موسكو ودمشق.. ثبات السياسة وتقدّم في الميدان
ناديا شحادة
مع التطورات الميدانية والانتصارات التي يحققها الجيش السوري وحلفاؤه في أغلب المناطق السورية وخصوصا في الشمال السوري، وبالذات بعد المعطيات الميدانية التي تشير إلى أنّ الجيش السوري بات على بعد نحو 20 كيلومتراً من مطار الطبقة العسكري، الذي يعتبر أهم نقطة استراتيجية تشكل منطلقاً لتحرير الرقة التي تعتبر معقلاً لتنظيم «داعش» الإرهابي، وتزامنت هذه التطورات مع تكثيف الغارات الجوية الروسية على عمق محافظة إدلب مقر جبهة النصرة الأساسي، بما في ذلك القصف الكثيف لتجمعات الإرهابيين في أغلبية المدن السورية.
جاءت زيارة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو في 18 حزيران للقاء الرئيس بشار الأسد، ولقاء ضباط سوريين رفيعي المستوى في قاعدة حميميم باللاذقية، واستمع لتقرير العقيد الكسندر دفورينكو قائد القوات الروسية في سورية سلّط فيه الضوء على الوضع الميداني والبنى التحتية، ووقف على أداء مركز التنسيق الروسي للمصالحة بين أطراف النزاع في سورية، حسب ما أشار المتحدث الرسمي باسم الجيش الروسي.
هذه الزيارة المفاجئة التي جاءت في نهاية الساعات الثماني والأربعين من مهلة الهدنة، التي أعطتها موسكو للجماعات المسلحة للانفصال عن تنظيم القاعدة في بلاد الشام – جبهة النصرة وحليفاتها في حلب، وفي ظل تطورات ميدانية لصالح الجيش السوري وحلفائه تحمل رسائل عدة أهمها، تأكيد العلاقة الإستراتيجية التي جمعت بين البلدين تاريخياً وتعززت أواصرها اليوم في ظل تحالف وثيق بدأ على الأرض في 30 أيلول 2015 مع بدء العملية الروسية الجوية في سورية، حيثُ قدمت موسكو دعماً منقطع النظير للجيش السوري في معاركه ضد التنظيمات الإرهابية، وأثمرت على تحرير العديد من المناطق والمدن والبلدات السورية ..
يؤكد الخبراء الاستراتيجيون على أنّ هذه الزيارة جاءت لتقول إنّ العلاقة التي يثار حولها الكثير من اللغط في وسائل الإعلام العربية والغربية تبدو اليوم في أحسن حالتها، والتنسيق مستمر بين الدولتين والجيشين وعلى أكثر من مستوى، خاصة أنّ الزيارة تأتي في أعقاب اجتماع بالغ الأهمية شهدته طهران بين وزراء دفاع البلدان الثلاثة روسيا وسورية وإيران، لتكون هذه الزيارة ما هي إلا استكمالاً لما تمّ مناقشته في طهران لجهة الخوض في التفاصيل النهائية، لم يتم وضعه والاتفاق عليه بين وزراء الدول الثلاث ولتعزيز التنسيق الأمني و العسكري والسياسي..
هذه الخطوة الروسية التي جاءت بعد إعلان بوتين تأييده مقترحات أميركية، بإشراك أجزاء من المعارضة في الحكومة السورية، وقال بوتين خلال منتدى سانت بطرسبورج للاقتصادي الدولي إنّ الأسد وافق على الحاجة لوجود عملية سياسية في سورية، تترافق مع سعي أميركي واضح لسحب ملف «داعش» من العراق وسورية.
فبعد أن رفعت واشنطن مرغمة الفيتو المتعلق بعرقلة تحرير الفلوجة والاحتجاج بذرائع عدة، نجد اليوم أنّ المنبع الأساسي لعصابات «داعش» الإرهابية في العراق أصبح خالياً منها، بالإضافة إلى أنّ عمليات تحرير الموصل تجري بوتيرة أسرع مما كان عليها، وصولاً إلى تحرير الرقة التي أصبحت تحت كماشتين الأولى من حلفاء واشنطن والأخرى من الجيش العربي السوري وحلفائه، الذين حققوا نتائج باهرة في وقت قياسي لجهة تحرير مناطق استراتيجية في عاصمة «داعش» الافتراضية.
كل ذلك يؤكد أنّ حلف أعداء سورية بدأ يتجه نحو الرضوخ لوجهة نظر حلفاء سورية ـ وذلك يوصلنا إلى نتيجة مفادها بأنّ مسار التسويات انطلق وأنّ حلف موسكو دمشق طهران انتصر ميدانياً وسياسياً وبات الآن امتن من أيّ وقت مضى.