الـغـرب لن يتغيّر… الشـرق لم يتعلّم!
محمد ح. الحاج
أكثر من دولة أوروبية ترسل قواتها متسللة إلى الشمال السوري، الذريعة «محاربة الإرهاب» والحقيقة غير ذلك، الكلّ يبحث عن موطئ قدم على الأرض السورية التاريخية، يدخلون بعيداً عن المباشرة ولا قرارات، لا أممية، ولا محلية ودون إعلان عدا التسريب المقصود أو غير المقصود بانتظار ردود الفعل المحلية منها أو الدولية المنافسة، الأسلوب وحده تغيّر متوسلاً مطية أو مطايا، مشروعا قديماً أو مشاريع، المشروع المتجدّد في الشمال السوري هو الدولة الكردية مع أنها تعاكس مصالح دولة عضو في الحلف الرئيس الذي يجمعهم الناتو تركيا تعترض ولا من يستمع، الاعتراض هنا يتقاطع ويلتقي مع قرار الحكومتين السورية والعراقية إضافة إلى رغبة شعبية ترفض الانفصال والفيدرالية قد تتجاوز نصف السكان، الغرب أصمّ.
كيف لدول الناتو أن تتجاوز رغبة ومصالح دولة من دول الحلف يعتبرونها ركيزة وخط الدفاع الأول بوجه العدو القديم الاتحاد السوفياتي روسيا الاتحادية حاليا، ويمكن القول إنّ مرحلة هذا العدو سقطت وانتهت أو إنّ تركيا تراجع دورها وأهمية موقعها بعد دخول الغرب الحديقة الخلفية للروس، وأنّ العدو الجديد الاسلاموفوبيا يستظلّ في جانب منه الجناح التركي، وتحديداً حزب العدالة…، الجانب الأهمّ في توجهات الناتو هو الاستمرار في خدمة القضية الصهيونية مع أنّ تركيا حليف تاريخي لدولة الكيان الصهيوني ولا يمكن اعتبار الخلافات الثانوية التي قامت بينها وبين الدولة التركية جذرية تدفع بالعدو للاستغناء عن علاقاته التركية ومصالحه، وموقف تركيا الداعم للعدو بوجه الموقف السوري المقاوم، متاهة العلاقات المتشابكة بين هذه الأطراف تحكمها المصالح النهائية للعدو الصهيوني المتمثلة بتحقيق الهدف النهائي للمشروع وهو يهودية الدولة، الهدف الذي يقضي بدعم قيام دولة على أسس عرقية أو دينية تبرّر ما يقابل.
الزمن وحده تكفل بكشف العلاقات السرية ما بين العدو وبين جهات عربية مارست تمثيل دور منافق وأنه يدعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في أرضه، وللحقيقة فإنّ الخطر الصهيوني على المنطقة لا يستشعره غير السوريين لأنه يعنيهم ويستهدفهم بالدرجة الأولى، ولأن من العسير والمستحيل طمس أو محو اسم سورية عن خريطة العالم فإنّ السلوك العربي الملتزم تجاه مصير الدولة اليهودية خضع لأحكام المنطق والارتباط العرقي أو اللغوي رغم اعتبارهم السوريين من عرق آخر وأنهم ليسوا عرباً بالمعنى الحقيقي… لكنه عالم عربي… ليس مطروحاً في ميزان المصير، إما العرب أو «إسرائيل»، ومن وثائق الخارجية الأميركية نستخرج وثيقة بني سعود المتضمّنة الالتزام بوعد بلفور… وحماية «اليهود المساكين» حتى تصيح الساعة، وهو وعد ما كان ممكناً المجاهرة به قبل اليوم، بسبب الحاجة إلى كسب السيطرة على دول المحيط وأغلبية الدول الاسلامية التي لم تكن قبلاً مستعدّة للتفريط بالأماكن الفلسطينية المقدسة.
اللعبة عبر عقدين من الزمن… العقد الأخير من القرن الماضي، والعقد الأول من القرن الواحد والعشرين، ليست سعودية، هي مخطط متكامل موضوع بإشراف المحفل الأعظم، ويقوم على خدمته وتطبيقه كبار القادة والسياسيين في الغرب، ويتمّ توزيع الأدوار على الدول والجماعات تبعاً لموقعها وتأثيرها، وهكذا جاء تحديد الدور السعودي في المراحل المتأخرة من التنفيذ، سلبياً تجاه كلّ من يقاوم العدو، ومشككاً في جدوى المقاومة بعد طرحه لمشروع تسوية باسم الأمير وبعد ذلك الملك فهد، مع منح حق الرفض لقيادة الكيان الصهيوني ترويجاً للمشروع وترغيباً لمن يرفض… واستثمار الزمن، أيّ المماطلة في القبول ريثما يتغيّر الواقع الديمغرافي على الأرض الداخل الفلسطيني وفي المحيط السوري، وكان للسعودية دورها في دفع مصر لإقامة السلام مع العدو وباركته سراً، بينما مارست على الكيان الأردني نوعاً من الوصاية لتوقيع معاهدة وادي عربة، وشجّعت الدويلات المحيطة بها قطر والامارات والبحرين على إقامة روابط وعلائق من كل الأنواع مع الكيان الصهيوني ومن تحت الطاولة كبدايات لتنتقل بعدها إلى المجاهرة على أن تحتفظ المملكة بخطوتها متخلفة عن الجميع، هكذا حققت تعهد عبد العزيز لحكومة بريطانيا العظمى ومن بعد لوريثتها الولايات المتحدة.
عبر أكثر من قرن من الزمن والغرب يعبث بالمنطقة تمزيقاً ونهباً وسيطرة وإبدال أنظمة، والعرب يعترفون بما يحصل ويدركون واقعه دون محاولة استشراف لمستقبل وكأنّ ما يحصل هو القضاء والقدر ولا غرابة فهم قدريون بطبيعة الحال، يقولون إنّ الغرب يخطط لمائة عام على الأقلّ، وهم لا يخططون للغد القريب لأبعد من أنوفهم، بل يكتفون بردود الفعل الآنية القاصرة عن الوقوف بوجه انتهاك الحقوق أو دفع الظلامة اللاحقة ببعضهم في أنحاء كثيرة من هذا الجسد المترهّل، والقول بأنهم لا يعتبرون منطقة بلاد الشام عربية أو أنّ سكانها أغلبهم ليسوا عرباً يؤكده هذا الموقف الرافض لتلمّس الحقيقة والاعتراف بها، بل هم لا يرغبون أخذ العبرة مما جرى عبر مراحل متعدّدة من مفاوضات ووعود واتفاقيات يتقيّدون بها ويخرقها الآخر اتفاقيات الشريف حسين مع الغرب ، الآخر لا يحترم المواثيق بل يخضعها لمصالح متبدّلة بتبدّل الظروف وتطوّر المواقف على أرض الواقع، وما ينطبق على العرب في التعامل مع الغرب ينطبق على غيرهم مثل الأتراك والفرس وكلّ الشعوب المصنفة عالماً ثالثاً، وفي حين تعمل تلك الدول على تغيير واقع التعامل، وحدهم العرب لم يتعلّموا ولم يستفيدوا من التجارب ولم يرتفع صوتهم احتجاجاً على غدر لحق بهم عبر التاريخ.
الروس يقرّرون مناورات عسكرية مع العدو الصهيوني في بحرنا السوري دون مراعاة لمشاعر شعبنا ودون الأخذ بعين الاعتبار أنها مياهنا وأجواؤنا وترتفع أصوات الاحتجاج عبر صفحات التواصل لتبقى مكتومة وبعيدة عن وسائل الإعلام، ويخاطبهم البعض تعليقاً على هذا القرار… شكراً روسيا، وعلى نفس المسار يقرّر الإيرانيون إقامة مشاريع ومناطق حرة مع الأتراك بمليارات الدولارات رغم انتقاد الإيرانيين لسلوك الأتراك تجاه الدولة السورية ويتساءل البعض هل هذا مكافاة؟ ثم يقول: شكراً إيران! بينما يصمت ما بقي من الشعب السوري على أرضه معانياً الغلاء وفقدان المواد… صابراً محتملاً.. فيستحق أن نقول له: شكرا يا شعب.
لن يتغيّر الغرب… أبداً، ويبدو أنّ العرب لن يتعلّموا أيضاً!