عقيدة أوباما حول الإسلام الراديكالي
ترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق
كتب جيفري غولدبرغ في مجلة «آتلانتك» الأميركية: لا يُعاني الرئيس أوهاماً حول الأمراض العُضال التي يُعاني منها العالم الإسلامي.
هي ليست ممارسة جديدة لمنتقدي باراك أوباما وشكوكهم حول مدى جدّيته في محاربة الإسلام الإرهابيّ، لكنّ دونالد ترامب، المرشح الأقوى لرئاسة الجمهورية، يزرع الشكّ أينما حلّ ـ بأسلوب فريد في غرابته ـ في مصداقية أوباما والتزامه بهذا الصراع. وكان أوباما قد ادّعى منذ أيام قليلة أن «الأولوية تكمن في محاربة أعداء أميركا والشعب الأميركي بينما صرّح «مدسوسٌ» قبيل ساعات معدودة من ظهور أوباما أن هذا الأخير متعاطفٌ مع الجماعات الإرهابية المسمّاة تنظيم «داعش». فكيف يكون ذلك؟
تنبع تصريحات ترامب الأخيرة من اعتقاد عُصابيّ لمرشح حاقد: بالنسبة إلى «داعش»، يقول ترامب: «إما أن أوباما لا يفهم أو أنه يدرك الحقيقة أكثر من أيّ شخص آخر. فأوباما بالنسبة إلى ترامب، سيبقى إلى الأبد، ذلك الرئيس المنشوري ـ منطلقاً من منشوريا مكملاً الطريق نحو كينيا، محدثاً التفافة نحو الرقة في طريقه.
ومن الواضح أن انتقاد ترامب لأوباما في تعامله مع الإرهاب يحمل في طيّاته تحليلاً غير جادّ، يقع ضمن إطار تحليلاته اللاهستيرية التي يتعمّد القيام بها، وليس فقط تلك الانتقادات التي ترتبط بوصف أوباما للإسلام على أنه «راديكالي». أطلق اليمين بحقه انتقادات لاذعة لقراره سحب القوات الأميركية من العراق قبل الأوان، وعدم القيام بما يلزم لمنع سورية من أن تصبح ملاذاً آمناً لإرهابيي «داعش». إن تردّد أوباما في إشراك الولايات المتحدة في الحرب السورية، سمح للجهاديين بملء الفراغ الناجم عن غياب القوة العظمى الوحيدة في العالم. تتجه بعض انتقادات اليمين الأخرى إلى أن أوباما يتعثّر عند مواجهته بالواقع البشع لحقيقة الضعف الإسلامي وتطرّفه فالصواب السياسي، وفقاً لوجهة النظر هذه، تجعل من الرئيس مجرّد متفرّج. أما الانتقادات التي وُجّهت إلى أوباما ـ من الناحية الأخرى ـ فتؤكد قتله ناساً كثيرين، لا سيما من خلال هجمات الطائرات من دون طيار، والتي مُنيت بالخيبة من قبل سلفه الجمهوري. إن الإفراط في عمليات التسلّح في ما يُسمى بالحرب على الإرهاب، غنيٌّ عن القول، إنها تفاقم المشكلة التي سبق أن رَوّج لها دعاة الخوف من «كارهي الإسلام».
وعلى مدى محادثات عدّة مع أوباما حول الشرق الأوسط، الإرهاب، الإسلام، ودور الدين في إثارة النعرات الطائفية، تمكنّا من تطوير فهم جزئيّ على الأقلّ للتفكير في هذه الموضوعات. ويكفي أن نقول أننا لا نجد في التفسيرات الخطابية والبلاغية لأيّ من اليمين أو اليسار، حيال سياسات أوباما توجهات مرَضيّة محدّدة أو شاملة.
ومن وجهة نظرنا، فإن أوباما لا يعير أيّ اهتمام لانتقادات اليمين المتطرّف ـ الذي يُعاني أوهاماً مرَضية حيال العالم الإسلامي الأوسع. واذا ما ارتبط أيّ شيء في شأن تشاؤمه في ما يتعلق بالمسائل المتعلقة بتنظيم «داعش»، وعجز «الأمة الإسلامية» عن احتواء أو حتى تحييد العناصر المتطرّفين من وسطها، فإن هذا يُعدّ كافياً لشلّ قدرته على التفكير. وصل أوباما إلى نتيجة مفادها وهذا ما ذكرته في قصة الغلاف الأخير من عدد الـ Atlantic بعنوان «عقيدة أوباما» من أن مشاكل الإسلام الأساسية عميقة جداً، ومقاوِمةٌ جداً للتدخل الأميركي، لتبرير تنفيذ هذا النوع من السياسات التي يرى منتقدوه ـ بمن فيهم منتقدو سياساته الخارجية ـ من أنها تتطلّب الكثير من التفكير.
يرى أوباما المشكلة على أنها تترك تأثيراً واسعاً على العالم الإسلامي خرج عن قدرة الإدارة الأميركية السيطرة عليها.
في فترةٍ مبكرة من ولايته الأولى، اعتقد أوباما بسذاجةٍ تامة في اعتقادي ، أنه بإمكانه إحداث تغييرات جذرية. فألقى خطاباً في مصر أرسى فيه أسس علاقات جديدة مع المسلمين، وكان جلّ ما عناه آنذاك، حسبما صرّح لي به في ما بعد، أنه بصدد تحدّي المسلمين لإيقاف الأعذار التي يخلقون من خلالها مشكلاتهم بأنفسهم. وفي معرض التأكيد على ما جاء في خطابه السابق في القاهرة، قال: هذه كانت حجتي، فلْنتوقف جميعاً عن التظاهر بأن «إسرائيل» هي سبب المشاكل في الشرق الأوسط. علينا العمل على المساعدة في تحقيق قيام الدولة واستعادة الكرامة لدى الشعب الفلسطيني، غير أنني كنتُ آمل أن خطابي قد يساهم في إشعال فتيل الحوار والمحادثات، ويخلق متسعاً لدى المسلمين لمعالجة مشكلات الحكم، وحقيقة أن بعض التيارات الإسلامية باتت عاجزة عن السير في أنظمة الحكم العقائدية خاصتها نحو الحداثة.
جاء خطاب القاهرة عام 2009. وفي حدود العام 2012 ـ وبينما كان لهيب «الربيع العربي» يستعر، وفي الوقت الذي بدأت فيه ليبيا تجنح ناحية الفوضى، على رغم التدخل الأميركي الجزئي ـ طوّر أوباما بعض الأجسام المضادّة الحيوية لما أطلقتُ عليه اسم «متلازمة كارلي سايمون»، وهي عبارة عن فتنة تؤثر على صنّاع السياسة الأميركية إلى حدّ يعتقدون فيه أن كلّ ما تقوم به الجماعات المتطرّفة في جميع أنحاء العالم إنما هو موجّه ضدّهم تحديداً. أما أوباما، وبخلاف المحلّلين الأميركيين، لا يُعاني مثل هذه الأوهام. فهو يرى أن هذه المشاكل تؤثر إلى حدّ بعيد على العالم الإسلامي الذي خرج عن حدود السيطرة الأميركية. ومثل هذا الاعتقاد ـ في أفضل حالاته ـ سيجعله مندفعاً نحو كوارث ليست من صنع الأميركيين أما في أسوأ احتمالاته، قإنه سيبقيه بعيداً من احتمال وضع الأمور في مسارٍ أفضل.
ومرّة بعد أخرى، وخلال حواراتنا، تحدّث أوباما عن العالمين العربي والإسلامي، بطريقة توضح بما لا مجال للشكّ فيه، مدى عقم الصورة الكاريكاتيرية التي حاول نقاده وضعه في إطارها. وفي مكان ما، فاجأني بالاقتراح، بأن عدداً كبيراً من المسلمين وضعوا أنفسهم في أتون هذه المفاهيم والممارسات الكريهة والعنيفة بما لا يقبل الشك. كما أقام مقارنة بين شباب الشرق الأوسط وأولئك في جنوب وشرق آسيا وفي أفريقيا وأميركا اللاتينية أيضاً، قائلاً: هؤلاء لا يفكرون في كيفية قتل الأميركيين. بل يفكرون بكيفية حصولهم على مستوى تعليمي أفضل؟ كيف يقومون بأمور ذات قيمة؟ وذهب أوباما إلى أبعد من ذلك ليضيف أنه لو أرادت أميركا عدم إشراك الشباب الآسيويين لأن ما نقوم به هو فقط التطلّع إلى تدمير أو تطويق أو السيطرة الخبيثة، العدمية، والعنف ضدّ الإنسانية، إذاً، لكنّا في عداد المفقودين.
لا أحاول أبداً إقناع المسلمين، أو أن أبدو متسامحاً حيال هواجسهم الموسومة بخطوط عريضة. إنها ليست فقط مسألة حرب أوباما ضدّ المنظمات الجهادية على مدى سبع سنوات، والتي تدعو إلى سؤال ترامب عن جدّية اتهامه لأوباما أنه يخدم مصالح «داعش»، أو لنضعها في إطار آخر، لو أن أوباما أراد أن يكون عميلاً لداعش، فهو يقوم بعمل وسخ جداً . إنه أيضاً مطلبٌ تفصيليّ علنيّ ومتكرّر، قام به جميع المسلمين، للقتال بشكل أعنف ضدّ أولئك الذين يتزعزع إيمانهم بسبب نظرتهم القاحلة المتشبثة بحرفية النصّ. وأضاف: هناك فعلاً … الحاجة إلى الإسلام ككلّ للطعن في تفسير الإسلام، لعزله، وللدخول في متاهات جداليّة عقيمة مع مجتمعاتهم حول كيفية قيام الإسلام كجزء من المجتمع السلميّ الحديث والمعاصر.
وسرعان ما عاد وتحوّل عن هذه النقطة، متوجّهاً نحو ترامب بشكل واضح، لكن من دون أن يذكره بالإسم: لن أعمل على إقناع المسلمين المسالمين والمتسامحين بالدخول في معمعة هذه السجالات، اذا لم أتمكن من إشعارهم بقلقي وحساسيتي حيال هواجسهم، الموسومة بالخطوط العريضة.
وهذا ما يمثل جوهر حجة أوباما لمكافحة ترامب. وكان جون برينان، مدير وكالة الاستخبارات المركزية قد وصف لي الحبل الإسلامي المتطرّف المشدود على عنق أوباما بالقول: ليس الهدف من ذلك، عدم فرض قولبة هنتنغتون على الصراع. وكان برينان يدلّل ناحية العالم السياسي صامويل هنتنغتون، الذي طرح في كتابه الشهير «صدام الحضارات» وجود الصراع العميق بين الإسلام والغرب.
إن الفرق الرئيس بين أوباما وترامب يرتبط عضوياً بالإسلام المتطرّف فعلى عكس ترامب، فإن أوباما قتل الإسلاميين المتطرّفين درس المشكلة بانتظام وسمح لنفسه بإطلاع للرأي العام على حيثيات المشكلة ليس عنصرياً أو غير مناسب مزاجياً للقيادة الوطنية فترامب يرى أن حضاراتين تخضعان لصراع مميت. بينما يؤمن أوباما أن الصراع يحدث داخل الحضارة الواحدة، وأن الأميركيين يتعرضون أحياناً لأضرارٍ جانبية خلال تواجدهم في قلب هذا الصراع بين الإسلام المحدّث والآخر الأصوليّ.
وفي محادثةٍ واحدة، وخلال أجزاء من الحوارات المنشورة سابقاً، استفاض أوباما في الحديث عن المواجهة طويلة الأمد بين الولايات والمتحدة الأميركية والشيوعية، وقارنها بالأزمة الحالية. يصرّ بعض من هم إلى جانب الجمهوريين أننا بحاجة إلى الوضوح الأخلاقيّ نفسه المرتبط بالإسلام الراديكالي كمثل ذلك الذي واجهه رونالد ريغان مع الشيوعية. في ما عدا ـ بالطبع ـ أن الشيوعية لم تكن في مجملها مجموعة من الثقافات، كما لم تكن دين الألفية القديمة وتبنّي مجموعة كاملة جيدة من حلفائنا. بل كانت الشيوعية الجزء الأكبر من إيديولوجية أجنبية، مجرّدة، تولّتها بعض الشخصيات الوطنية، أو أولئك الذين ارتبطت أسماؤهم بالفقر وعدم المساواة في بلادهم… كانت الشيوعية تجسّد مسائل عضوية بالنسبة إلى تلك الثقافات.
وتابع يقول: إن إقامة بعض الوضوح الأخلاقي حول ماهية الشيوعية، يمكّننا من أن نقول للناس أن أميركا اللاتينية وبعض شعوب شرق أوروبا أن هناك طرقاً أفضل لتحقيق الأهداف، وأن هذا كان شيئاً مفيداً يمكن استخدامه. لكنه عاد وقال: وبإسقاط ذلك على واحدة من أهم ديانات هذا العالم، يُحتمل أن نمسك بفرشاة واسعة بهدف توفير الوضوح الأخلاقي. وما نقوم به نحن هو إقصاء وتنفير مجموعة كاملة من الأشخاص الذين يريدون العمل معنا من أجل تحقيق النجاح.
ما من ضرورة لمحاولة إقناع الأميركيين أن ما يحدث ليس يحدث. لكن أيضاً، ما من داعٍ لتشجيع حالات الهستيريا والانقسام.
هل يذهب أوباما بعيداً في تجنّب مصطلح «الإسلام الراديكالي» أو «عنف الإسلام»؟ يوضح هذا السؤال مدى عدم عقلانية هذا الأساس للدخول في نقاشٍ مثير. ومع ذلك، وبالاستناد إلى الوقائع المتاحة ـ من أن معظم القتال مع «داعش» تنفّذه الدول ذات غالبية مسلمة، ومنظمات إسلامية، وأن قادة هذه الكيانات لا ترغب في رؤية الولايات المتحدة الأميركية تبسط سيادتها على القتال ـ فإن هذا يبدو لي، على الأقل، مبرّراً ودليلاً على عمق حكمة أوباما.
أنا أؤمن أن دونالد ترامب، غير قادرٍ على إقامة أو ربط الأحداث التي تجري بالطريقة عينها التي قام بها أوباما، في ما يتعلّق بالانقسامات داخل الإسلام. كما أنه ليس قادراً على التفنيد والتحليل بطريقة أوباما المقنعة نفسها. لكن ليست هذه خطيئة ترامب الوحيدة إذ إنّ خطيئته الأساسية تكمن في رفضه الاستماع إلى الخبراء حول الإرهاب، بمن فيهم الخبراء العسكريين والمجتمع الاستخباري، الذي يصرّ على أنه يقوم بمساعدة «داعش» حين يستمرّ في مهاجمة المسلمين. أما «الخليفة» المزعوم لما يُسمى بتنظيم «داعش»، أبو بكر البغدادي، فهو يؤكد أنه ما من مكان في الغرب للمسلم المتديّن. ويعطي ترامب دوماً انطباعاً بأنه يتشارك مع البغدادي وجهة النظر هذه، وهو بذلك يدفع بـ«داعش» إلى تأكيد فرضيته والتجوال بقضيته ونضاله تجاهها مع ما يتناسب و… الحضارة.
المقصود، أنه ما من شيء يمكن أن يشكل حجةً كافية لأوباما كي يكون في موقعه الصحي في نضاله ضدّ «داعش». سوف أعمد إلى كتابة رسالة تتضمن مقاربةً نقدية منهجية تُرفع إلى الإدارة، وترتبط مباشرةً بسورية. ويمكن لأوباما أن يتمتع بالمزيد من الذكاء الانفعالي لتحمّل هذه المسؤولية: فهو بليغٌ للغاية في إدانة دعاة الخوف، غير أنه يفشل أحياناً في الاعتراف بالخوف المشروع من العنصريين الأميركيين الذين يرفضون فكرة إمكانية قتلهم على أيدي إرهابيين إسلاميين. حال الولايات المتحدة الأميركية هو حال بلاد آيلة للاشتعال بسبب إمكانية حدوث هجمات ما يُطلق عليه تنظيم «داعش»، الذي ووفقاً لغريم وود، يشكل فرعاً رئيساً من الإسلام المتطرّف. فما من فائدة في محاولة إقناع الأميركيين أن ما يحدث لا يحدث، أو من تشجيعهم على الاستمرار في حالات الهذيان والهستيريا والانقسامات؟
أما في المجالس الخاصة، فإن أوباما يعرب عن أعمق بغضه وكراهيته لـ«داعش» وغيره من الجماعات المتطرّفة. فـ«داعش» يتعارض كلّياً مع كلّ ما تقدّم. ومع ذلك، فإن مقاربته للتحدّي المتمثل في الإرهاب الإسلامي غير كافٍ معنوياً إنه غير كافٍ أحياناً قياساً على حجم التحدّيات المطروحة وهو نفسه، يُظهر في كثير من الأحيان بعض «القدَريّة» حول احتمال حدوث تغييرات في الشرق الأوسط.
بينما تبدو مقاربة دونالد ترامب ـ على الجانب الآخر ـ كارثية بكلّ بساطة.