بلديات 2016… النهوض المبرمج وتعزيز القدرات ٥
هاني الحلبي
ناقشنا في مقالات سابقة خلال شهري أيار وحزيران موضوع بلديات 2016 في لبنان. تمّت الإشارة إلى أنها خطة للنهوض وأنها ليست بورصة أحجام سياسية وليست مجرد معرض لوجوه عراضات محلية متعدّدة الخلفيات والأوساط والمشارب. وتمّ التركيز عموماً على سوء الخطط البلدية للقوى السياسية عامة، ومحدودية الجدوى للخطط البلدية الرسمية، فضلاً عن كونها متحفاً محلياً للغرضيات العائلية والعنعنات الجبية الشديدة المحلية التي لا دور عمرانياً لها سوى تخريب الوشائج السليمة التي تتنامى في دورة الحياة العامة على مدى الوطن.
ليست فقط قيمة اية هيئة بلدية في ما تضمّ من أسماء زاخرة مسبوقة بالألقاب المفخمة، الطبيب، الدكتور، المهندس، المحامي، الصيدلاني، الأستاذ، فضلاً عن الدرجات العسكرية من ملازم ونقيب ومقدّم وعقيد وعميد ولواء… لنجد بعض هيئات بلدية إنْ خلت من نبض الإبداع والفعل المتنامي ليست سوى حالات متحفية لهذه الدرجات والألقاب والرتب على اختلافها.
وهذه الحالات المتحفية كثيرة ومؤثرة وتكاد تصمّ الواقع البلدي في غالبيته، لولا فاعليات قيادية بلدية موهوبة ومصقولة بالتجارب الحية المستمرة التي جعلت تلك الفاعليات طاقات قيادية استطاعت ان تبني مؤسسات وتطلق برامج تنمية وتزخم الامكانيات المجتمعية في متحد بلدي ضيّق لتنهض به وتؤهّل شبابه وبناته فاعليات بانية مواكبة مسيرة التقدّم والظفر والفلاح. وليس كلّ من ترسو عليهم بورصة الاقتراع البلدي عضواً ورئيساً هو قائد ويستحق تسلّم مسؤوليات قيادية بلدية تقوم بموجبات تلك المسؤوليات واختيار الكفاءات القادرة على تنكّب تلك المسؤوليات الجسيمة.
أهم ما يميّز المؤسسات انها عمل فريقي يعبّر عما في المتحد الاجتماعي من قدرات وطاقات وإمكانات فاعلة أو واعدة. وبهذا تتفوّق المؤسسات متى تمّت مقارنتها مع الجهد الفردي. الجهد الفردي مهما كان عبقرياً ميزته أنه مؤقت وعابر. قد يكون الجهد الفردي ملهماً وعبقرياً مؤثراً جداً، سلباً او إيجاباً، فيكتسب أهميته من حدّة هذا التأثير، لكنه سيبقى متقطعاً ومتناوباً وغير متسق. المؤسسات الناشطة تتخطى عيوب العمل الفردي وتوظف فضائله ومزاياه فتغتني به وتنهض وتتفوّق. الجهود الفردية تلهم الجماعات والمؤسسات بما تفتح من آفاق مستغلقة وبما ترتاد من ميادين مستجدة وما تضيء من أفكار مبدعة اشتقها الخيال وابتدعها العقل وفحصها المنطق لتؤسّس لفتوح جديدة في الاجتماع والتنمية والسياسة والقانون والقيم.
لكن بعض المؤسسات عقيم يكاد لا يكون أكثر من حالة دفن للإبداع الفردي أو الجمعي بلا مراسم تشييع. المؤسسات البلدية بمعظمها الراهن لا تتعدّى المتحفية السياسية والاجتماعية نفسها التي تصيب المجتمع العام بالاستنقاع والركود القاتل. لا إرهاب أبشع من هذا القتل لروح المجتمع البشري.
قيمة أية مؤسسة بلدية أن تكون خطة نهوض مستمر بلا انقطاع رغم تغير الأفراد المنتخبين بين ولاية وأخرى، وبعض هؤلاء يحسن ألا تتخلى عنهم الإرادة الانتخابية لخبراتهم فلا تفقد بهم فاعليات نشاطها وعصارة خبراتها المتنامية عبر تجارب متلازمة للواقع الاجتماعي تخاطب روحه العامة التقدمية وتلبّي حاجاته اليومية الراهنة وحاجاته البعيدة المدى.
ونرى أن أبرز محاور أية خطة نهوض هي:
– التأهيل التنموي للشباب. خاصة الناشئة لإكسابهم خبرات تقنية وعلمية ولغوية وقيادية وإنسانية. فمن دون التأهيل لا يمكن لأي متحد ان يؤمّن نموه البشري وبخاصة نموّه المؤسسي ليهيّئ القدرات القيادية الشابة دائما لتستعدّ لحمل راية القيادة بلدياً، ولاحقاً في الميدان الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.
– اي خطة بلدية في لبنان، واستطراداً في المشرق العربي، لا تضع في أولوياتها إعداد المجتمع الحربي المقاوم. فتعد الشباب شبانا وشابات مقاتلين عن متحدهم ضد ما يتهدده من أخطار، أبرزها اليوم الخطران الإرهابيان اليهودي الصهيوني والتكفيري المتأسلم.
– وفي سياق إعداد مجتمع حربي مقاوم تبرز أهمية التدريب على الإسعاف والقتال والغوث والدعم والإسناد والتعاون والإنقاذ تحت كافة الظروف.
– وفي سياق إعداد مجتمع حربي مقاوم لا يتقدم أي أمر حيوي على بناء ملاجئ عمومية مؤهلة لأسوأ الظروف البشرية الممكنة في النطاق البلدي.
– التوسع المتكامل بالمساحات الحرجية الجبلية وتعزيز الثروات الزراعية للاكتفاء الذاتي، ولدعم الصناعة وتطوير سوية المقومات المناخية الصحية وتحسين النفسية العامة بتطوير سوية البيئة وجماليتها.
– التطوير الصناعي والسياحي والاقتصادي المتكامل ضمن روزنامة وطنية متكاملة لبنانيا ومشرقيا، بحيث يؤمن المواد الضرورية للاقتصاد الوطني.
باحث وناشر موقع حرمون
haramoon.org/ar