قالت له
قالت له: هل صحيح ما قرأته أنّ الزمن هو الريح التي يتآكل فيها الحبّ؟ وأنّ التحكم بزمن اللقاء يطيل عمر الحبّ؟ وأنّ الشغف عكس ما يطلب، فالشوق يطلب وصالاً والوصال يقتل الشوق والشغف؟ ماذا تقول؟
فقال لها: هذا يصح بالتواجد المتلاصق على مدى الأيام، وما قد يصنعه من ملل وقتل للشوق والشغف. ولذلك ينصح العشاق والأزواج ألا يعملوا في مكان واحد، وأن يختبروا فرص الغياب والانقطاع عن بعضهم، وتغيير الأماكن في العطلات لتجديد روتين حياتهم. لأن الحبّ والروتين عدوّان لا يجتمعان إلّا إذا كان ما تقصدينه أمراً آخر، وهو أنّ الإنسان بطبيعته يركض سعياً إلى بلوغ ما يرغب، مفترضاً في الوصول إلى السعادة. والسعادة في طريق السعي وما قبل الوصول. والوصول يُسقط السعي ويُسقط اللهاث ويُسقط التعب ويُسقط معها جميعاً الرغبة بالتجمّل التي كانت تدفع بالحبيب في اللباس والشكل والكلام والسلوك لإظهار أجمل ما عنده، لجذب انتباه الحبيب والحصول منه على الشعور بالرضا. بينما يصيبه التكاسل والركود والخمول بعد الوصول. فطالما قد حصل على الحبيب صارت الأمور التي كان يفعلها بشغف لإرضائه مواسم صعبة التكرار. والهدايا التي كان يستدين لجلبها صارت أعباء يعتذر بسببها عن المناسبات. وهي صارت تستسهل الظهور أمامه بلا ترتيب ولا تجميل، وصارت تستبسط التخاطب بصوت مرتفع وبغضب وتستهون استعمال كلمات قاسية. والعذر بسيط، أن نكون على طبيعتنا فتكفينا المراعاة مع الغير. وهو يستسهل اللا بعدما كانت كلّ أجوبته نعم. ويستسهلان الضغط المتبادل لفرض رأي أو يتقاسمان القرار وفقاً للمواضيع والعناوين.
فقالت له: هل يمكن أن يصحّ القول إنّ اللقاءات الجميلة الفاتنة والساحرة بين حبيبين لها عدد ثابت؟ إذا استهلكناها تباعاً نفدت وبقي لنا الروتين المستمر؟
فقال: لو افترضنا أنها مئة، أليس رقماً جميلاً وكافياً أن يكون لنا في العمر مئة لقاء لا ينسى؟
فقالت: تعال نختبر الفرضية!
فقال: هذا يعني أننا إذا استهلكانها كلّ أسبوع سنبقى معاً لسنتين.
فقالت: وكلّ شهر مرّة، سنبقى لقرابة عشر سنين.
فقال: وكل فصل لقاء، ستكون وقوداً لثلاثين ورحلة في الصيف ورحلة في الشتاء ستكون للعمر كله. فسقف أن يكون بين الحبيبين خمسين.
فقالت: لا أتحمّل غياباً أكثر من شهر.
فقال: نطبّق الوصفة لكلّ سنة بالتتابع. فسنة كلّ شهر، وسنة كل فصل وسنة. كل صيف وشتاء، وهكذا نعود إلى الشهر وهكذا دواليك.
فقالت: أما وقد إلتقينا فإلى الشهر المقبل موعدنا.
فقال: تعديل القوانين لا يسري فوراً. فلقاؤنا غداً، وبعده يبدأ العدّ.
فقالت: لك الغد ولي بعده، ونبدأ.
فقال لها: نلعب رهاناً ومَن يفز يقرّر العدّ.
فقالت: أتراهن أنني أفوز؟ هذا هو الرهان.
فقال: هذا رهان العمر الممتد عندك وسيبقى… إلى اللقاء.
فقالت: غداً نناقش الأمر.