ماذا حمل وزير الدفاع الروسي إلى سورية؟
ناصر قنديل
– فيما تتعاكس صور المشهد العسكري في سورية بين منطقة ومنطقة، ويحقق الجيش السوري وحلفاؤه إنجازات هامة على جبهات غير معلنة وغير متوقع التقدم السريع فيها، كبلوغ مشارف مطار الطبقة العسكري بعد توغل سبعين كيلومتراً في عمق الرقة، وهو مفصل طريق حلب الرقة، أو التقدم باتجاه السخنة التي تشكل راس الطريق السريع من حمص نحو دير الزور، أو الحصاد اليومي للسيطرة على بلدات جديدة في الغوطة، عدا عن تدمير مواقع وآليات وعتاد وقتل عناصر وقادة لداعش والنصرة وحلفائهما، تنجح جبهة النصرة ومَن معها في ريف حلب الجنوبي، بتحقيق إنجازات عسكرية مفاجئة في ريف حلب الجنوبي، فبعد استعادتها خان طومان نجحت قبل يومين بدخول بلدتي خلصة وزيتان وتستعد لمعركة في بلدة الحاضر.
– رغم كون الإنجازات التي حققها الجيش السوري وحلفاؤه أشد أهمية كماً ونوعاً، ورغم ما تبشر به من قدرة على تحقيق إنجازات جيواستراتيجية في محافظتي الرقة ودير الزور والتحكم بالتالي بمصير داعش، ومثلها التقدم في الغوطة وداريا وصولاً للسيطرة على كل مفاصل الأمن المحيطة بدمشق وطريق حمص دمشق الدولي، ومثلها ما يجري في درعا وجوارها، ورغم كون المناطق التي دخلتها النصرة ومَن معها باسم جيش الفتح، ليست بالأهمية ذاتها، لأن أهميتها تكمن في تحصين إدلب وتأخير معركة دخولها ومعها تأخير استرداد الجيش لطريق حلب دمشق، أكثر من أهميتها في تهديد مناطق سيطرة الجيش السوري الذي لم يدخل هذه المناطق أصلاً إلا مع بداية عاصفة السوخوي وبقي صامداً في مواقعه، رغم بقاء خان طومان وخلصة ومعهما الحاضر بيد النصرة لسنتين، فيشكل النجاح فيها عودة لما كان عليه الحال قبل شهور بأسوأ حال، بينما يتقدم الجيش في ريف اللاذقية نحو التلال المتبقية في جبل التركمان. ورغم كون خسائر جبهة النصرة وحلفائها أضعاف خسائر الجيش وحلفائه، وخصوصاً حزب الله، لا يمكن الاستهانة بهذا التحول في جبهة ريف حلب الجنوبي، لأن توقعات كثيرة كانت ببدء الهجوم النوعي لسوريا وحلفائها في محيط حلب انطلاقاً من الريف الجنوبي، فإذ العكس هو الذي يحدث، ولأن الخسائر التي أصابت قوى المقاومة في يومين متتالين جاءت موجعة، ما أشار بوضوح إلى أن الجبهة لم تكن على موعد مع الهجوم المتوقع حشوداً وجهوزية وقراءة لموازين القوى، عكس ما أوحى به اجتماع وزراء الدفاع الروسي والسوري والإيراني في طهران قبل أيام من المعارك.
– الأكيد أنه منذ توقف العمليات في الجبهة الشمالية مع الإعلان عن الهدنة التي قادتها روسيا بالتعاون مع واشنطن ومهّدت لجولة محادثات جنيف الفاشلة، ورغم تقدير ما أسهمت به الهدنة من توفير شروط مناسبة لمعركة استرداد تدمر، كانت قراءة روسيا لسير الحرب ترتبط بإيقاع التفاوض مع الأميركي بينما كانت قراءة إيران وحزب الله تقوم على الميدان وما يفرزه من وقائع، والخشية والتحذير من خطورة توظيف الوقت التفاوضي في تغيير معادلات الميدان، التي يخلق النصر فيها دينامية تخفض كلفة المواجهات بالتتابع، ويصير لاستعادتها بالشروط ذاتها كلفة أكبر، فكيف إذا تغيرت الشروط وهذا ما تحدثه الهدنة من منح الفرصة لتغيير هذه الشروط سلاحاً ورجالاً وخططاً واستعدادات، ولم يكن هذا التباين مخفياً، وظهر بقوة عندما أكملت جبهة النصرة تحضيراتها وأعلن انسحاب جماعة الرياض من جنيف ما يشبه ساعة الصفر لشن هجوم استباقي، انتهى باستردادها خان طومان، فكان الروس يدعون لمنح المزيد من الوقت لمهل فك التشابك بين الجماعات المسلحة المحسوبة معارضة وجبهة النصرة، فيما يدعو حزب الله وإيران، وتجد سورية أنها أقرب لمنطقهم، رغم مراعاتها بدرجة أعلى للحسابات الروسية، ودارت مباحثات ومشاورات، توّجت باجتماع وزراء الدفاع لوضع خطط تعاون عسكرية، بات اليوم واضحاً أنها لم تكن لإعلان ساعة الصفر للحرب على النصرة، بل لتوفير شروط الصمود والدفاع الفعال في شمال سوريا، حيث الإشكالية التفاوضية مع الأميركيين ومن خلفهم السعودية وتركيا، مقابل حشد القدرات لتحقيق اختراقات مفاجئة في الجبهات الشرقية منعاً لاستفراد الأميركي ومَن معه بتحقيق تقدم فيها.
– التفاوض الأميركي الروسي لخوض حرب النصرة يتضمن كل الملف السوري، والواضح أن التقدم السوري بدعم روسي نحو دير الزور والرقة لمنع الأميركي من التفرد بالتقدم بوجه داعش، لربط هذه المعركة الفاصلة ضد داعش التي تشكل أهم أوراق واشنطن وإدارة الرئيس باراك أوباما للانتخابات الرئاسية المقبلة، بإلزامية الشراكة في خوضها مع الجيش السوري وحلفائه، ما يجعل معادلة التفاوض الجارية وفقاً لثنائية، تغطية أميركية للحرب على النصرة، مع أو بدون السعودية وتركيا، مقابل التطبيع مع حكومة سورية جديدة، تضم أطرافاً من المعارضة، مع أو بدون جماعة الرياض، وهذا يعني أن كل شيء مؤجل وصعب ومفصلي بات الآن على الطاولة.
– موسكو تنتظر واشنطن لتحسم خياراتها، بين السير بتغطية حرب النصرة مقابل التطبيع مع حكومة في ظل الرئيس السوري، فإن حسمت واشنطن أمرها إيجاباً تكون موسكو حققت إنجازا يستحق هذا الانتظار، وإن لم تفعل فيكون على موسكو أن تقرر مع الحلفاء خيار الحسم مع النصرة ام مع داعش أم مع كليهما، أم الاستعداد لحرب استنزاف طويلة. وواشنطن التي لا تتحمل بقاء داعش والنصرة، في ظل تداعي الأمن في بلاد الغرب إلى حدود الخطر، تجد أنها أمام ضغط الزمن واستحقاقاته، بين حاجاتها الانتخابية الملحة لإنجاز مستحيل دون روسيا وسوريا وإيران، في سورية وفي العراق، وخطر تجذر داعش والنصرة وتمثيلهما تهديداً متزايداً للغرب، وإدراك الغرب أن الضربة الحاسمة لهما تكون في سورية والعراق، وبالتعاون مع روسيا وإيران وسوريا وحزب الله، أو لا تكون، وبالمقابل الثمن المطلوب لذلك بإنهاء اللغة المزدوجة علناً، بين الدعوة العلنية لرحيل الرئيس السوري، والتعاون معه علناً كشرط موجب، ودرجة القدرة على جذب التركي والسعودي إلى هذا التعاون، ودرجة القدرة على السير بدون السعودية وتركيا في لعبة المنطقة المقبلة، هذا عدا عن التحسب المبطن لأمن إسرائيل ومتطلباته، وموقع الحرب على حزب الله والجمع بينها وبين وجوده شريكاً محورياً في الحروب المقبلة، وبالمقابل درجة القدرة على جذب جماعة الرياض للمشاركة في هذا التحول، أو درجة القدرة على السير بدونها مع معارضة لا تشكل أرضية اختراق لمستقبل مشروع الدولة في سورية.
– تدرك واشنطن مأزق حلفائها، من حال السعودية المربك بين تسوية مهينة وحرب فاشلة في اليمن، إلى حال تركيا بين نمو حضور كردي على الحدود وتمسك بدعم يائس لجبهة النصرة، وتدرك مأزقها معهما، ومثلهما مأزق إسرائيل العاجزة عن حرب تغير معادلات التوازن مع حزب الله، وحدود حرب التطويق والشيطنة ومحدوديتها دون عمل عسكري فاعل، مقابل سعي مشترك مع إسرائيل لتهيئة منصات مبادرات سياسية على المحور الفلسطيني تخلط الأوراق، وتدرك أن الوقت داهم، وعن قرب موسكو تراقب وتدرك ذلك، ويبدو شهر التفاوض الحاسم في تموز، لأن آب آخر شهور ما قبل الانتخابات لتحقيق الإنجازات، ولم يحدد موعدا لتقدم العملية السياسية في سورية عبثا، ولأن الانسحاب الأميركي من افغانستان يسير قدماً وسينتهي نهاية العام. وفيما يبدو الطريق الوحيد أمام واشنطن هو التفاهم مع موسكو على تقديم ربط قيام حكومة موحدة في سورية تشترك فيها المعارضة بالاتفاق على جعل الانتخابات الرئاسية المبكرة في سورية بعد عامين، التي قال الرئيس السوري إنه يرتضيها ضمن تفاهم شامل، وبعد الحرب على الإرهاب، مخرجاً يقدم لحلفاء واشنطن وتتقرر المواقف على أساسه. وبانتظار هذا الشهر ونهاياته، يصير تحصين جبهات حلب وأريافها مهمة روسيا والحلفاء، فيعلن الناطق بلسان مجلس الدفاع والأمن الروسي عن تزويد سورية بالمزيد من العتاد والذخائر، معلناُ أنها لا تحتاج سلاحاً إضافياً بينما يصل وزير الدفاع الروسي في زيارة مفاجئة إلى سورية لطمأنة الحلفاء بتعزيز الحضور في الميدان ومعالجة كل نقاط الضعف، ويتفقد إجراءات قيادته الميدانية في قاعدة حميميم ويعطي التوجيهات اللازمة.
– سيكون الخيار الصعب على واشنطن أن تسير بلا الحلفاء وسيكون الأصعب أن تسير معهم بلا أفق، لكنه شهر الحسم في الخيارات.