الفرح من علامات الصمود أحياناً!
أحمد طيّ
إنه مدخل مدينة الشوير الغربي، هناك سيرتفع قريباً نُصب تذكاري للزعيم أنطون سعاده، الحديقة عند ذلك المثلث اكتملت من حيث الديكور والرخام وحتّى الورود والأشجار، ولا ينقصها إلّا التمثال وشريط افتتاح.
قرب تلك الحديقة حواجز حديدية تعلمك بتغيير وجهة السير، فمدينة الشوير، ومنذ الصباح تتحضّر لحدث كبير، وشارع الاستشهادية سناء محيدلي على موعدٍ مع الفرح. نغيّر وجهة سيرنا، لنصل إلى مدخل ذلك الشارع من الناحية الشرقية في الصباح الباكر، هناك أيضاً انتشرت الحواجز الحديدية، فيما وقف شاب يعلمنا بأن دخول السيارات ممنوع، وبعد إدراكه بأننا من المشاركين في ذلك الحدث، سمح لنا بالمرور، ومنحنا ذلك الشعور بالغبطة عندما تكون أوّل من يصل.
على امتداد شارع الاستشهادية سناء محيدلي انتشرت الخيم، وبدأ العمال بتركيب الطاولات وتوزيع الكراسي وتمديد شبكة الكهرباء، فيما اعتلى في وسط الشارع مسرح كبير ينبئك بنشاطات مميزة.
على الرصيف كهلٌ يعدّ العدّة لطبخة دسمة، خشب السنديان اليابس، دست كبير، وطاولة احتلّها لحم خروف كامل. والشهيّة انطلقت قبل أوانها، لكنّ القدرة على «ضبط الشهية» كانت كبيرة، ولم تقهرها سوى رائحة مناقيش الزعتر الحلبيّ على الصاج التي انبعثت من مكان قريب. هناك لا قدرة على التحمّل ولا هم يحزنون.
شيئاً فشيئاً بدأ الشارع يشهد توافد المنظّمين، من اللجنة المنظّمة، إلى عناصر حرس البلدية وعمّالها، إلى أعضاء مديرية ضهور الشوير في الحزب السوري القومي الاجتماعي. كما بدأ بالتوافد عدد كبير من المشاركين في المهرجان، وبدأت الخيم تمتلئ، والشارع يزدان بألوان مختلفة، كأن قوس قزحٍ بألوان كثيرة اجتاح المكان.
الحدث الذي شهدته مدينة ضهور الشوير السبت الفائت كان مميزاً من ناحية التنظيم والحشد الذي استقطبه، ومن ناحية الأهداف التي رمى إليها، ومن شهد ذلك المهرجان، لأكّد صوابية اختيار عنوانه: «Shweir – Life ـ معنا الصيف أحلى». فالصيف يكون أحلى مع التراث، يكون أعمق مع الثقافة والفنون، يكون أبهى مع البسمة، ويكون أكثر جمالاً مع التمسك بالحياة وتحدّي الأوضاع السياسية والأمنية المتردّية.
نظّمت مديرية الشوير التابعة لمنفذية المتن الشمالي في الحزب السوري القومي الاجتماعي، مهرجانها الصيفي «Shweir – Life ـ معنا الصيف أحلى»، وذلك يوم السبت الفائت بالتعاون مع بلدية ضهور الشوير ـ عين السنديانة ولجنة مهرجان المغتربين.
المهرجان أقيم على طول شارع الاستشهادية سناء محيدلي، وافتُتح بحضور وزير التربية والتعليم العالي الياس بو صعب، وعضو تكتّل التغيير والإصلاح النائب نبيل نقولا، المندوب السياسي للحزب السوري القومي الاجتماعي لجبل لبنان الشمالي نجيب خنيصر، عضو المكتب السياسي في الحزب مسعد حجل، منفذ عام منفذية المتن الشمالي سمعان الخرّاط، مدير مديرية الشوير نبيل أبو سمرا، وحشد كبير من القوميين والمواطنين والسيّاح.
تضمّن المهرجان الذي امتدت فعالياته من الثانية عشرة ظهرًا حتى منتصف الليل، سوقاً تراثيةً، ومأكولات ومشروبات، إضافةً إلى نشاطات ثقافية وفكرية واجتماعية، ونحت ورسم وشعر وغناء وعزف. وشهد أيضاً زواجاً مدنياً صورياً، كما كان للأطفال حصّتهم الكبرى عبر الألعاب والنشاطات الترفيهية ومسرح الدمى والحكواتي. وشارك أيضاً الساحر «الدكتور ميكي» بوصلةٍ أدهشت الأطفال وأهاليهم.
وشهد المهرجان أيضاً حملة تبرّع بالدم، وأنشطة أخرى ذات طابع اجتماعي. واعتبر عدد كبير من المشاركين، أنّ تنظيم هذا المهرجان يُعتبر خطوة صريحة من أجل زرع البهجة والفرح في نفوس المواطنين، في ظلّ الظروف الصعبة التي تعيشها المنطقة، كما يُعتبر وجهاً من أوجه الصمود والتحدي في وجه المخطّطات الرامية إلى زرع اليأس في نفوس المواطنين.
الأطفال
ولأنّ الأطفال هم الجيل الجديد، وهم الأمل بالغد المشرق، ولأنّهم كالنبت الصالح الذي لا ينمو إلا بالعناية، وكي لا يصبحوا أشواكاً تنمو بفعل الإهمال، ولإن من مداميك تلك العناية أن يحظوا بالفرح، لأجل ذلك كلّه، كان لا بدّ أن يتضمّن مهرجان «Shweir – Life ـ معنا الصيف أحلى» فقرات كثيرة تعنى بالطفولة وتلبّي حقوقهم المشروعة باللعب والاستفادة والفرح والبهجة. عند مدخل الشارع ارتفعت ألعاب التزحلق العملاقة، التي تشبه السيرك، وعليها مارس الأطفال «شقاوتهم» في النطّ والقفز والتزحلق، ولم تغادر ثغورهم البسمات، فيما تسمّر أهاليهم منتظرين انتهاء هذه المرحلة.
وفي مكان قريب، كان الرسم على الأوجه بانتظارهم، وأيضاً انتشرت إطارات مطاطية وقربها ألوان مائية وأدوات تلوين، وما هي إلا ساعات قليلة، حتى تحوّلت تلك الإطارات إلى تحفة فنية بتوقيع طفوليّ.
قرب التلوين كانت خيمة لـ«دار أصالة»، وفيها قصص للأطفال، وحكواتيّ يروي على مسامعهم حكايات بعضها خرافيّ وبعضها يتضمّن الحكم والأمثال، ثم كان مسرح دمى، ولقاء مفرح مع الساحر «ميكي» الذي أدهش الأطفال كما ذويهم.
ما لفت النظر، تلك الفرحة التي ارتسمت على أوجه الأطفال السوريين النازحين، الذين اهتمّ بهم الشباب من اللجنة التنظيمية خير اهتمام، فتراهم يتنقلون بهم من نشاطٍ إلى آخر. ولعل خلف تلك البسمات والضحكات، حزن مخفيّ لا يعرف طعمه إلا أولئك الأطفال.
لقاءات
«البناء» التي كانت حاضرة في هذا المهرجان، التقت عدداً من الفاعليات، إن كان على صعيد المنظّمين، أو على صعيد الشخصيات التي حضرت، أو المواطنين الذين أقبلوا على هذا المهرجان.
مرهج
الوزير السابق بشارة مرهج اعتبر أنّ هذا النوع من المهرجانات أو الاحتفالات واللقاءات ذات الطابع الشعبي، يُعدّ أمراً عادياً إن نُظّم في الأيام العادية والظروف العادية، لكن أن يُنظّم في ظلّ ما تشهده المنطقة من تحدّيات وتهديدات، فذلك أمر استثنائيّ ويدل على حيوية منظّميه وتصميمهم على إشاعة أجواء الفرح والحياة، وهم يستحقون التهنئة، أولاً على مبادرتهم، وثانياً على نجاحهم في إعداد هذا المشروع وتنفيذه واستقطاب هذا الجو الشعبي الواسع.
ويقول مرهج: «لا شك أن الأوضاع القائمة في المنطقة تبعث على القلق، وتشيع أجواء من التردّد والتراجع إن لم نقل اليأس. لكن مهمة الشباب والأوساط الطليعية تكمن في محاربة اليأس ومحاربة الجمود والاحتفاء بالحياة حتّى في زمن الحرب. ونعتبر أن هذا المهرجان مثالٌ حيّ على الصمود الوطني العام في وجه الانحلال والتردّي والانحطاط، كما في وجه التطرّف وكلّ ما يؤدّي إلى الانعزال. إن هذا اللقاء اليوم بين الأهالي والوافدين والمصطافين والسيّاح، دليل واضح على أنّ هذا الشعب يريد التلاقي، ودليل واضح على الحياة والصمود والتصدّي لكل مشروع انعزال في المنطقة».
مجاعص
وأكّد رئيس بلدية ضهور الشوير ـ عين السنديانة حبيب جوكا مجاعص أن المخطّط الذي تتعرّض له المنطقة كبير جدّاً ولا يُجابه إلى بالصمود والتعاضد والروح الوطنية الخلاقة. وقال: «ما يحصل اليوم في ضهور الشوير يعبّر عن هذه الروح الوطنية الخلاقة، ويخلق موقفاً واضحاً يبرهن للقاصي والداني أنه مهما كانت الأخطار محدقة ببلدنا والمنطقة، فإن اتحادنا هو ما يوصلنا إلى النتائج المرجوّة التي تصبّ في مصلحة وطننا وتطوّره اقتصادياً وثقافياً وعلمياً واجتماعياً».
وأضاف حول مشاريع البلدية: «لا شكّ أن ضهور الشوير المعروفة بعروس المصايف، خسرت قليلاً من أهميتها ومكانتها السياحية بسبب الأوضاع السياسية والأمنية الراهنة، لكننا عدنا ووقفنا، وأمّنا متطلبات الاصطياف من نظافة دائمة إلى الكهرباء والماء والبنى التحتية، كلّ ذلك أُمِّن عبر المجلس البلدي السابق الذي كان يرأسه الوزير الياس بو صعب، ونحن اليوم نؤكّد أننا على هذا النهج سائرون، وأنّ تكاتفنا كأعضاء المجلس الذين يمثّلون كلّ أهالي الشوير من دون أي تفرقة أو تمييز، يؤدّي إلى تنفيذ كل المشاريع التنموية التي تحتاجها البلدة، لتحتل مكانها المتقدّم على الخريطة السياحية».
خنيصر
وردّاً على سؤال حول الذين يدّعون بأنّ الحزب السوري القومي الاجتماعي «ميليشيا» وأنّه بعيد عن الحياة الاجتماعية، يقول المندوب السياسي للحزب السوري القومي الاجتماعي لجبل لبنان الشمالي نجيب خنيصر: «عموماً، إن هذه الاتهامات مغرضة، ولا يظنّن أحد أنّ بإمكانه رمي الاتهمات جزافاً على أيّ كان خصوصاً على الحزب القومي، لأنّه حزب اجتماعيّ بامتياز، وهو حزب اجتماعيّ في عنوانه واسمه. وما نشاهده اليوم في ضهور الشوير وجه من الأوجه الأساسية في الحزب، ونلمسه في أي متحد يتواجد فيه الحزب، عنيت الاهتمام بالحياة الاجتماعية. فنحن في هذه المتحدات نشارك الأهالي والمواطنين في مجمل التفاصيل الحياتية والاجتماعية اليومية، في أفراحهم وأتراحهم، في مطالبهم، وفي كلّ ما يحيط بهم.
أما بخصوص هذا المهرجان، فنحن نشكر أهالي ضهور الشوير، كما نشكر البلدية التي نعتبرها مظلّة إيجابية لكل مواطن في الشوير، إن كان منها أو من خارجها. ولا بدّ لنا من موقعنا أن ننوّه بجهود البلدية وبمهرجاناتها وبالخدمات التي تؤمنها».
الخرّاط
منفذ عام المتن الشمالي في «القومي» سمعان الخرّاط شدّد على أنّ الحزب على تماس مباشر بالناس، وعلى علاقة مباشرة بالحياة الاجتماعي، ولا يمكنه أن يعيش بجزيرة، بل هو متجذر في النسيج الاجتماعي، والقوميون في المتن الشمالي لهم بصماتهم البارزة في النسيج البشري المتنيّ».
وأضاف: «نحن حركة فكر، وحركة حياة، وما نراه اليوم، خطوة تعتبر دليلاً واضحاً على حبنا الحياة الذي نترجمه في استقطاب الناس، وفي الحراك الثقافي الاجتماعي في ظل ما يجري من استهداف لمجتمعنا بهدف تردّيه. إذ يأتي هذا الحراك نقلةً نوعيةً نحو عيش الفرح والبهجة والأمل بالبقاء. وهنا لا بدّ أن ننوّه بجهود الشباب والصبايا في هذا النشاط الجبار، وأيضاً بجهود البلدية ورعايتها».
أبو سمرا
منذ الصباح الباكر، كان يزرع الشارع حيث المهرجان ذهاباً وإياباً، لا يكتفي بتوجيه التعليمات، بل يشارك أيضاً في تنفيذ بعض الأعمال والأشغال، ووضع اللمسات الأخيرة، لم نعهده هادئاً طوال ذلك اليوم الزاخر. إنه مدير مديرية ضهور الشوير في «القومي» نبيل أبو سمرا، الذي قال: «في ظلّ هذه الأوضاع التي تتخبط بها المنطقة، قرّرنا بعزيمة متناهية أن نغّير الجوّ إلى جوّ فرح، وألا نسمح لأحد أن يزرع اليأس في نفوس المواطنين أبناء بلدتنا. اجتمعنا وتداولنا في الأفكار والمقترحات، واستعنّا بالمركز إلى أن اتفقنا على درس هذا المشروع بالذات. فتعاونّا مع مديرية رأس بيروت ومنفذية الطلبة الجامعيين، وكان اجتماع أفضى إلى تشكيل مجموعات عمل، التي بدأت بدورها تؤدّي المطلوب منها. ثم اصطدمنا بحوادث عرسال الأليمة، وهنا تريثنا قليلاً لأنّ الأهالي كانوا يتخوّفون من التجمّعات وما إلى ذلك، ثمّ صمّمنا على كسر حاجز الخوف هذا، واعتبرنا أن الصمود في وجه الخوف يعدّ تكريماً لجيشنا الوطنيّ الباسل ولصموده ولشهدائه وجرحاه، كما اعتبرنا أنّه إذا تخلّينا عن فكرة إقامة هذا المهرجان، نكون قد سددنا مراد المتآمرين على الجيش والوطن بأن يزرعوا الخوف فينا وفي نفوس المواطنين».
وتابع: «استمر التحضير للمشروع بتنظيم ملحوظ، وكما ترى الآن نحن نقطف ثمار هذه الجهود وهذا التحضير، وذلك من خلال هذه الجموع الغفيرة التي تزور ضهور الشوير، ومن خلال الخدمات المقدّمة والنظافة والحماية، وهنا لا بدّ من شكر البلدية على تعاونها ورعايتها، كما نشكر الجيش والقوى الأمنية على حفظ الأمن».
وعن الأطفال السوريين النازحين ومدى فرحتهم قال أبو سمرا بحسم: «هذا شعبنا، وهم من أبناء أمّتنا ونقطة على السطر».
الحسين
«البناء» التقت أيضاً أحد أعضاء اللجنة المنظمة حسين الحسين، الذي اعتبر أنّ هذا المهرجان لقي نجاحاً باهراً بفعل التكاتف والتعاون بين مختلف الأطراف، من البلدية إلى مديرية ضهور الشوير، إلى مديرية رأس بيروت ومنفذية الطلبة الجامعيين في بيروت.
وقال: «إن هذا المهرجان هو استكمال لمشاريع نقوم بها في هذا السياق، إذ نفّذنا سابقاً مهرجان شارع المقدسي، واليوم في ضهور الشوير، ومستقبلاً في مناطق وبلدات أخرى. أما أهداف هذه المهرجانات فتنقسم إلى نوعين: الأول يتمثل في إشاعة أجواء الفرح في ظلّ الأوضاع الراهنة وفي هذا الأمر تحدٍّ لنيّة إدخال الخوف والإحباط واليأس إلى نفوس اللبنانيين، والثاني يتمثّل في تعريف الناس على التراث وشتّى الشؤون الثقافية والفنية والاجتماعية التي شاهدناها اليوم في مهرجان ضهور الشوير».
وختم الحسين حديثه مؤكّداً أنّ الحزب السوري القومي الاجتماعي مستمرّ في هذه النشاطات، وشاكراً كل من تعاون في سبيل إنجاح هذا المهرجان.
تصوير: جهاد وهبة ويحيى الأشوح