عملية تل أبيب تعيد الزمن الفلسطيني الجميل
عباس دبوق الجمعة
أثبتت العملية البطولية التي نفذها بطلان من أبطال الشعب الفلسطيني في تل أبيب، إنّ المقاومة الفلسطينية ما زالت هي الوهج المشعّ في مسيرة النضال الوطني، حيث وجهت عملية تل أبيب صفعة قوية لحكومة التطرف الإرهابية وقادتها الأمنيين في كيان العدو الصهيوني الذين كانوا، حتى قبيل حصول العملية، يتفاخرون في أنهم نجحوا في الحدّ من العمليات الفلسطينية وفي السيطرة على الانتفاضة ومحاصرتها بفعل حزمة من الخطوات التي تمّ اعتمادها.
إنّ عملية «تل الربيع» في تل أبيب المحتلة جاءت لتبدّد كلّ هذا الاعتقاد الصهيوني، وتجعل من كلام ومواقف المستوطن ليبرمان مجرد أمنيات، ولتؤكد من جديد فشل كلّ إجراءات العدو وعجزه في مواجهة الانتفاضة وعملياتها.
إنّ عملية تل أبيب ليست عملية فردية، بل هي ردّ فعل واضح على الاحتلال ومشاريعه، نتيجة الغضب الشديد لدى الشعب الفلسطيني من الجرائم التي يرتكبها الاحتلال وقطعان مستوطنيه بحقه، وإنّ منفذي العملية البطولية خالد موسى محمد شحادة مخامرة، ومحمد أحمد موسى شحادة مخامرة من أبناء بلدة يطا في الخليل يستحقان أوسمة العز والفخار.
نعم لقد وجهت عملية تل أبيب رسالة بدّدت آمال الصهاينة والمستوطنين بالعيش بأمن واستقرار في ظلّ استمرارهم في عمليات الإعدامات والاعتقالات والاستيطان والتهويد والاعتداء على الفلسطينيين، وتدنيس مقدّساتهم، وأثبتت من جديد بأنّ كيان الاحتلال ومستوطنيه لا يمكنهم أن ينعموا بالأمان والشعب الفلسطيني مسلوب الحقوق ويعاني من الاحتلال والاضطهاد والإرهاب.
لقد أعادت العملية النوعية الزمن الفلسطيني الجميل، من خلال الكفاح المسلح، حيث أثبت شابات وشباب الانتفاضة أنهم على مستوى المرحلة، وهم يعيدون زمن الكفاح المسلح بطريقتهم مع مقاومة شعبية وانتفاضة مستمرة، حيث يكون لعملياتهم الفدائية تأثيراً كبيراً، وهذا ما فاجأ قادة الاحتلال في لحظة اعتقادهم بأنهم نجحوا في احتواء الانتفاضة وعملياتها، فإذا بعملية تل أبيب الجريئة، لا تعيدهم فقط إلى المربع الأول، وإنما جاءت أيضاً لتؤكد أنّ الوضع الفلسطيني فعلياً هو أمام تحوّل جديد في مسيرة النضال الوطني التحرّري ضدّ الاحتلال، بدأ مع اندلاع الانتفاضة الثالثة، وتطوّر الآن مع انتقال عملياتها إلى مستوى نوعي جديد، وأنّ هذه المسيرة تشق طريقها من خلال إرادة وإصرار الشعب الفلسطيني، ولا سيما جيل الشباب، الذي أراد العودة إلى إيقاد شعلة المقاومة الشعبية والمسلحة، وإحباط خطط إطفائها، وبالتالي إبقاء قضية فلسطين حية تنبض بروح المقاومة التي لا يمكن أن تنطفئ طالما بقي الشعب الفلسطيني يعاني الاضطهاد والظلم وكلّ صفوف عسف الاحتلال في أرضه.
أمام هذه الظروف يظهر بوضوح تأثير فعل الانتفاضة وعملياتها النوعية على الصهاينة وكيانهم وعلى معادلة الصراع العربي ـ الصهيوني، وأبعاد هذا الصراع، حيث استطاع هذا الشعب المقاوم الصامد، عبر عطائه غير المحدود، وتحمّله للخسائر الهائلة يثبت قدرته على إلحاق الأذى والضرر بالصهاينة وتقويض دعائم الأمن والاستقرار في كيان العدو، والتأثير الكبير في اقتصادهم، رغم الحديث عن محاولات إقليمية ودولية بهدف الضغط على القيادة الفلسطينية للعودة إلى مربع المفاوضات الثنائية من خلال ما جرى في لقاء باريس، أو عن تعديل المبادرة العربية والمؤتمر الإقليمي مصر ، من هنا كان ردّ أبطال العملية على هذه الخيارات المطروحة التي تنطلق من التسليم بالوقائع التي فرضها العدو، وتهدف إلى محاولة شرعنة احتلال فلسطين وتحويل الكيان الصهيوني إلى جزء شرعي من منظومة إقليمية، وكلّ ذلك على حساب الشعب الفلسطيني.
ومن هنا فإنّ بطلي عملية تل أبيب يؤكدون للعدو أنّ قرار استمرار المقاومة غير مرتبط بأولويات وبمصالح وبتوجهات أنظمة رسمية عربية ترى في التسوية مدخلاً للتحالف مع العدو، على حساب حقوق الشعب الفلسطيني، فلذلك كانت رسالة عملية تل أبيب واضحة للقاصي والداني، بأنّ الشعب الفلسطيني مستمرّ ومتمسّك بخيار المقاومة والانتفاضة، ويرفض الخضوع والاستسلام أو محاولة المسّ بحقوقه المشروعة، والقبول بتسويات لا تلبّي الحدود الدنيا من هذه الحقوق.
بهذا المعنى ندرك أنه يصعب على الانتفاضة، بواقعها وبظروفها، أن تنجز هدفها المعلن في الحرية والاستقلال والعودة، لأنها تحتاج إلى تضافر جهود كلّ الفصائل والقوى، وكلّ طاقات الشعب الفلسطيني على أرض فلسطين والخارج مع التركيز على أهمية دور أهلنا في مناطق الـ48 في عملية النضال الوطني باعتبارهم جزءاً لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني، فالحرية والاستقلال والعودة هدف ناظم لكلّ قطاعات الشعب الفلسطيني، ومن دون هذا التلاحم ومن دون توفير مقدّمات تطوير الانتفاضة في كلّ المجالات، وفي سياق نظرة كفاحية طويلة تعمل باتجاه تعزيز الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام الكارثي وترتيب البيت الفلسطيني منظمة التحرير الفلسطينية على أسس جبهوية ديمقراطية، وتوفير الحماية السياسية للأهداف الوطنية واستثمار قرارات الشرعية الدولية وتوفير الإسناد العربي، وتصعيد المقاومة بكافة أشكالها، ولكن رغم كارثية اللحظة وقساوة التحديات، وحالة التراجع والإحباط والتساوق مع المشاريع الأميركية ـ الإسرائيلية ، إلا أنني لا زلت أرى أنّ انتفاضة شابات وشباب فلسطين هي أمل المستقبل، ليس من منطلقٍ عاطفي، وإنما لأنني أدرك طبيعة الصراع، وأدرك أصالة هذا الشعب وهذه الأمة، كما أعرف دروس التاريخ، وبأنّ الهزائم والإحباط مهما امتدّت زمنياً فإنها تبقى موقتة وعابرة، فالشعوب في نهاية المطاف هي صاحبة الكلمة والفصل، وهي قادرة على أن تطلق أحلامها وآمالها مقاومةً وصموداً ودفاعاً عن أرضها ومقدساتها وممتلكاتها، والشعب الفلسطيني رغم كلّ العذابات والآلام والشهداء والجرحى والأسرى الذين تدفقوا ليحملوا راية فلسطين فهو ماض في طريق النضال والكفاح حتى استعادة فلسطين.
في هذه اللحظات نرى أنّ فلسطين هي قضية القضايا، وهي قضية أمة، وليتوحد الجميع من أجل هذه القضية، ومواجهة التحديات، التي تهدّد وحدة الشعب الفلسطيني وقضيته وأرضه، ورفض مسار المفاوضات الثنائية بعد أن فشلت وثبت أن لا قيمة لها، والذهاب للأمم المتحدة من أجل عقد مؤتمر دولي كامل الصلاحيات لمطالبة المجتمع الدولي بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، على أن يترافق ذلك بالوحدة والصمود على الأرض وتصعيد المقاومة بكافة أشكالها، لأنّ الشعب الفلسطيني عندما يتمسك بأرضه وحقوقه سوف ينتصر.
ختاماً لا بدّ من القول، لقد ثبت أنّ الصراع مع العدو الصهيوني المغرق بالعنصرية والعدوانية والغطرسة والإرهاب هو صراع تناحري يتطلب استمرار النضال والكفاح بكافة أشكاله، ولهذا نلاحظ حالة التضامن والتكامل بين الجماهير والقوى العربية ومقاومتها مع الشعب الفلسطيني وقواه وفصائله وانتفاضته ومقاومته مع القوى اليسارية والتقدّمية العالمية ولجان المقاطعة، حيث تتجسّد من خلال ذلك إرادة الفعل لشحذ الهمم حتى تبقى القضية الفلسطينية مسؤولية وطنية وقومية وأممية كبرى، تحتاج إلى تحشيد الطاقات وتكثيف الوقت والعمل، وحشد أوسع إطار دولي لنصرة القضية الفلسطينية إلى جانب بعديها الفلسطيني والعربي والأممي من أجل استكمال مشروع تحرير الأرض والانسان.
كاتب سياسي