول تحتضن وتدعم قوى إرهابية من أجل خدمة مصالحها وأهدافها سياسية كانت أم اقتصادية، وهي تتعامل مع الإرهاب بشكل انتقائي وبمعايير مزدوجة متعارضة مع كلّ القيم والمبادئ والقوانين الدولية، وهذا من شأنه أن يشكل بيئة حاضنة لمثل هذه الجماعات أو الدول الإرهابية، ويمكنها من ممارسة ومواصلة أعمالها الإرهابية من قتل وتدمير دون أيّ محاسبة أو مساءلة، حتى يصل الأمر إلى وصف ما تقوم به من أعمال إرهابية بأنّها أعمال مشروعة أو دفاع عن النفس، أو تأتي كردّ فعل «مشروع» على ما يمارسه النظام السياسي الذي تقوم بمحاربته، فعلى سبيل المثال لا الحصر «دولة الاحتلال الإسرائيلي مارست سياسة التطهير العرقي والقتل والطرد والتهجير القسري بحق الشعب الفلسطيني، ولكن رغم كلّ ذلك هناك من دول الغرب الاستعماري وأميركا من وقفوا الى جانب «إسرائيل» ووصفوا جرائمها واغتيالتها وعملياتها العسكرية وعقوباتها المخالفة لكلّ الأعراف والمواثيق والاتفاقيات الدولية، بأنها شكل من أشكال الدفاع عن النفس وتأتي رداً على «الإرهاب» الفلسطيني، منطق مقلوب تحويل الجلاد الى ضحية والضحية الى جلاد».

والقوى الاستعمارية وأميركا لم تدعم فقط دولاً تمارس الإرهاب، كما هو حاصل مع «إسرائيل»، بل في سياقها التاريخي، كأنظمة رأسمالية «متغوّلة» و»متوحّشة» داست على كلّ القيم والمعايير والمواثيق والاتفاقيات الإنسانية والدولية التي تشبعنا تنظيراً بها من حرية وعدالة وديمقراطية وحقوق إنسان وحق تقرير مصير وغيرها، فهي استخدمت قوتها العسكرية وتدخلت مباشرة في قلب أنظمة حكم جاءت على أنقاض ديكتاتوريات كانت تدعمها وتحميها، كما حصل في تشيلي ونيكاراغوا وإيران وفنزويلا وبنما وغيرها من البلدان الأخرى.

وليس هذا فحسب فنحن رأينا في سبيل مصالحها، كيف وظفت قوى ما يسمّى بالجهاد العالمي «القاعدة» والعرب الأفغان في حربها مع الاتحاد السوفياتي، عندما دعمتهم بالسلاح والمال والرجال في أفغانستان لخدمة مصالحها، ولضرب الوجود السوفياتي هناك، حتى وصل الأمر بالرئيس الأميركي الراحل ريغان إلى حدّ وصفهم بأنّهم مناضلون من أجل الحرية، ولكن عندما أنهوا مهمتهم، وخرجوا عن طوع مشغليهم، جرت محاربتهم ووصفهم بالجماعات الإرهابية.

منذ أكثر من خمس سنوات جرى استغلال وتوظيف الجماعات الإرهابية التي تنهل من الفكر الوهابي التكفيري، والمتسلحة بفكر الكهوف والسجون في طورا بورا وغوانتنامو من جماعة «القاعدة» ومتفرّعاتها من «داعش» و»النصرة» و»جيش الإسلام» و»أحرار الشام» وغيرها من المسمّيات والعناوين لنفس المنتج في القيام بعمليات قتل وارتكاب مجازر ومذابح لم يعهدها التاريخ البشري لا قديماً ولا حديثاً، وكذلك التخريب والتدمير والنهب والاغتصاب والتهجير والطرد القسري لاثنيات بأكملها، ناهيك عن تدمير كلّ المنجزات والمواريث الحضارية والإنسانية، ونهب وسرقة الآثار وغيرها.

ورغم كلّ ذلك وجدنا بأنّ تلك الجماعات الإرهابية، جرى دعمها بكلّ الأمكانيات من العديد من الدول العربية والإقليمية والدولية في حروبها ومعاركها العدوانية والإجرامية، ضدّ الأنظمة القائمة في دولها، كما حدث في ليبيا والعراق ومن ثم في سورية، حيث جرى ضخّ مئات المليارات من الدولارات وأحدث أنواع السلاح والاحتياطي البشري الإرهابي من أكثر من 80 دولة من أجل تدمير سورية وتقسيم جغرافيتها وتفكيك جيشها ونهب خيراتها وثرواتها وإسقاط قيادتها.

ورغم كلّ ما قامت وتقوم به هذه الجماعات الإرهابية من مجازر وعمليات إرهابية، لا تزال مشيخات النفط والكاز الخليجية وجماعة الخليفة السلجوقي ومعهم أميركا و»إسرائيل» وبريطانيا وفرنسا، يرفضون تصنيفها كقوى مجرمة وإرهابية، ولكن تحت الضغط وما حققه الجيش السوري بالتعاون مع حلفائه وأصدقائه الروس والإيرانيين وحزب الله من انتصارات عسكرية دفع بأميركا وحلفائها للموافقة على مضض على تصنيف «داعش» كجماعة إرهابية، وإنْ استمروا بدعمها في السرّ، وما زالوا يرفضون اعتبار حليفتهم «النصرة» كقوة إرهابية يجب العمل على اجتثاثها، رغم أنّها مصنفة كذلك في الأمم المتحدة.

الإرهاب عندما يضرب في سورية أو الضاحية الجنوبية في لبنان، أو في اليمن لا يجري إدانته أو التنديد به واستنكاره والدعوة إلى اجتثاثه، بل نجد من يخترع ويجد التبريرات والمسوغات له، سبحان الله قوى مغرقة بالتطرف والإرهاب والإقصائية تقاتل من أجل «الحرية» و»الديمقراطية» و»التعدّدية»، هو «العهر» بحدّ ذاته، فهذه القوى الإرهابية عندما ضربت في باريس، قامت الدنيا ولم تقعد وعقدت المؤتمرات وتداعى زعماء ورؤساء الدول، بمن فيهم من يمارس الإرهاب بحق شعبه، لحضور مؤتمر في باريس يجرّم «داعش» ويندّد بإرهابها، أما جرائمها هي وأخواتها ومتفرّعاتها الأخرى في العراق وسورية على وجه التحديد فلا يجب إدانتها ولا تجفيف منابع ومصادر دعمها وتسليحها وتمويلها ورعايتها وحضانتها؟ فهي تخدم مصالح وأهداف تلك الدول بفرض مشروع سايكس بيكو جديد على المنطقة العربية يقسمها على أساس المذهبية والطائفية.

الإرهاب ، ضرب في الأردن، في أول يوم من أيام شهر رمضان، وبالتحديد في مخيم البقعة، حيثُ أدّى هذا الهجوم الإرهابي إلى استشهاد خمسة من قوات الأمن الأردنية، هذا العمل ليس بالبريء، بل هناك قوى خططت له وكانت «داعش» أداته التنفيذية، فهو يستهدف ضرب لحمة النسيج المجتمعي الوطني والاجتماعي الأردني، ولا غرابة إذا ما كان الهدف إحداث حالة من الاقتتال الأردني- الفلسطيني، تمهيداً لما يسمّى بمشروع الوطن البديل وتصفية القضية الفلسطينية، ولذلك على الحكومة والدولة الأردنية التي استجابت للشروط والإملاءات الخارجية عربية ودولية، بأن وفرّت حاضنة وبيئة لتلك الجماعات الإرهابية، وسهّلت دخولها وتسليحها من أراضيها الى سورية لكي تمارس كلّ أنواع القتل والتدمير، خدمة لمشاريع معادية، أن تصحو الآن وقبل فوات الأوان، بأنّه لا أمن للإرهاب، فهو عندما يتمكّن يتمرّد على مشغّليه وحاضنيه، فلتكن عملية الهجوم على مقرّ المخابرات الأردنية في مخيم البقعة، واستشهاد خمسة من أفرادها، ناقوس خطر يدق أمامها، بالعمل بلا هوادة على اجتثاث وتصفية القوى الإرهابية، وتدمير حواضنها وقطع شريان تمويلها وإغلاق مؤسّساتها المتسترة بالاجتماعية والإغاثية، ووقف كلّ وسائل التحريض التي تمارسها عبر مساجدها ومؤسّساتها ووسائلها الإعلامية.

فالإرهاب يجب التعامل معه على قاعدة واحدة، وليس الانتقائية، فلا يوجد إرهاب سيّئ وإرهاب جيّد. جيّد عندما يضرب في سورية والعراق والضاحية الجنوبية واليمن، وسيّئ عندما يضرب في أيّ دولة أو مدينة تابعة للحلف الأميركي الصهيوني الاستعماري الغربي.

Quds.45 gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى