صباحات

يكون الحرّ والصيام بقساوتهما عامل تأفّف وشكوى حتى من الصباح. لكن وقعهما يهون عندما نتذكّر الجنود والمقاومين الذين يحملون على الأكتاف والظهور أعباء الأوطان وأثقال العتاد. وفي حرّ الصحراء وتحت نار الشمس الساطعة يكابدون المشقّة وتذبل أبدانهم كسراب، وتجفّ أمعاؤهم وشرايينهم ويصيب العطش بهم ما لا يعرفه كلّ صائم للحق وللحقيقة سواهم. فنبتسم لهم كنجوم في السماء ونقول هم بحق حماة الديار أنتم. ونعلم أنّ لهم خُلق الصباح فهم نجمته التي تصنع لصبحنا طعماً. حماة الديار أحلى صباح.

تكليف وزير الكهرباء في سورية المهندس عماد خميس تشكيل الحكومة الجديدة محور تعليقات كثيرة ينطلق أغلبها من تحميله أعباء تقنين الكهرباء، وما يثيره من سخط عند الناس. وفي كلّ بلد اعتادت الطُرفة الشعبية أن تسمّي وزارة الخدمات بِاسم الوزير، وتنسب إليه كلّ الثغرات، وتصيبه بسببها اللعنات حتى لو كانت بنتيجة كوارث طبيعية أو حالة حرب كسورية. لكن يبدو أن سيرته الكهربائية التي صنعت معجزة بقاء الكهرباء في سورية التي أذهلت العالم على رغم ذوبان سعر الليرة، وجفّفت مصادر استيراد المحروقات وفوقها الإصابات البالغة التي تلقّاها الاقتصاد. وعلى رغم الحرب التي تستهدف فيها المعامل والمنشآت وخطوط نقل الغاز وإيصال الطاقة، تبدو بمنطق تسيير أمور الدولة هذه السيرة هي التي جعلت منه الوزير الحديديّ والمرشّح الأبرز لتشكيل الحكومة الجديدة الذي اعتُمِد. كلّ محبّ لسورية يتمنّى أن يكون خميس الكهرباء، خميس الصعود لسورية، وأن يكون اعتماد عماد عمادة سورية، وطريقاً لقُرب خلاصها. فحقّ للسوريين المعذّبين بنار الحرب والصامدين رغم أنف العالم كلّه، أن تكون حكومتهم بهمّة واهتمام يليقان بصمودهم.

مثلما تلاقت «إسرائيل» و«النصرة» عند حدود الجولان، وانكشف مستور العلاقة المزمنة بينهما، يلتقي أردوغان ونتنياهو على بحر غزّة في لعبة الميناء ومولّد الكهرباء ونفط القطاع وغازه، وعنوان فكّ الحصار عن غزّة لتضييق الحصار على المقاومة. يلتقيان على سيرة نجليهما اللذين تشاركا بيع نفط شرق سورية المنهوب من قبل «داعش» مروراً بتركيا إلى ميناء حيفا. لكلّهم بلا استثناء لعنة الصباح.

ـ الوردة التي شربت ماء الصباح لا تفطر لأنها لا تكذب، ولم تقل لأحد دعوني في حالي فأنا صائمة. بل وزّعت عطرها بكلّ كرم ولم تتهرّب من ضمّة عناق أو التفاتة مشتاق. صيامها محسوب خيراً من صائمين كثيرين يبدأون الصباح تأفّفاً وتبرّماً وتذكيراً للغير بأنهم صيام، ويتهربّون من كلّ خير لأنهم صائمون، ويتكاسلون لأنهم صائمون، ويصيبون بشظايا كلماتهم كلّ من حولهم بِاسم صيامهم. يقول الصباح تحيا الوردة، يحسب لها صيامهم وحُسب عليهم ما شربت من ماء وحُسب عطرها لكلّ المعذبين والعشاق والفقراء.

للأحبة الأكراد دعوة إلى التمهّل كي لا يكونوا فَرق العُملة في سوق الصرف الدولية في حرب سورية، ولا يصيروا كبش فداء التسويات. يبقى الحضن السوري الأشدّ حناناً ودفئاً. فقولوا لقادتكم أن يتمهّلوا في إطلاق المواقف عن فدرالية ودولة لن تبصرا نوراً، وليستا إلا سراباً لجعلكم تركضون وسط الصحراء. الواحة السورية في صحراء المنطقة تفتح قلبها لكم فلا تتردّدوا.

عندما تدنو ساعة الحقيقة، ثمّة من يبتسم ومن يرتجف. ففي كل امتحان لحقيقة واثقون من صدق ما زرعوا ومراهنون على الزمن لما يخفي حقيقة يخشونها. تأخر زمن الحقائق لا يعني انتصار الشرّ أو الباطل، بل أن العقاب سيكون قاسياً. لذلك تصير الابتسامة عرساً والقلق موسم حداد. هذا ما يدركه المتورّطون بمال النفط والمرتشون والخونة لأوطانهم، بمثل ما يدركه المقاومون والصادقون في التزامهم. فقيل فيهم: قابضون على الجمر، وقيل في سواهم: قابضون فقط.

يتفوّق التين والزيتون والرمّان والعنب على سائر الفاكهة في الطبّ والغذاء والجمال والبهاء. لذلك كانت بلادنا الأجمل ولذلك تفوّق الريف على المدينة بعظيم الخير والعطاء. لكنّ الياسمين يبقى زهر المواسم كلّها وعطرها، ودمشق تبقى عاصمة العواصم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى