الرهانات الأخيرة التي أسقطها الجيش السوري

د. خيام الزعبي

رغم مرور خمس سنوات على بدء العدوان على سورية، وحملته المسعورة التي استهدفت مختلف المدن والقرى، لا تزال سورية صامدة، هذا الصمود وضع الغرب وحلفاءه في حرج شديد، بعد إن غَلب صمود الجيش السوري آلتهم العسكرية وأعطى للعالم درساً بتمسّكه بوطنه ورفضه للتدخلات الخارجية بكافة أشكالها، فتحرير الجيش المناطق الواقعة تحت سيطرة «داعش» يكتب سطراً جديداً في تاريخ تضحيات وبطولات رجال الجيش السوري في مواجهة الإرهاب الأسود الذي يحاول أن ينال من سورية وشعبها واستقرارها باستهداف المدنيّين عن طريق عمليات إرهابية مخطط لها ومنظمة هدفها تدمير وإشاعة الفوضى بجانب إرهاب المواطنين السوريين. إنّ سورية هي الجائزة الكبرى التي يريدها الجميع، فهناك محاولات لاستهدافها حتى لا تكون قوية، فالكلّ يريد لها أن تطفو على السطح وأن تكون مقسّمة إلى دويلات متناقضة، ولهذا السبب وجد دائماً أنّ هناك محاولة لتطويقها، لكن الجيش السوري نسف أحلامهم ومشاريعهم ليقضي على آمالهم في انتصار حليفتهم القاعدة الإرهابية، لذلك بدأت القوى المتطرفة والميليشيات المسلحة ببث أخبار كاذبة ومزيّفة، بل وحتى صور مفبركة، ليست من سورية أساساً، بدأت تنقل أخباراً عن انتصار «القاعدة» وأعوانها وفرار الجيش وسيطرة الإرهابيّين على مناطق مختلفة من سورية، لكن الجيش السوري أخرسهم وسجل انتصاراً باهراً وملموساً على الإرهابيين ودكّ حصونهم ودحر فلولهم وسيطر على المدن والقرى التي كانت تحت سيطرتهم، إذ استطاعت القوات السورية تحقيق تقدّم حيوي قلَب الموازين في شمال سورية، وسيطرت على تقاطع طرق استراتيجي في محافظة الرقة التي يحتلها تنظيم «داعش»، بالإضافة إلى عدد من الأبنية عند الجبهة الجنوبية لمدينة داريا في غوطة دمشق الغربية، فضلاً عن السيطرة على مفرق الرصافة المثلث الاستراتيجي ومحطة ضخ النفط ومحطة كهرباء الطبقة، حيث أصبح الجيش على مسافة 4 كلم من قرية صفيان التي تبعد 15 كلم عن مطار الطبقة العسكري في ريف الرقة الغربي، وفي الاتجاه الآخر قام التنظيم بإخلاء عدد من مقراته في منبج ونقلها إلى مدينة الباب، بعد أن اتخذ إجراءات مماثلة تمثلت بسحب جزء كبير من قواته في الريف الشمالي من عدد كبير من القرى التي سيطر عليها قبل أسبوعين والذي كانت أولى تداعياته فك الحصار المطبق على مارع كبرى معاقل المجموعات المسلحة هناك.

استغلت أميركا وحلفاؤها الإرهاب الذي موّلته ودعمته ودخلت مناطق عديدة بمساعدة الإرهاب مثل العراق وأفغانستان، لكنها لم تشبع فازدادت متطلباتها وإزداد تخطيطها لاحتلال دول أخرى في منطقة الشرق الأوسط، فقاموا بتحريك آلة الإرهاب المتمثلة بـ»داعش» وأخواتها لكي تتمكن من السيطرة والاحتلال، ولكن دائماً سورية بقيادة جيشها تعبر المستحيل فلم تركع ولم تنحن، فتجاوزت الصعاب، وأفشلت المخطط الذي دفعت أميركا وأعوانها كلّ ما لديهم من أموال من أجل السيطرة على سورية، لكنهم لم ينالوا ما يريدون، وأثبت الجيش السوري أنّ سورية مهما جاء عليها من رياح لا تتأثر بل طول عمرها مهما اشتدّت المصائب عليها تخرج منها أقوى وأكثر إصراراً وعزيمة في مواجهة الإرهاب.

الذي يدقق فى مغزى الإلحاح الأميركى بضرورة إعادة إدماج المعارضة المسلحة ضمن العملية السياسية فى سورية، لا بد أن يستخلص من هذا الإلحاح الذي تستخدم فيه واشنطن كلّ آليات الترغيب والترهيب لتعويض صدمة المفاجأة والذهول مما جرى من صمود الجيش السوري في مواجهة الإرهاب والذي لم يكن فى حسبان أميركا، وبذلك بدأت بشائر فشل العدوان الغربي الأميركي على سورية تظهر ارتداداتها على داعميها، ففي الداخل التركي، وللأسبوع الثاني على التوالي ضرب الإرهاب قلب أنقرة، بالإضافة إلى الهجمات التي تستهدف المقرات والمراكز الأمنية في تركيا، وفي المحصلة ستكون أنقرة الخاسرة الأكبر من تطورات الميدان السوري، في حال تصاعدت التطورات كما هو مخطط لها في المرحلة المقبلة، بعد أن كانت تراهن على أن تكون الرابح الأول في لحظات النشوة السياسية والعسكرية.

في سياق متصل، فإنّ عمليّة كسر الإرهاب الّتي بدأت أولى فصولها قبل عدة أيام، ستكون الأصعب على «داعش» وأخواتها على كلّ المستويات، فهي امتحان جدّي سيبرهن للعالم حقيقة الشعارات، الّتي رفعها قياديو التنظيم منذ سنوات، بدءاً من البقاء والتمدّد وعدم تسليم المناطق الواقعة تحت نفوذه، فتحرير مدينة حلب والرقة من قبل الجيش السوري سيكونان بلا شكّ أكبر ضربة يتعرّض لها هذا التنظيم، وانطلاقاً من ذلك يمكن فهم الاجتماع العسكري الروسي الإيراني السوري، الذي عقد في العاصمة الإيرانية، بالتزامن مع المعلومات التي تحدّثت عن أنّ المعركة المقبلة بعد السيطرة على مدينة الطبقة ستكون في مدينة حلب، بدل التركيز على الدخول إلى الرقة، نظراً إلى أنّها ستكون نقطة التقاء مجموعة من اللاعبين الإقليميين والدوليين.

مجملاً… إنّ سورية عصية على الانهيار أو السقوط، وسوف تتجاوز كلّ ما مرّ بها، حيث تعرّضت عبر تاريخها لمحن وأزمات أشدّ وأصعب مما نحن فيه الآن، وسرّ قوة الشعب السوري والجيش السوري يكمن في الوحدة، حيث لا طائفية ولا عنصرية، ولا خلافات فئوية، وهذا هو ما حمى ويحمي سورية.

باختصار شديد يمكن القول إنّ معطيات الواقع ولعبة الرهانات الدولية ومصالح الكبار تؤكد أنّ «داعش» وأدواتها أصبحوا سرطاناً يهدّد العالم، ومكانهم لن يكون في سورية ولا في أيّ مكان آخر، فالأسابيع والأيام المقبلة من شأنها أن تحمل المزيد من التطورات، حيث تبدو أكثر من جبهة مرشحة للتصعيد في ظلّ الوضع الأمني والعسكري المعقد، والذي يشبه عاصفة ما قبل العاصفة بانتظار كيف سيترجم الجيش السوري وحلفائه تحضيراتهم المنتظرة على أرض الميدان.

كاتب سياسي

khaym1979 yahoo.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى