الحوار في إجازة: مؤشر خير أم بداية احتضار؟
علي بدر الدين
أسدل السياسيون اللبنانيون الستار على الموسم السياسي الشتوي وأخذوا لأنفسهم إجازة الصيف، بعد أن توافقوا ضمناً وعلناً على إقفال العديد من الملفات الخلافية الساخنة، أو التي ما تزال مدار نقاش وسجال لتأمين عدالة توزيع الحصص حتى لا يظلم أيّ فريق، لأنّ الظلم حرام «ومن شيم النفوس ألا تظلم»، ومن حقهم الخلود إلى الراحة والاستجمام في داخل لبنان أو خارجه بعد أن أتعبتهم الانتخابات البلدية والاختيارية. وزحمة الاجتماعات وتعدّد المشاريع التي يمكن أن ينقذا البلد ويوفرا حياة كريمة للمواطنين لأنّ هاجسهم الدائم خدمة الناس غير أنهم التزموا بمقولة «إنّ لبدنك حقاً عليك».
وكان التعويل قائماً على اجتماع هيئة الحوار برئاسة الرئيس نبيه بري، والذي سبقته إشارات تفاؤلية وإيجابية، وأنه سيشكل محطة مفصلية استثنائية على الأقلّ تترجَم في اتفاق المتحاورين على عناوين عديدة، منها بالتحديد قانون الانتخاب المختلط كبديل عن قانون الستين، وهذا ما لم يحصل ومن تداعياته الإحباط النفسي الذي أصاب المنتظرين المتفائلين بالتغيير الشكلي والوهمي أو تبديل جلد القانون القديم بقانون جديد مجمّلاً قد يكون أسوأ، أو على شاكلة سلفه لجهة الحفاظ على الطبقة السياسية الحاكمة التي أتاحت لنفسها التمديد للنواب، ولقانون الستين الذي لا بديل عنه ولا خيار غيره ولا أحد يتجرأ على المسّ به، لأنه قانون مقدّس وفضله كبير على الطوائف والمذاهب والزعماء والقيادات والطبقات السياسية المتعاقبة، ومن الوفاء أن يظلّ هؤلاء أوفياء له حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
وقد فعل الرئيس بري، بصفته راعياً للحوار، ما يمكن فعله لإنجاحه وإحداث صدمة إيجابية تبشر اللبنانيين بأنّ الآتي من الأيام ربما سيكون أفضل على مستوى اتضاح الحلول وتثمر الحوارات غير أنّ صدمة ترحيل الحوار إلى ما بعد انتهاء إجازة الصيف حمل أكثر من تفسير، وأكد الثابتة المعروفة في أداء السياسيين «مكانك راوح» وفاقد الشيء لا يعطيه، وأن لا شيء جديد بما يخصّ قانون الانتخاب أو غيره من الموضوعات المطروحة للنقاش والخلاف والرفض والقبول، والكلّ يغنّي على مصالحه وحقوقه الضائعة حتى يصحّ القول: «السياسيون في وادٍ ولبنان واللبنانيون في وادٍ آخر»…
وقد أقفل الموسم السياسي على قرار اتخذه حزب الكتائب بفصل عضو مكتبه السياسي وممثله في الحكومة سجعان قزي على خلفية قرار انسحاب الكتائب من حكومة المصلحة الوطنية وردّ فعل قزي على هذا القرار الذي وفق رأيه لا يقدّم ولا يؤخّر، ولن يحدث صدمة أو يغيّر في مسار الواقع السياسي الطاغي لاعتبارات على علاقة بالأوضاع الداخلية المأزومة والملتهبة جداً على مستوى المنطقة، والتي تنذر بانفجار عسكري واسع، قد يقلب الموازين ويغيّر بالتحالفات والاستراتيجيات من دون إخفاء العلاقات المتراكمة والمتوترة بين فتى الكتائب الأغرّ سامي الجميّل الذي يرأس الحزب وبين سجعان قزي السياسي والإعلامي المخضرم، والذي له صولات وجولات سياسية وحزبية فرضته شريكاً في اتخاذ القرارات المصيرية للحزب، وفق ما ذكره وقطف ثمرة نضاله الحزبي وتدرّجه في مواقع تنظيمية بأن اختاره حزبه وزيراً في الحكومة الحالية، ولن يقبل بأيّ قرار قد ينزع عنه لقب الوزير، لا سيما أنّ الحكومة باقية حتى إشعار آخر رغم عجزها وفشلها، وفق ما قال رئيسها تمام سلام، وأنّ بقاءها مرهون بوقف جرعات الإنعاش الداخلية والخارجية ولضرورة الحاجة إلى وجود حكومة، والتي تحوّلت فشة خلق وجلد يومي حتى من القوى السياسية المشاركة فيها، وينطبق على الوضع الحكومي القول «لم يبق في الميدان إلا حديدان»، بعد أن طال الفراغ في سدة رئاسة الجمهورية ولم يحن بعد القرار الدولي والإقليمي الذي يفتح المجال لانتخاب الرئيس العتيد وكفّ أيادي الأفرقاء السياسيين المحليين عن هذا الاستحقاق، إضافة إلى مقاطعة العديد من الكتل النيابية للمجلس النيابي المشكوك في صحة تمثيل النواب بفعل التمديد لهم بمعزل عن خيارات الللبنانيين والذي أسّس لاعتماد تمديدات طاولت مواقع سياسية وأمنية وإدارية.
الحدث الأهمّ الذي شهده الموسم السياسي هو إنجاز انتخابات المجالس البلدية والاختيارية التي أسقطت الذرائع الأمنية التي سوّقتها قوى سياسية وأنتجت تمديداً للمجلس النيابي، ولكن عقدة الانتخابات النيابية المقرّرة العام المقبل ما تزال قائمة وقد تحول دون إجرائها حتى لو حصلت ستكون على أساس قانون الستين الذي هو بمثابة التمديد لمعظم النواب الحاليين وإنْ تغيّرت بعض الأسماء والوجوه لاعتبارات سياسية أو حزبية أو عائلية ضيقة.
على اللبنانيين ألا يفقدوا الأمل بالحوار وإنْ تأجلت اجتماعاته إلى 2 و 3 و 4 آب المقبل تزامناً مع نضوج ثمار التين والعنب والصبار علّه فأل خير، أو كما يُقال: كلّ «تأخير فيه خير»، غير أنّ ما يطفو على السطح السياسي لا يبشر ولا يمكن البناء عليه لتحقيق الطموحات والأمنيات.