الأردن: «أول الرقص حنجلة»!
مايا زهرالدين
هناك مَن تدرّبه وتقضي له بعض مصالحه وتنفذ له طلباته، سرعان ما ينكر معروفك معه وينسى دعمك، وإذا سنحت له فرصة للإنقضاض عليك أو النيل منك فإنه لا يتوانى عن ذلك ويفتك بك، متناسياً بذلك كلّ ما قدّمته إليه من مال وسلاح وشرعية!
أما «الحنجلة» فهي طريقة مشي طائر الحجل، والتي هي أقرب ما تكون للرقص منها للمشي، ويستخدم المثل عند ظهور بوادر لا يحبّها القائل ولا يرتاح لها وحكماًً «سيتحنجل» الأرادنة بعد قراءة ما نودّ قوله…
طوال الحرب العدوانية على سورية كان الأردن منخرطاً بالمؤامرة على سورية وشعبهاـ بل داعماً للإرهاب فيها بكلّ أشكال الدعم والتدريب والتسليح تلبية للرغبة الخليجية والصهيوـ أميركية.
آلاف الشهداء في سورية بفعل الإرهاب ولم يرفّ جفن الأردن الرسمي، ولم يعترف كنظام على لسان الناطق باسمه بالإرهاب إلا بعد أن اعترف سيّده الأميركي بوجوده في سورية، وقد كان الإرهاب نفسه وإلى اليوم على إعلام النظام الرسمي وقنواته التابعة الخاصة معارضة معتدلة وثوار حرية وحمائم سلام ومجاهدين، ضدّ «نظام الأسد» كما يجهدون بتعميمه نقلاً عن الراعي الرسمي «جزيرة» قطر وأخواتها.
وفي اليوم الأول من شهر رمضان يعلن الناطق باسم الحكومة الأردنية أنّ الأيدي الآثمة «الارهابية» استهدفت مقراً لجهاز المخابرات المنخرط بمؤامرة تدمير سورية والعراق ، مما أسفر عن استشهاد خمسة عناصر بينهم ضباط في داخل مقرّهم، الواقع على تخوم مخيم اللاجئين الفلسطيني «البقعة» التابع لمنطقة «عين الباشا» شمال العاصمة الأردنية عمّان، وختم الناطق بيانه بالتهديد والوعيد، وبأنّ الإرهاب سيعاقب عقاباً شديداً، وأنّ الأردن واحة أمن وأمان واستقرار – وكان متأثراً جداً كعادته «التأثرية» على الشعب السوري!
هنا بدأت ردود الفعل الغاضبة والمستنكرة شعبياً، علماً أنّ ما من أحد استنكر يوماً ما يفعله النظام وأئمته في المساجد من تحريض ودعم واضح فاضح للمجموعات الإرهابية «المعتدلة» في سورية – يا للهول، صار الثوار إرهابيّين وعادت مسرحية «العنترية» بمسمّى جديد غير الكساسبة والثأر له وعواظم الأمور.
ساعات ويعود الناطق ليظهر مجدّداً مخاطباً شعبه بأنّ الحادث فردي، وأنه بالتعاون مع العشائر الشريفة تمّ إلقاء القبض على المشتبه به قاتل عناصر المخابرات الارهابي، لتثور ثائرة الشعب وكيف للناطق أنّ يتحدث عن حادث فردي فيما العناصر الخمسة الذين قتلوا نال كلّ منهم أربع رصاصات على الأقلّ؟
وتقول الرواية أنّ شاباً عمره 21 سنة دخل مقرّ أهمّ جهاز أمني في البلد وهو يحمل مسدساً من عيار 7 ملم وقتل 5 من منتسبي الجهاز ب 4 طلقات لكلّ منهم مما يعني أنه أعاد تعبئة مسدسه 3 مرات على الأقلّ دون أن يدافعوا عن أنفسهم!
وقامت بالتحليل – المصادر نفسها: البيان الأولي قال إنّ المختبر الجنائي جمع فوارغ من أسلحة أوتوماتيكية – هرب الجاني بسيارة حسب شاهد عيان لكنه هرب لمسافة 7 كلم فقط، ثم اختبأ في جامع ظنّ أنه مهجور مع أنّ الصور توضح وجود سجاد نظيف!
الفيديو الذي نشره المقرّب من النظام الإعلامي محمد الوكيل يوضح أنّ شباب «العدوان» من أكبر العشائر الأردنية صاحبة النفوذ المطلق – ألقوا القبض عليه في حين تلا وزير الإعلام المومني بياناً قال فيه إنّ الأجهزة الأمنية هي من ألقت القبض على القاتل، وأنّ الحادث يبدو فردياً! هذا كله إضافة للجدل على جنسية الإرهابي المزعوم، وتبيّن لاحقاً أنه أردني وليس سورياً.
ألا يستحق الشعب المكلوم والقلق بياناً متماسكاً قابلاً للتصديق لقطع دابر الشائعات – إلى متى يستمرّ الغباء و الاستهتار الإعلامي الرسمي؟
هذا وكان الملك الأردني غادر إلى أوروبا كالعادة لقضاء شهر رمضان الكريم وهو الذي لا يتواجد في بلده إلا نادراً كما كان يفعل الرئيس سعد الحريري سابقاً حتى عاد إلى لبنان بعد انتهاء صلاحيته، لتكون خسارته مزدوجة من الداعمين وحاضنته بدليل الانتخابات البلدية الأخيرة – فهل ستكون خسارة ملك الأردن كصديقه سعد؟
وأخيراً وجه الداعية «التكفيري» الأستاذ الجامعي في الجامعة الأردنية التي تعتبر صرحاً تعليمياً بارزاً في المملكة المدعو أمجد قورشة – رسالة إلى قيادة الجيش والمخابرات بالتروّي لأنّ استهداف الإرهاب يودي بحياة المدنيين، وبنظره هم «جبهة النصرة» و»الجيش الحر» كون كما نشر بعض الناشطين أن عمليات عسكرية بدأت في منطقة جرش ضدّ بؤر الإرهاب ذهاباً إياباً إلى سورية ومقرّها مدينة جرش القريبة من اربد عاصمة الرمثا المحاذية لسورية…
من أمثال الأرادنة الشهيرة: «اللي بتركّبه وراك بيحط إيده في جيبتك» فهل فهموا أخيراً أنّ الإرهاب لا بدّ أن يرتدّ على داعميه عاجلاً أم آجلاً؟ وهل سيخجلون نظاماً وحكومة وشعباً إلا ما رحم ربي – ويتوقفون عن سفك الدماء السورية العراقية بدعمهم المطلق لها على كافة الصعد؟
أشك في ذلك، لأنّ صديقي المناضل من الأردن قال لي: «ما تندهي» نحن غارقون في العنتريات ورأسنا كبير بما لا يتناسب مع حجمنا وستكون نهايتنا أليمة وخيمة مأساوية وسندفع الثمن وحدنا.