هل بات لبنان على صفيح ساخن؟!

د. سلوى الخليل الأمين

كلما وقف اللبناني متباهياً بأنه يعيش الأمن والأمان في وطن تعشش فيه كلّ الأصابع الدولية ومخابراتها القادرة على زعزعة الاستقرار في اللحظة المناسبة، يفاجأ بما يحرك الرمال الساخنة، بحيث أنّ هناك من يصدر قراراته الحاسمة من أجل زعزعة الاستقرار، الذي طالما حرص عليه من الانهيار حزب الله الذي ما زال يتلقى الطعنات في ظهره والغايات واضحة ومقروءة، ما يتعرّض له من سلبيات بعض السياسيين الذين يحاورهم بروح رياضية عالية، تهدف إلى بسط الهدوء على الساحة اللبنانية في ظلّ حرب شعواء تجتاح المنطقة، بدءاً من سورية حتى العراق وصولاً إلى اليمن ناهيك بقضية فلسطين الكبرى.

مع كلّ هذا، ما زال البعض من أركان السلطة اللبنانية يحرّض في السرّ والعلن على كلّ ما يقوم به بعض العقلاء من القادة السياسيين العاملين على حفظ التوازن الأمني في الوطن ومنهم حزب الله المتمسك بحرص شديد على حفظ الوطن من الانهيار. لكن على ما يبدو أنّ في المقلب الآخر من خطوط التماس السياسية، المرسومة أهدافها بين الفرقاء المتناحرين على الساحة اللبنانية، جهات يعرفها القاصي والداني، من مصلحتها إثارة الشغب في لبنان من جديد بل تفجير الوضع الأمني المستقرّ بقرار دولي متفق عليه محلياً وإقليمياً، بغضّ النظر عن قرار الإدارة الأميركية القاضي بحصار المقاومة مالياً بعد أن عجزت عن حصار سلاحها الذي اعتبروه سبب الخلل في لبنان، والعكس مثبت في يوميات كلّ لبناني لجهة الشعور بالأمان من زحف الدواعش باتجاه لبنان، بعد محاولاتهم المؤلمة في عرسال وخطف الجنود اللبنانيين، ومن ثمّ تحويل عاصمة لبنان الثانية طرابلس إلى مرتع للتكفيريين الذين كادوا أن يحوّلوا المدينة إلى بؤرة للإرهاب المنظم.

هذا الإرهاب المنظم تنظيماً دقيقاً بات واضحاً ومفضوحاً، تمتدّ ضرباته المؤلمة مجدّداً إلى عقر الديار الأميركية وآخرها حادثة اورلاندو، وإلى فرنسا أيضاً حين قام أحد الإرهابيين بقتل شرطي فرنسي واحتجاز زوجته ومن ثم قتلها، ونجاة طفلهما بعد تدخل الشرطة الفرنسية، قد أدخلت أوروبا من جديد في مدارات الخوف والرعب والقلق، الذي طالما حذّر منه الرئيس بشار الأسد حين اجتاحوا سورية بحرب كونية مجرمة، جنودها من المرتزقة الإرهابيّين الذين صنعتهم أميركا وأوروبا والصهيونية العالمية، وحملتهم شعائر التطرف الديني، وأرسلتهم مدجّجين بأحدث أنواع الأسلحة إلى سورية لتخريبها وتدمير البشر والحجر فيها، توصلاً إلى الإذعان وتوقيع السلام المذلّ، الذي بدأ يتحرك حالياً عبر اجتماعات في فرنسا تنادي بالدولتين الفلسطينية و«الإسرائيلية».

هذا المفهوم الخاطئ الذي بنت عليه السلطة الأميركية حساباتها باءت بالفشل، وما زالت مظاهرها الخائبة واضحة للجميع، حين العمليات الإرهابية تتنقل على الأرض الأميركية باسم داعش والنصرة بحرية تامة، تنتج قتل أبرياء، وحين وزير الخارجية الأميركية جون كيري في مباحثاته مع نظيره الروسي سيرغي لافروف من أجل ترسيخ الحلّ السلمي والسياسي في سورية ما زال خاضعاً لعمليات المدّ والجزر، التي هي من صلب البراغماتية التي تمارسها السلطة الأميركية، دون أيّ اعتبار لما يسقط خلالها من ضحايا حتى على أرضهم.

وها هي الأيام تشهد على أنّ السياسة الأميركية هي سياسة من يدفن رأسه في الرمال، من هيروشيما إلى كوبا حتى كوريا وبلاد العرب المتنقلة بحسب سلطة حكامها بين النقاط المرسومة بدقة، حيث لكلّ دوره ولكلّ مسراه المرسوم، ومجراه الذي ينفذ بأوامر سلطوية أميركية عليا، ممنوع منعاً باتاً الانزياح عنها أو مخالفة بنودها، مهما علا الصراخ والتهديدات بسحب الأموال السعودية، التي وصلت إلى حدود إبلاغ الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بعدم دفع الأموال لمنظمات الأمم المتحدة التي تعنى بفقراء العالم ومهجّريه، بعد القرار الصادر بإدانة حكام المملكة العربية السعودية بأنهم خلف مقتل أطفال اليمن.

الملاحظ دائما أنّ الحقيقة ضبابية، بل من المطلوب حذفها من أجندات الكبار وفقاً لمصالح أوطانهم، بحيث اعتبار كلّ من يدافع عن أرضه وعروبته المرفوعة على الأجندة الفلسطينية إرهابياً، حتى لو كان فاعلاً في صلب السياسة المحلية لوطنه، كما هو الأمر الفعلي الواقع في لبنان بالنسبة لحزب الله، الذي هو حزب مقاوم وسياسي في آن، لديه نواب منتخبون من قبل الشعب في المجلس النيابي اللبناني، وأيضاً وزراء في السلطة التنفيذية، ولهم جمهورهم بين كلّ الطوائف اللبنانية التي تدرك أنّ وجود حزب الله في لبنان هو صمّام أمان ضدّ العصابات الإرهابية، وفي طليعتها داعش والنصرة وغيرها من التنظيمات التي ما زالت تحارب الدولة السورية بأسلحة متطوّرة جداً، مصدّرة إليها من أميركا وأوروبا وتركيا بأموال خليجية سعودية وقطرية وتسهيل مرور من قبل تركيا، علماً أنّ باستطاعة السلطة الأميركية إيقافها بسرعة البرق، لو أرادت فعلاً تعميم السلام في منطقة الشرق الأوسط بدءاً من سورية.

اليوم لبنان مهدّد بأمنه وأمانه، لهذا يسأل الجميع هل بات وضع الوطن على صفيح ساخن، نتيجة تهديد حزب الله بعقوبات مالية، أصدرتها الإدارة الأميركية، والتزمت بها حاكمية مصرف لبنان ومعها إدارات المصارف اللبنانية، كما فعل بنك لبنان والمهجر، الذي كان عرضة لتفجير أنتج أضراراً مادية وهلعاً عند اللبنانيين، خصوصا أنّ العقوبات المالية الأميركية المطالب محاصرة حزب الله بها، قد تطال شريحة كبيرة من متموّلي الطائفة الشيعية، الذين يتهمون زوراً بأنهم من مموّلي حزب الله، علماً أن السيد حسن نصرالله طالما أوضح نافياً هذا الموضوع برمّته، عبر القول: إنّ لدى حزب الله مؤسساته وطرق تمويله التي لا يمكن أن تسبّب ضرراً لأيّ كان، إنْ على المستوى الطائفي المتمثل بالطائفة الشيعية أو على المستوى الوطني، لهذا بات من المسلمات في الأجندة الأميركية، التي بدأت سياساتها تهتزّ في الداخل على لساني المرشحين للرئاسة هيلاري كلينتون ودونالد ترامب الذي فجع بترشحه الحزب الجمهوري، محاربة حزب الله، ومن خلفه الطائفة الشيعية ولبنان ككلّ، بعقوبات مصرفية، والغاية واضحة، الهدف منها تهجير الجهاز المصرفي من لبنان، دعماً لإسرائيل المتضرّرة من الحرية المصرفية في لبنان والتي تحلم حالياً بشنّ حرب على لبنان لا تدرك نتائجها.

من هنا يبدو مقياس الحملة المضادّة على حزب الله التي انطلقت شراراتها فوراً بعد انفجار فردان، من حيث مسارعة البعض إلى اتهام الحزب بالأمر، علماً أنّ سياسة الحزب هي سياسة واعية ومدركة، لا تسمح بالوقوع في المحظور، إلا أنّ من يشتهون العمل على تسعير النار في لبنان بواسطة الطوابير الخامسة التي تسرح وتمرح من أجل فكفكة أيّ توافق يحصل او قد يحصل بين الأفرقاء في لبنان، وخصوصاً لجهة انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية الذي بات في حكم القرار المنتهي، سيقعون حتماً في شرّ أعمالهم المفخخة، ولن يسمح لهم بوضع لبنان على صفيح ساخن مهما تشاطروا في كيل التهم وتنفيذ الإملاءات الخارجية.

رئيسة ديوان أهل القلم

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى