جريمة جديدة بحق الفلسطينيين والعرب
عباس الجمعة
إنه عصر الاستعمار الأميركي الصهيوني يُعاد إنتاجه بوسائل وأساليب جديدة، وهو يحاول أن يجد له طريقاً في فرض شروط الاستسلام والذلّ والمهانة على الأمة العربية، حيت تتمّ مكافأة دولة الاحتلال الاسرائيلي برئاسة لجنة للأمم المتحدة مكلفة القضايا القانونية. والمؤسف حقاً انّ بعض من يسمّون أنفسهم دولاً عربية وإسلامية ساهموا بإعطاء المجرم شهادة حسن سلوك باعتبارها آخر دولة احتلال في العالم، تتولى المنصب الأكثر أهمية للبت في القضايا القانونية الدولية، وهي، ايّ «إسرائيل»، متهمة بإلغاء وجود الشعب الفلسطيني، وسجلها حافل بالمجازر والحروب والاستيلاء على الاراضي وخنق الفلسطينيين في أراضيهم، وصولاً الى شنّ الحروب والاغتيالات، واستمرار احتلال الأراضي العربية المحتلة في الجولان ومزارع شبعا وتلال كفر شوبا في جنوب لبنان بينما يقف قادة بعض الدول العربية موقف المتفرّج على ما يُرتكب بحق الشعب الفلسطيني وأسراه وأسيراته في سجون الاحتلال الإسرائيلي، دون أن يحرّكوا ساكناً.
نقف اليوم لنتأمّل، الزلزال الذي هزّ المجتمع الفلسطيني والأمة العربية بتولي كيان إجرامي عنصري صهيوني هيئة قانونية في الأمم المتحدة، لنتذكّر صور الآلام في شريط ذاكرة النكبة، مثلما نقف اليوم لنتأمّل أكثر حال الأمة العربية، في ظلّ الهجمة الامبريالية والصهيونية والاستعمارية والإرهابية التكفيرية، وحاجتنا إلى مثل هذه الوقفة اليوم، إنما تأتي لاستخلاص الدروس والعبر على طريق تجاوز الأزمة الراهنة التي تعصف بالساحة الفلسطينية من أجل إنهاء الانقسام الكارثي، ودعوة للأمة العربية للوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني الآن أكثر من أيّ وقت مضى، لما يتهدّد القضية الفلسطينية والحقوق المشروعة وخاصة حق العودة من مخاطر.
انّ هذا التهالك من بعض الدول العربية على تقبيل الأعتاب «الإسرائيلية»، سعيا وراء الرضا الأميركي، دون أن يكون هناك أيّ اعتبار للحقوق الفلسطينية، يؤشر على عمق الهاوية التي تردّى فيها النظام الرسمي العربي، ويوحي أنّ هناك نقلة خطيرة في موقف هذا النظام، فهو لم يعد يكتفي بالحياد، أو الصمت، أو التفرّج تجاه ما يجري للشعب الفلسطيني وحقوقه، بل سيعلن عن انحيازه إلى جانب الموقف الإسرائيلي، ودعمه لسياساته. وهو أمر خطير يجب أن يدفع الشعب الفلسطيني وقواه ومؤسساته السياسية إلى التنبّه أكثر فأكثر إلى هذا الخطر الجديد، وإلى التدقيق في أيّ موقف أو رأي أو نصيحة تصدر عن أطراف النظام الرسمي العربي، لهذا نحن نتطلع للقوى السياسية والشعبية العربية، أن تبلور موقفاً أكثر جدية وفاعلية في مواجهة هذا التطوّر الخطير، من حيث فضحه وإدانته، وحشد القدرات الجماهيرية لدعم صمود الشعب الفلسطيني.
إنّ النموذج الفلسطيني للمقاومة، مدعومة بعمق شعبي قومي عربي، كفيل في تفعيل روح المقاومة والتصدي للمشروع الإمبريالي الأميركي الصهيوني، الذي يحاول إعادة رسم خارطة المنطقة والعالم وفق المقاييس الأميركية، وتغليف هجمته بشعار نشر الديمقراطية ومحاربة الإرهاب والمضيّ قدماً في تشجيع ودعم الجنرالات الصهاينة لاستكمال حرب الإبادة ضدّ الشعب الفلسطيني وحصاره وتجويعه ومحاولات كسر الصمود الفلسطيني وفرض الشروط الإسرائيلية الأميركية.
وفي ظلّ هذه الاوضاع نؤكد أنّ بارقة أمل ترافق انتفاضة الشعب الفلسطيني في انتزاع الحرية والاستقلال، هي العودة الى الحوار الفلسطيني من أجل إنهاء الانقسام الكارثي وتعزيز الوحدة الوطنية والعمل على إيجاد عمق شعبي عربي، مع ما تجسّده حركة التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني، وهذا يعني تكثيفاً لهوية النضال الفلسطيني، وخاصة أنّ الشعب الفلسطيني يؤكد إصراره على تمسكه بالمقاومة المشروعة، وتمسكه بحقوقه الوطنية وفي المقدّمة منها حقه في العودة إلى دياره وأراضيه ومدنه وقراه التي هُجّر منها، وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس.
ختاماً لا بدّ من القول، علينا أن نتذكر دائماً قوة الصمود الشعبي الفلسطيني، وضرورة العمل الدائم لتعميقها، هذه القوة من خلال وحدة وطنية حقيقية واستراتيجية نضالية لمواجهة المشاريع الأميركية والصهيونية والاستعمارية والتي تستهدف تصفية الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، رغم إيماننا بقدرة الشعب العربي في فلسطين على الصمود والتحدّي، وحيويته واستعداده للتضحية والعطاء بغير حدود، واستجابته الطوعية للتوحد تحت راية المقاومة، والانتفاضة هذا الخيار الذي يكتب بحروف من الدم فهو أكثر وضوحاً ومعاني أكثر دلالات، وهو يمضي للوصول الى أهداف الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال والعودة.
كاتب سياسي