كسب: تحطّم آخر الأحلام التركية
وليد زيتوني
تبدّد الحلم التركي في الوصول بالسياسة الخارجية إلى المعادلة الشهيرة، «صفر مشاكل». فمنذ انخراط تركيا في التحضير لدور مرسوم أميركياً لاستقطاب الحالة الشعبية في العالم العربي على قاعدة التمييز بين الإسلام المتطرف والإسلام المعتدل، قياساً على الحالة الإسلامية التركية الآتية من مناخ علماني، فقد الحلم التركي مشروعيته انطلاقاً من تبنّيه للفكر الوهابي القادم من الجزيرة الجافة حضارياً وعلمياً، والمشبعة بأفكار تلمودية تقوم على تكفير الآخر، والفصل بين الجماعة الملتزمة قواعدها باعتبارها الملّة الناجية والملل والنحل والطوائف الأخرى، مهما كانت متقاربة أو متباعدة في العقيدة. على أساس أنّ الوهابية هي «الملة المختارة»، بالتالي على الملل الأخرى أن تخضع طوعاً أو بالسيف.
لم تستطع تركيا التحكّم بمسار الأمور منذ بداياتها لسببين رئيسيين: هما المال المشروط بتسويق الفكر الوهابي، والبيئة الاجتماعية المتنوّرة، الرافضة هيمنةً تركيةً خبرتْها قروناً عدة، مع تمايز واضح داخل هذه البيئة نسبة لدرجة فهمها للتاريخ ومستوى وعيها للمشاريع الوافدة من الاستدمار «الاستعمار» المتجدّد.
على رغم الطمأنة التي أعطتها للدول الإقليمية والدولية، بعدم التدخل مباشرة في الحرب السورية، إلا أنها وكعادتها، نكثت تركيا بوعودها في محاولة للاستفادة من الوضع السوري والظروف الدولية، لتحقيق حلم مرضي قديم يعاودها في استكمال ضمّ الجزء الشمالي من سورية كما فعلت بالاتفاق مع فرنسا في ما يخصّ لواء الاسكندرون وكيليكيا وصولاً إلى ماردين.
في الواقع كانت هنالك عوامل متزامنة عدة، ساعدت أردوغان في اتخاذ قراره في الهجوم على كسب.
أولاً: حاجة أردوغان إلى شدّ العصب التركي قبيل الانتخابات البلدية، بعدما شارفت شعبيته على الوصول إلى مستويات دنيا، خصوصاً بعد الفضائح المالية التي طاولته.
ثانياً: استثمار الرغبة القطرية بالعودة إلى الملف السوري، بالتالي تلقّي المال اللازم لمعاركه الانتخابية اللاحقة.
ثالثاً: الرغبة السعودية بالانتقام بعد الانكسارات المتتالية لجماعاتها في القلمون وريف دمشق وجزئياً في حلب.
رابعاً: الاستفادة من التوجه الأميركي للردّ على النقلة الاستراتيجية الروسية في القرم تحديداً وأوكرانيا بشكل عام.
خامساً: إبعاد من تبقّى من الأرمن عن الحدود التركية، لقطع الصلة بالجذور السابقة لهم، بالتالي إنهاء حلم عودتهم بعد التراخي الأوروبي والأميركي في ملف المجازر التركية بحقهم سابقاً.
سادساً: نقل الحرب السورية إلى المناطق الآمنة داخلياً.
سابعاً: الالتفاف على «الأتراك الانفصاليين» بتقديم التنازلات الأكثر سخاء عند المايسترو الأميركي، ليتسنّى له ضربهم في ما بعد.
ثامناً: قضم ما تيسّر من الأرض السورية، خصوصاً الشمالية الغنية بالغاز والبترول.
تاسعاً: الإجهاز على الشعور المتنامي بإمكان استعادة اللواء السليب.
أشّرت هذه الدوافع مجتمعة إلى اتخاذ القرار التركي، إذ اعتبر أنّ المرحلة مثالية لتحقيق هذه الأهداف بضربة واحدة تعيد تركيا إلى سابق مجدها. غير أنّ حساب الحقل لم يطابق حساب البيدر، لأنّ سورية التي يتصوّرها أردوغان وداوود أوغلو التتري في الليل غيرها على أرض الواقع. فالجيش السوري الملتحم بشعبه وناسه ومجتمعه وقيادته عصيّ على الأحلام التركية، وقويّ على الجيش التركي المحمّل بالانكسارات، المتقوقع خلف الحلف الأطلسي، القزم عسكرياً، اللاهث للالتحاق بالقارة الهرمة كما يقول عنها الأميركيون أنفسهم.
إن حسابات أردوغان خاسرة على رغم ربحه الهزيل في الانتخابات البلدية. إن عدم التزامه بالمواثيق والأعراف الدولية، والتزاماته تجاه الدول الإقليمية والدولية من أجل حفنة من الدولارات لن تعفيه من دفع الثمن غالياً.
في الخلاصة إن التركي الحالم بدور إقليمي وعالمي تلعب بقراراته دول صغيرة، إذ يصّح المثل «جَدي يلعب برأس تيس».
التيس التركي أصبح قريباً من المسلخ.
عميد ركن متقاعد