جلباب الخيانة.. كي لا ننسى

نظام مارديني

هل نحن بحاجة إلى تصفح مجلداتنا الحافلة بالنكبات والنكسات؟ أم نحن بحاجة إلى تحليل تقلبات دواليب التاريخ، وأعاصيرها التي تعصف بنا منذ بدء الحرب الكونية على الهلال السوري الخصيب، تلك التي بدأت مع احتلال فلسطين منذ أربعينات القرن الماضي، ولا تزال تردُّداتها مستمرة حتى الآن؟

هي خيباتنا التي ترقى إلى مستوى الهزات وتُقاس بمقياس ريختر الشهير… خيبات تركت في نفوسنا شجى لأننا كنا نتمنى ألا نصطدم بمثل هذه الخيبات ونحن نخوض حرباً ضروساً اليوم ضدّ الإرهاب الأعمى ونواجه أزمات أخلاقية واجتماعية واقتصادية حادة الأنياب.

لم تأتِ هذه الخيبات من فراغ ونحن نراجع أسماء التصقت بماضيها الخياني، وارتبطت به ارتباطاً مصيرياً غير قابل للتغيير، وآمنت منذ زمن بعيد بارتداء جلبابها القديم من دون أن تدخل أي تعديل على مقاساته ومعالمه وقوالبه وأبعاده الموروثة، الأمر الذي أتاح لها فرص التحكُّم بوجدان جمهورها، والتلاعب بعواطفهم المذهبية والطائفية والعرقية، حتى بدت عدسات المستقبل معطّلة عندنا في عتمة هذه العمالة الملبدة بغيوم التراكمات المنبعثة من أحافير الحقد والكراهية، التي ولدت من رحم معاهدة سايكس ـ بيكو، أو التي ولدت في حاضنات الطوائف والإثنيات المريبة، وربما يحتاج العقل السوري، ومعه العقل العربي، إلى وقت طويل ليدرك ما قاله الزعيم أنطون سعاده: «العقل في الإنسان هو نفسه الشرع الأعلى والشرع الأساسي».

نحن نعيش أزمة أمة، وأزمة عقل، وأزمة ضمير، وأزمة قلب، وأزمة وجود.. فكيف لأحدهم أن يكون خائناً ويكون… موجوداً؟

إذا لم يُستهدف قلب الخيانة لا فائدة من استهداف الأعضاء. وقلب الإرهاب ليس بالضرورة مركز نشاط اللقاءات السرية فقط، ولا الأماكن الخاصة في المقاهي، بل المكان الذي يصنع فكر الخيانة ويموله بكلّ ما يمكنه من استمرار نشاطاته، أي في السفارات.

لطالما كان المستعمر في حاجة «إلى أقلام يكتب بها، وإلى أبواقٍ يتكلّم بها، حتّى لا يُعرف خطّه، ولا صوته، عندما يخادع الجماهير الطيبة»، كما يقول مالك بن نبي.

وهنا لم يكن كشف السفارة الأميركية في عهد السفير الأميركي السابق جيفري فيلتمان توزيع 500 مليون دولار على الكتبة من مثقفين وإعلاميين وسياسيين من أجل تشويه صورة المقاومة، ما يعني أنّه استخدم لبنانيين.

لم يأتِ هذا الكشف من عبث، فهي، أي السفارة، أرادت من فضحهم تكريس فكرة الخيانة في وجدان المواطنين باعتبارها وجهة نظر ليس إلا، وباعتبارها شأناً طبيعياً يحقّ لكلّ مواطن الارتباط بها مقابل بضعة دولارات، وهذا ما يجب أن يدفعنا إلى ضرورة مواجهة «لعبة» التطبيع الخطيرة هذه لأنها تمسّ أمننا القومي، والدفع باتجاه التحرُّر من «مصادر السفارات» المرتبطة بدورها بمؤسسات الهيمنة الاستعمارية الغربية، وذلك عبر الضغط الشعبي وعبر لجنة مواجهة محاولات التطبيع لحماية سيادة الدولة اللبنانية، قبل أن تستمر هذه السفارات، خصوصاً الأميركية والبريطانية والفرنسية منها، بالإضافة إلى سفارات خليجية، الاستمرار في صنع وعي مشوه في الأجيال تكون مهمّته تسفيه أيّ خطاب مقاوم مضاد للتوجه الخياني من الداخل وتشكيل بيئة جاهزة لتقبُّل المشاريع الصهيونية، وتكوين أصدقاء لـ «إسرائيل» من حملة الجنسية اللبنانية الشبيهة بحملة الجنسية العراقية الشهيرة.

لا… لن تكون أرضنا للخونة، ولمرتزقة الدين، وللراقصين على دمائنا….

لن نكون شظايا بشرية مبعثرة على أرصفة الألفية الثالثة، ولن نكون تائهين، مسعورين، بين ثقافة الغيب وثقافة الغيبوبة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى