الزحف نحو روسيا وأبعاد هدية بوتين لنتنياهو…
روزانا رمّال
تبدو المنطقة متوجهة نحو حراك سياسي وديبلوماسي أخير بعدما صار الاستحقاق الانتخابي الاميركي اقرب من اي وقت مضى، وبعدما حسم الحزب الديمقراطي مرشحته الرسمية هيلاري كلينتون، ودعم الرئيس باراك أوباما لها. وهنا بدأ الأخير بالدخول في أجواء مسؤولياته وما يترتب عليه من المحافظة على الكرسي للحزب الذي اوصله لأروقة البيت الابيض، بالتالي فإنّ جهداً غير قليل سيضعه أوباما في مسألة دعم كلينتون، وهنا فإنّ هذا قد يعمل بعدين اساسيين، الاول امكانية ان يسعى اوباما لتجيير إنجازات خارجية بالمنطقة ترسم في سجل الحزب الديمقراطي كأبرز الإنجازات كتلك التي ضمّها اوباما لتاريخه وتاريخ الرؤساء من حزبه معاً، والمقصود الانسحاب من العراق والمصالحة مع كوبا والاتفاق النووي مع ايران، ليبقى الاهمّ معضلة مكافحة الارهاب التي يضجّ بها العالم، ويرفعها لسلم أولوياته، بالتالي فإنّ اقتراب موعد الرئاسة قد يحمل نية للرئيس اوباما في التقدّم نحو اختتام سلسلة إنجازاته بالتقدم نحو تحقيق تحوّل في قتال الإرهاب في سورية وربما التوصل لحل الأزمة «المعضلة» السورية التي دخلت عامها السادس، اما البعد الآخر الذي قد يكون ممكناً ايضاً هو انشغال الرئيس الأميركي تدريجياً عن الأزمات بالمنطقة، ما يعني تسلّم كلينتون إذا فازت بالرئاسة مهمتها الثقيلة التي تستوجب عليها متابعة ملف الأزمة السورية بحذافيرها، وبالحالتين ستكون كلينتون أمام عناية خاصة من اوباما حتى يحين موعد الاستحقاق.
في هذا الإطار يتحرّك الرئيس الأميركي نحو إتمام المشهد بزواياه ورسم خطوطه العريضة بالمرحلة المقبلة، وتبدو روسيا التي دخلت المعركة السورية سياسياً وعسكرياً، والتي قطع معها الرئيس الأميركي شوطاً كبيراً من التعاون الشريك الجديد الحاضر بالمنطقة بعدما تفرّدت واشنطن فيها بكلّ أشكال الترتيب.
امتعاض كبير من زيارات بنيامين نتنياهوالمتتالية الى موسكو بفترات زمنية قريبة زرعت شكوكاً وفتحت الباب امام تأويلات متعددة الأهداف، فموسكو بالنسبة للشعب السوري حليفة أولى وكبرى وشريكته بالتخلص من الإرهاب، والزيارة تأتي مع أجواء تقارير جهدت لإظهار مشكلة جدية بالعلاقة بين روسيا وإيران ميدانياً من جهة وبين روسيا وسورية من جهة أخرى لناحية تقليص الحضور العسكري وعدم النية بإظهار حسم عسكري أكبر او ربما انسحاب روسيا بمنتصف الطريق.
يهدي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نتنياهو دبابتين سلّمت سورية واحدة منهما اغتنمتها قوات الجيش السوري في معركة السلطان يعقوب بسهل البقاع في لبنان أثناء الاجتياح «الإسرائيلي» عام 1982، إلى روسيا، أقدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال زيارة نتنياهو إلى موسكو فعلّق نتنياهو بالتالي: «أودّ أن أغتنم هذه المناسبة لأتقدّم بالشكر للرئيس الروسي فلاديمير بوتين على لفتته»، والتي وصفها بـ«الإنسانية والمؤثرة باسم عائلات» جنود الاحتلال… وأضاف: «أعتقد أنّ هذا الحدث يرمز إلى الرابطة العاطفية والعميقة بيننا». وكان نتنياهو قد أمضى يومين، في زيارة هي الثالثة منذ أيلول الماضي في محادثات تركزت على الحرب في سورية وزيارته الاخيرة تزامنت مع الذكرى الـ25 لإقامة علاقات دبلوماسية بين روسيا و«إسرائيل».
لا يبدو السلوك الروسي عبثياً ولا بعيداً عن المصلحة الاستراتيجية الروسية، لكن في المقابل تشرح الزيارات «الإسرائيلية» المتتالية التي افتتحها رؤوفين ريفلين الرئيس «الإسرائيلي» وتبعه نتنياهو بزيارات ثلاث شيئاً هاماً، فهي تأكيد على انّ تل ابيب «تزحف» نحو موسكو حيث اصول التحوّل السياسي بالمنطقة وطبيعتها من «أجل شيء ما» لا يملك مفاتيحه سواها، وهو اعتبار روسيا ضمانة المنطقة ومفاتيحها واعترافاً بالحضور الروسي الناجح والمنتج والزيارات «الإسرائيلية» الرفيعة المستوى لا تشكل الا اعترافاً بالمكانة الروسية الجديدة بالمنطقة والمتغيّر المستجدّ، بحيث لم يعد ممكناً اللجوء الى واشنطن او أخذ الحلول ومفاتيحها «إسرائيلياً» منها.
بذكاء لافت يتقدّم الرئيس الروسي رجل الاستخبارات السابق نحو «إسرائيل» والمؤسسة الأمنية «الإسرائيلية» بهدية معنوية يعرف مدى تأثيرها على الكيان ومؤسساته، يؤكد فيها على لعب دور الضامن والمطمئن فكيف لحليف الرئيس السوري بشار الأسد في الميدان وحليف حزب الله أن يكون طرفاً قادراً على تبديد الهواجس من دون تقديم شيء للرأي العام «الإسرائيلي» الذي سيصعب عليه الثقة بعد الخطوة الروسية والحضور إلى جانب الأسد في الميدان وحماية النظام واعتبار الرئيس السوري خطاً أحمر وحليفاً استراتيجياً؟
خطوة روسية بأبعاد شديدة التأثير ميدانياً وسياسياً وديبلوماسياً، فروسيا لا تبدو في وارد دعسات ناقصة ولا تبدو مستعدّة للسماح بأيّ ثغرة، وهي اليوم ترسم مشهد التعامل بين الدول اقليمياً، وتضع حداً للتفرّد الأميركي، وهنا بُعد رئيسي تستفيد منه سورية ديبلوماسياً اذا ما تمّ فعلاً الاتفاق الروسي ـ «الإسرائيلي» لإتمام مفاوضات المنطقة في أجواء يبدو الصراع الفلسطيني ـ «الإسرائيلي» مطروحاً للبحث بالتوازي مع حلول المنطقة، فالحسم الديبلوماسي في سورية لا يمكن أن يتمّ بدون ان تظهر صورة او مصير الجولان السوري الذي خرج عن هدنة دامت عقوداً، وفي هذا الإطار فإنّ ايّ تقارب روسي ـ «إسرائيلي» بملف المفاوضات يصيب تركيا بعزلة جدية بعد انسحاب واشنطن من المنطقة في أواخر عام 2016، وهنا فإن العلاقة السيئة الروسية التركية ستتعزز إما تصعيداً وإما تنازلاً تركياً لصالح روسيا بعد تحجيم دورها وثانويتها في مستقبل سورية.
الزحف نحو روسيا سيستمرّ ونتنياهو ليس آخر الزوار في الأشهر المقبلة.