الاستراتيجية الأميركية بعقيدة تلمودية…

د. ميادة رزوق

الولايات المتحدة الأميركية هي الوريث للاستعمار البريطاني والفرنسي، واستراتيجيتها في الشرق الأوسط ليست إلا استكمالاً للمشروع الصهيوني الذي بدأ بالتعاون بين بريطانيا والرأسمالية اليهودية ليحط رحاله بعد الحرب العالمية الأولى بشكل أعظم في الولايات المتحدة الأميركية كعاصمة لقراره في مشروع الهيمنة على العالم.

وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وجدت أميركا نفسها في مواجهة الاتحاد السوفياتي الذي أصبح يمثل خصماً منافساً على المسرح العالمي، هذا بالإضافة إلى تقديمه البديل الإيديولوجي للشعوب للنظام الرأسمالي الأميركي.

وتجدر الإشارة وقبل الخوض في تفاصيل هذا المشروع والاستراتيجية الأميركية في المنطقة إلى الوقوف على العديد من الحركات والتنظيمات والكيانات في العالمين العربي والإسلامي، بدءاً من الحركة الوهابية وتوأمها الكيان السعودي ومروراً بالحركة القاديانية والبهائية والكيان الإسرائيلي، وليس انتهاءً بتنظيم «الإخوان المسلمين»، بأنّها ليست إلا صناعة بريطانية، ثم أكملت أميركا الدور بدعم هذه الحركات والكيانات وصناعة واحد آخر كفصيل مسلح لما سبق كـ»القاعدة» وتفرّعاتها من «داعش» و»النصرة» وأخواتهما… في خدمة المشروع الصهيوني لتشويه الإسلام وتفريغه من مضمونه وربط تعاليمه وفتاويه بما يعزز الخلاف والفتن والاقتتال الطائفي والمذهبي خدمة للاستراتيجية الصهيونية التي تقوم على فكرة الإبادة للهيمنة على العالم.

كما أنه وعلى الرغم من أنّ الدستور الأميركي يعتبر نظام الحكم في الولايات المتحدة الأميركية نظاماً «علمانياً» لا يتبنّى ديناً معيناً في الدولة أو الحكومة بحكم التنوّع العرقي والديني وحتى الطائفي والمذهبي، إلا أنه من المعلوم أنّ الشعب الأميركي في معظمه شعب بروتستانتي متديّن يشترك في خلفيته الدينية إلى حدّ بعيد مع العقيدة اليهودية التلمودية، ويؤمن بالأساطير التوراتية التي حملها أجدادهم من بروتستانت انكلترا لا سيما البوريتانيون منهم، حيث ظنوا أنهم شعب الله المختار الجديد، وظنوا أنّ أميركا هي أرض كنعان الموعودة المهيأة لإقامة «إسرائيل» الجديدة بعد إفناء الهنود الحمر، وكلّ ذلك خدمة للاستراتيجية الصهيونية في السيطرة على العالم.

وبالعودة إلى منطقة الشرق الأوسط والاستراتيجية الصهيوأميركية، فكان من اللافت اشتداد الصراع بين أميركا والاتحاد السوفياتي لكسب النفوذ في الشرق الأوسط، وذلك بدءاً من أواسط خمسينيات القرن العشرين، وانتهى هذا الصراع بتفكك الاتحاد السوفياتي عام 1991 وأصبح العالم محكوماً بقطب واحد، علماً أنّ أميركا عملت منذ السبعينيات على تحويل المنطقة العربية إلى بحيرة أميركية مستخدمة أدواتها من الأنظمة العربية الرجعية الحاكمة، ووجود الكيان الصهيوني، والسيطرة على الإعلام العربي في تحقيق ذلك.

ولن ندخل في غمار التفاصيل من محاولة تفكيك الصف العربي، وخاصة بعد حرب تشرين التحريرية عام 1973، والتي كانت الاستدارة في تغيير الاستراتيجية لتحقيق مشروع الهيمنة الأميركية في وجوب التواجد الميداني في المنطقة من خلال القواعد الأميركية العسكرية في دول الخليج والأردن، ولاحقاً جيبوتي، ومحاولة كيّ الوعي العربي وإدخال ثقافة الضعيف والمهزوم في عقل المواطن العربي بالتعاون مع الماكينة الإعلامية التابعة لأنظمة الحكم الرجعية المصنوعة صهيونياً، بالإضافة إلى إخراج مصر من معادلة الردع العربي بتكبيلها باتفاقية «كامب ديفيد»، وإضعاف الجيش العراقي من خلال إلهائه واستنزافه بحرب الخليج الأولى والثانية والضربة القاضية بالاحتلال الأميركي للعراق عام 2003 بذات الهدف للحرب في أفغانستان لضمان السيطرة على إمدادات النفط والغاز في المنطقة الممتدة من وسط آسيا وحتى البحر المتوسط ولضمان أمن «إسرائيل» على مدى السنوات الـ 50 المقبلة.

واستكمل المشروع في ما بعد بتعديل السيناريوات من الحروب المباشرة في المنطقة إلى الحرب الناعمة والذكية، التي تعتمد على الإعلام كجزئية أساسية ونشر الفوضى الخلاقة والحروب بالوكالة، باستخدام شذاذ الآفاق من أنحاء العالم الذين تمّ تدريبهم وتأهيلهم وفق العقيدة التلمودية، وبأيدي صهيوأميركية وبتمويل من الكيان السعودي، أحد أهمّ الأذرع الصهيونية في المنطقة وبتعاون مع المشروع الإخواني مشروع العثمانية الجديدة، إلا أنّ هذا السيناريو اصطدم بالمحور المقاوم الذي يمتدّ من روسيا الاتحادية والصين ودول «بريكس» مروراً بإيران وسورية قلب هذا المحور وليس نهاية بحزب الله، مما أدّى إلى فشل الهدف المبتغى في تقسيم المنطقة إلى كنتونات طائفية ومذهبية وعرقية وقوميات ضيقة بعد انتهاء صلاحية اتفاقية سايكس ـ بيكو، وبما يهيّئ البيئة المناسبة لعيش ونمو الكيان الإسرائيلي، والسيطرة على عنوان الطاقة في القرن الواحد والعشرين «الغاز» وبالتالي السيطرة على القرار الدولي، ليتمخض عن هذا الصراع ولادة عالم جديد متعدّد الأقطاب فيه دور صاعد للصين ودول «بريكس»، ودور أساسي لروسيا الاتحادية في صناعة القرار الدولي وعدم التفرّد الأميركي بالسيطرة على قرارات الأمم المتحدة وحصر ملكيتها بأروقة القرار الصهيوأميركي.

ولم ينته الصراع أو تتحدّد تفاصيل نهاياته بنسخته الحالية أو إطار اتفاقاته على طاولة التفاوض، إلا بعد انتهاء الانتخابات الأميركية، إلا أنه من الواضح والجلي هو ارتداد إرهاب شذاذ الآفاق على مشغليه وصانعيه الأساسيين أو الأدوات، ومن المؤكد أنه ووفقاً للاستراتيجية الأميركية لا يمكن التسليم بمبدأ الهزيمة والانكفاء عن المنطقة، وإنما قد يكون السيناريو المقبل هو العودة للحروب المباشرة مع استمرار الغزو الفكري والثقافي والسيطرة على العقل العربي، وإعادة هيكلية جديدة للأدوات في المنطقة وفق الأجندة الجديدة المطلوبة للمرحلة المقبلة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى