سرّ غضب كيري وهدوء لافروف
ناصر قنديل
– لم يكن وزير الخارجية الأميركي جون كيري يمثل دوراً سينمائياً عندما قال لنظيره الروسي سيرغي لافروف إنّ صبره وصبر حكومته من السلوك الروسي المتباطئ في تحديد مصير الرئيس السوري بدأ ينفد، لكنه كان يكذب ولم يكن يقول الحقيقة، فليس بين موسكو وواشنطن تفاهم تقبل بموجبه موسكو ببحث مصير الرئيس السوري، حتى يكون هناك تعهّد بإبلاغ واشنطن بموعد يحسم فيه هذا الأمر، وفوق الكذب الذي جاء تعبيراً عن الغيظ لرمي الأفخاخ والفتن، جاء الغيظ بالقول عن نفاد الصبر لمن ليس لديه ما يفعله، لو قال نفد صبرنا أنا وحكومتي، وبات عليه أن يحدّد الخطوة التالية، فما قاله كيري عملياً هو فقط أنا غاضب وحكومتي غاضبة، لأنّ صبر موسكو نفذ بسرعة، وعليها أن تنتظرنا أكثر، فنفاد الصبر صحيح ووجهته مفتعلة وموضوعه مصطنع.
– في المقابل لم يكن لافروف وهو يردّ على كيري بالدعوة للمزيد من الصبر، يردّ الطابة خارج الملعب، بل كان يدرك سرّ غضب كيري، ويجيبه على طريقته، عليك ان تصبر طويلاً، وأن تتعلّم المزيد من الصبر، لأنّ ما سيأتي سيجعلكم تغضبون أكثر، فما ترونه الآن ليس سوى البداية، ويكشف لافروف نصف الحقيقة بالقول، إنّ موسكو أمهلت واشنطن مرة تلو المرة منذ ثلاثة شهور، لتنفيذ التزامها بفك التشابك بين الجماعات المسلحة من المعارضة المحسوبة على واشنطن وحلفائها من جهة، و«جبهة النصرة» من جهة مقابلة، وما فعلته واشنطن أنها ذهبت بحربها سراً نحو الرقة وقد سرقت حليفاً مشتركاً هو الاتحاد الديمقراطي الكردستاني وحلفاء من المعارضة العلمانية بإغراء تسليمهم الجغرافيا التي يتمّ تحريرها من «داعش»، بعدما كانت واشنطن قد ساندت الفيتو الذي وضعته السعودية وتركيا على ضمّهم للوفد المفاوض في جنيف، كما كان الاقتراح الروسي، ورغم ذلك عرضت موسكو التعاون في حرب الرقة فردّت واشنطن علناً بالرفض، فكان نفاد الصبر الروسي وبدء هجوم مشترك مع الجيش السوري على الرقة من جهة، ومن جهة مقابلة عقد اجتماع ثلاثي على مستوى وزراء الدفاع الروسي والسوري والإيراني للبدء بالحرب على «جبهة النصرة» ومن معها بلا استثناء.
– تعقدت الحرب الأميركية في الرقة وعجز من راهنت عليهم عن تحقيق انتصارات ذات أهمية، فنزحت بهم نحو منبج، وتعقدت علاقتها بتركيا، فنزحت تركيا صوب موسكو، وخلال أيام ثلاثة من التحضير الناري بدأت بشائر الحرب على «النصرة» تصل أنباؤها تباعاً إلى واشنطن بتقدّم متسارع للجيش السوري والحلفاء في شمال اللاذقية وصولاً إلى استرداد عشرة قرى في جبل التركمان، وخوض معارك ضارية في الريف الجنوبي لحلب تبشر بتبلور نتائجها خلال ما تبقى من شهر رمضان، لتبدأ نتائج إدلب وحلب بالظهور بعدها.
– يشهد كيري انهيار خطط واشنطن وحلفائها ونجاح خطط موسكو وحلفائها، فيتوسّل بلغة المتعالي المتعجرف، وبدلاً من أن يقول أنقذني يقول قد ينفد صبري فيأتيه الجواب، تعلّم الصبر يا كيري، وخلال يومين ستأتيك أنباء الفلوجة بما لا تحبّ أن تسمع، أنّ الحشد الشعبي لعب دوراً حاسماً في النصر وسيكون شريكاً في معركة الموصل، تعقّل وسلّم بالحقائق سيادة الوزير وتعلّم الهدوء بدلاً من الغضب، ومن يفقد أعصابه غير من ينفد صبره، لعلّ اللغة خانتك هذه المرة.