بابل.. الاسم الهوية
نظام مارديني
لا تزال ترددات الحملة التي كانت قائمة لتغيير اسم مدينة بابل باب – ايل ، إلى «مدينة الإمام الحسن»، تثير ردوداً، مستنكرة الغيوم السوداء التي فاحت منها رائحة تاريخية صدئة ومتاجرة رخيصة باسم رمز ديني في هذه المرحلة، حيث دعت هذه الردود جميعها إلى التمسك بالاسم التاريخي للمدينة، الذي يرمز إلى إحدى أبرز الحضارات التي شهدها الهلال السوري الخصيب.
وتذكر هذه الدعوة بتلك التي أطلقت عشية الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003 لتغيير النشيد الوطني إلى «يحسين بضمايرنا»، لذلك لن يبقىَ النقاش حول اسم بابل في دائرة ضيقة، وها هو ينتقل إلى وسائل التواصل الاجتماعي ليثير جدلاً كبيراً حوله، وهي المدينة التي يقف لها العالم احتراماً. ولكن لماذا يُراد لتاريخنا أن يبقى سجين الرؤى التوراتية، وهذه المرة باسم الإسلام المحمدي؟ وإذا كانت العتبتان، الحسينية والعباسية، بريئتين من «التآمر» على اسم بابل لأي سبب كان، فمن الذي أطلق ذلك البالون من داخلهما؟ ومن أراد وضع أقدامنا في ساحة المعركة الخطأ؟
إن إلغاء اسم بابل والحرب على تراثها لهو هم يهودي مستمر منذ السبي، ويضمر في طياته أحقاداً وضغائن كبيرة تثير ذكريات إعادة محاولات اسقاط حضارة الهلال السوري الخصيب تشفياً، اسقاط أور وبابل وآشور وآرام وكنعان وفينيقيا، كما وبغداد ودمشق وبيروت وعمان وفلسطين، لإلغاء هذا التراث وإخراجه من سجل التاريخ.
إن انتقام اليهود من بابل يذكرهم بتاريخ تدوين كتاب التوراة بعد السبي، حيث استمد محرِّفاً الكثير من القوانين البابلية ودون الكثير من تاريخ بلاد ما بين النهرين، كما من الحضارة الكنعانية، بصورة عامة حيث كان يراد للتوراة أن يكون المصدر الوحيد لتاريخنا قبل حل لغز اللغة المسمارية في القرن التاسع عشر. ولطالما كانت نينوى وبابل مدينتي الشر الملعونتين في العقل اليهودي.
في ضوء هذا التوجه، لماذا يعمل شعبنا على تحطيم حضارته وتاريخه؟
أهي حرب يستكمل فيها، بالإضافة إلى قتل الجسد السوري، استهداف هويته، وهذا شيء لا يُعقل وغير مسموح به، لأنها كارثة بحق أقدم إرث في الكرة الأرضية؟
لن يقبل شعبنا في «سوراقيا» بتمرير لعبة تغيير الأسماء هذه، لأنها جريمة إبادة ثقافية… جريمة في حق التراث القومي والإنساني ورموزه وفي حق الأجيال الحاضرة والمستقبلية.
إن كلام الجهلة لن يحرّف بوصلة المؤسس نمرود والباني مردوخ والمشرع حمورابي.
فإذا كان السومريون هم الذين وضعوا بذرة الحضارة في سورية الشرقية، فإن البابليين هم الذين تعهّدوا هذه البذرة حتى نمت وترعرعت، فكانت حضارة بابل العظيمة.
دعونا، وعلى عكس ما أرادوا، دعونا نعرف بابل أكثر ونحبّ بابل أكثر…
فلا عظمة نرتقي إليها إلا من بوابات عظمة بابل.