يقرعون بوّابات المصارف!
ثريا عاصي
الأرض الفلسطينية:
يلتهم الغول «الإسرائيلي» تدريجياً الأرض الفلسطينية، ما فوقها وما تحتها بغطاء قانوني مزوّر، كأن اتفاقية أوسلو صكُّ بيع عقاري. أغنت الوظيفة في إدارات وأجهزة السلطة المزارع الفلسطيني عن حراثة الأرض، وأغرتْ قروض السيد سلام فياض «السخيّ»، جميع الفلسطينيّين فأنستهم الخطر الذي يمثله المستعمِر «الإسرائيلي» على وجودهم.
ولكن التنسيق الأمني والسياسي بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين»، لم يعُد منحصراً في فلسطين، بل تعدّاها إلى بلاد الأخوة العرب: استجابة للعصبية العربية! بين الخطر الفارسي وبين الخطر الصهيوني لا مجال للتردّد، فهذا الأخير نعرفه وتجارتنا معه قديمة. لقد اشترى منّا فلسطين! صحيح أنّه كمثل السوس ينخر أساس المسجد الأقصى، ولكن «خطر الفرس» أكبر لأنهم مثلنا. «الإسرائيليون» ونحن ضدّ «الفرس»! ليأخذ «الإسرائيليون» ما يريدونه!
مثلما ضاعت فلسطين نتيجة لوساطات «الأشقاء العرب»، ولأموال «المنظمات الإنسانية غير الحكومية». «الإسرائيليون» الأوروبيون يقطعون الزيتون، في المقابل يساعدنا في موسم القطاف الناشطون الأوروبيون. سباق بين الزيتون والأرض! بين حصّ الزيتون وبين مِنْشار المستعمِرْ!
مياه النيل:
الأشقاء العرب، يبنون سداً مائياً في أثيوبيا حتى لا يصل النيل إلى مصر، تشجيعاً للمصريّين لكي يعبروا البحر مرة ثانية، ولكن على جسر تيران هذه المرة، فمواجهة «الفرس» أكثر إلحاحاً من المحافظة على الترعات… ردع «الفرس» أولى!
مصارف لبنان:
نصل الآن إلى اللبنانيين، من المعروف أنّ اللبنانيين باعوا كل ما عندهم، ولكن عمولات مافيا الحكم فاقت، كما يبدو إضعاف حصيلة البيع، تحوّل الأخيرون إلى وكلاء تفليسة لبنان لدى المحكمة الدولية التي تطبّق القوانين الأميركية. لم يكن اللبنانيون على علم بأنّ جميع المصارف اللبنانية موضوعة منذ سنوات على اللائحة السوداء، لماذا؟ لماذا إذن يتعجّل مصرف لبنان المركزي الآن في تطبيق القوانين الأميركية ضدّ حزب المقاومة اللبنانية حزب الله تحت حجة «الشفافية» في كفاح «تبييض الأموال» وفي كفاح «الإرهاب»؟
يطبّق مصرف لبنان المركزي قانوناً أميركياً يعتبر «أموال حزب المقاومة اللبنانية أموالاً قذرة»، لكون هذا الحزب في نظر الولايات المتحدة الأميركية والسعودية و«إسرائيل» «إرهابياً»! بكلام أكثر وضوحاً وصراحة، لم تجرؤ «شبه الحكومة في لبنان» على الموافقة دون تحفّظ على «الفرمانات السعودية» المتعلّقة بالحرب ضدّ «الفرس»، فتوكل مصرف لبنان بالالتفاف على «التحفّظ» الحكومي!
ما أودّ قوله هو أنّ استحقاق مصرف لبنان المركزي للمصداقية التي يدّعيها كان يتطلّب من حاكميّته أن تبيّن أمام اللبنانيين الأسباب التي أدّت منذ عدد من السنوات إلى وضع المصارف اللبنانية على اللائحة السوداء. ولماذا تأخّرت هذه الحاكمية إلى حين صدور قانون أميركي حتى تتّخذ الإجراءات الكفيلة «بتبييض» صفحة المصارف اللبنانية في «عالم الأموال»، وهل حرمان حزب المقاومة حزب الله من خدمات المصارف اللبنانية سيُعيد لهذه الأخيرة عذريّتها فلا تبقى على اللائحة السوداء؟!
وفي مختلف الأحوال، فإنّ هذه المسألة تضع اللبناني حيال إشكال كبير. نِعْم التربية الوطنية التي تتلقّاها الأجيال. احتلّ «الإسرائيليون» في سنة 1982 لبنان بموافقة الولايات الأميركية، فتصدّت لهم المقاومة وتمكّنت من طردهم في سنة 2000، أثار ذلك حفيظة الولايات المتحدة الأميركية التي أعلنت الحرب على المقاومة بموافقتنا! هل حقاً أنّ المستعمرين احتلوا لبنان، وأنّ «المهرّبين» و «الإرهابيين» حرّروه؟
ما يهمّ في الراهن هو معرفة الأساليب وطبيعة الوسائل التي تنوي الولايات المتحدة الأميركية استخدامها ضدّ حزب المقاومة في لبنان، وما هي الأهداف النهائية التي تريد تحقيقها. ولكن مهما يكن، على الأطراف جميعاً والأطراف اللبنانية التي تحالفت علناً مع الولايات المتحدة الأميركية بوجه خاص، أن تدرس جيداً حرب تموز 2006 على لبنان، ثم الحرب على سورية المستمرة منذ آذار 2011. لولا الفشل في حرب تموز لما كانت الحرب في سورية، ولولا وصول هذه الأخيرة إلى حائط مسدود، حيث ظهر عقمها وعبثيّتها، لما رجعت الولايات المتحدة إلى بيروت وراحت تقرع بوّابات المصارف!!