نصرالله: من حلب سنسقط عاصفة الشمال… فقدنا 26 وكبّدناهم 617… وباقون
كتب المحرر السياسي
العالم منشغل بما سيحمله الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي على طرفيه، الاتحاد وبريطانيا، فالاتحاد بلا بريطانيا ليس هو نفسه، لا بقوته السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية، وخصوصاً بجاذبيته للحفاظ على وحدته، وإقناع شعوب دوله الغنية بمبرر تحمل أعباء دوله الفقيرة، وماهية القيمة المضافة التي يؤديها الاتحاد في السياسة الدولية، بعد الفشل في حرب أوكرانيا، والمراوحة في حرب سورية، بحيث ينقسم الأوروبيون بين معسكرَيْن غاضبَيْن، واحد غاضب لأن الاتحاد ملتحق بأميركا لا يجرؤ على مساندة المعارضة عسكرياً ضد الدولة، وثانٍ غاضب لأن الاتحاد ملتحق بأميركا لا يجرؤ على مصالحة الدولة لقتال جدي فاعل ضد الإرهاب، بينما على الضفة البريطانية بدأ النقاش حول وحدة بريطانيا بمطالبات علنية في اسكتلندا للانفصال وما تؤشر له من بدايات تشبه ما ينادي به كثير من الأقاليم في الدول الأوروبية كحال كاتالونيا الأسبانية.
انشغال العالم ببريطانيا وأوروبا ومستقبل نظام عالمي بلا اتحاد أوروبي، والعودة لثنائية أميركية روسية، فشل الأوروبيون في تميّز يمنحهم مبرر الاستمرار كقطب ثالث، لم يمنع اللبنانيين وشعوب المنطقة ومتابعي الوضع فيها، من التوقف أمام ما حملتْهُ كلمة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في ذكرى أربعين يوماً على استشهاد القيادي في الحزب والمقاومة مصطفى بدر الدين، وقد خصص نصرالله أغلب كلمته لشرح معادلة القتال في حلب، حيث رسم ثنائيتين: الأولى كما أسقطنا عاصفة الجنوب سنسقط عاصفة الشمال، وما خسرناه في حلب يُقاس بما كبّدناه لأعدائنا، فقدنا ستة وعشرين وكبّدناهم ستمئة وسبعة عشر، وحشدوا الآلاف والدبابات والملالات والمدافع بحدود تركية مفتوحة وقاتلناهم بالمئات وباقون وسننتصر، لأنها آخر حروبهم، ومنها يكتب مصير سورية والعراق واليمن ولبنان والمنطقة.
توقف السيد نصرالله أمام العقوبات الأميركية المالية ضد حزب الله فقال بوضوح قاطع إنها لا تعني الحزب ولا تؤثر على ماليته، لكنه لن يسمح بأن يُستهدَف الناس الذين ينتمون لبيئته ومَن يناصرون مواقفه في لقمة عيشهم ومصادر رزقهم، ولا أن تُستهدف الجمعيات الإنسانية والخيرية في حساباتها، بينما خصص مساحة من كلمته للحديث عن إطلاق النار في المناسبات الاحتفالية والشخصية والعائلية ليعلن قراراً حزبياً بطرد كل حزبي يطلق النار في الهواء ابتهاجاً أو حزناً أو غضباً، لأن هذا العمل المشين ينفي استحقاق أيٍّ كان ومهما كانت تضحياته وسيرته ليحمل صفة الانتماء لحزب الله.
عن البحرين، قال السيد نصرالله إن العبث بناره بلغ مرحلة الخط الأحمر مع سحب الجنسية عن الشيخ عيسى قاسم زعيم المعارضة، متهماً السعودية بالوقوف وراء القرار خشية انتقال عدوى الانتفاضة السلمية طلباً للإصلاح إلى السعودية. وقال إن القرار بطبيعة الرد على الخطوات العدوانية لسلطات البحرين يبقى لعلمائه في تحديد كيفية التصرف، لكنه حذر من انفلات الأمور من تحت السيطرة بوجود شباب غاضب مستعدّ للتضحية تقفل أمامه كل الأبواب.
أعاد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله تحديد قواعد الصراع في سورية. أكد المضي في المواجهة في أي ساحة تتطلّب القتال، والثقة من الانتصار مهما عظمت التضحيات. شدد خلال الحفل الذي أقامه حزب الله بمناسبة ذكرى أربعين الشهيد القائد السيد ذوالفقار ببساطة كلية على أن قراره في مواجهة المجموعات الإرهابية، وأنه سيكون حيث يجب أن يكون، هو قرار سيستمر نفاذه بكل قوة ومن دون تراجع. ركّز السيد في خطابه على ثلاثة عناوين أساسية: حلب ــــ المصارف ــــ البحرين.
.. والعلاقة مع سلامة خاضعة لتفاوض إيجابي
قسم كلامه عن القانون الأميركي وتعاطي المصارف معه إلى جزءين. رأى أن العلاقة بين الحزب وحاكم البنك المركزي رياض سلامة خاضعة لتفاوض إيجابي وتفاهمات بينما عبر عن العلاقة بين حزب الله وبعض المصارف بقسوة واستعمل فيها لغة تحذيرية تضمّنت عبارات لن نسمح ولن نقبل.. وهذا له دلالاته ويُبنى عليه.
وكما أسس بيان كتلة الوفاء للمقاومة أول أمس، لمهاجمة بعض المصارف وتحييد مصرف لبنان، ألمح السيد نصر الله بشكل ضمني إلى الانفتاح على الحوار مع الحاكم المركزي، وفي الوقت نفسه تحدّث بنبرة عالية، عندما أشار إلى رفضه سلوك بعض المصارف. وهنا تطرح أسئلة كثيرة كيف سيكون سلوك الحزب في مواجهة عملية الرفض؟ وما هي الأوراق التي سيلعبها كي تتراجع بعض المصارف عن عدوانيتها على بيئة المقاومة الحاضنة وجمهورها؟
دعا السيد نصر الله كل مَن تواطأ وتآمر بحق حزب الله من الأميركي والمصارف أن «يعيد حساباته وإلا». أكد أن حزب الله لن يتأثر، ولن يسمح بأن تتأثر بيئته الحاضنة. وهذه البيئة ليست فقط من الشيعة إنما في كل الطوائف، وسيكون هناك تداعيات خطيرة، إذا وصلت الأمور إلى المسّ بجمهور المقاومة. علماً أن السيد نصر الله سخر إلى أبعد مدى من تأثير القانون على مالية حزب الله وأفصح عن معادلة بسيطة «مَن ينقل الصاروخ إلى حزب الله ينقل المال». وأوضح «أن تمويل حزب الله ورواتب حزب الله وسلاح حزب الله يأتي من إيران وطالما أن في إيران يوجد أموال فنحن لدينا أموال»، وأضاف «المال المقرّر لنا يصل إلينا وليس عبر المصارف وكما وصلت لدينا الصواريخ كذلك الأموال تصل إلينا ومن يعترض فليشرب من البحر المتوسط». وتابع القول «كل مصارف الدنيا لا تستطيع أن تعيق وصول الأموال إلينا وعندما كانت العقوبات كانت أموالنا تصل إلينا». وأردف قائلاً «نحن لا نخاف على أنفسنا. نحن فقط نخاف على أهلنا وناسنا وشعبنا وأن لا يُستهدف أهلنا». وأضاف «هناك مصارف كانت أميركية أكثر من الأميركيين. وهم وسّعوا اللائحة وهناك مصارف لاحقت أقارب أي فرد بحزب الله»، معتبراً أن «الاعتداء على شريحة واسعة من اللبنانيين يدمّر الاقتصاد اللبناني ويدمّر النظام المصرفي في لبنان. وهذا مسؤولية بعض المصارف»، وكاشفاً أن «هناك لبنانيين ذهبوا إلى واشنطن وحرّضوا على هذا الملف، وهناك أعداء حرّضوا على إصدار القانون الأميركي».
بدا السيد حسن نصر الله في إطلالته أمس، هادئاً ذا معنويات عالية يتكلم بثقة عالية، مستهزئاً بكل من كتب مقالاً أو قام بإعلام يسيء إلى حزب الله، مبيناً تفاهتهم وصلابة الحزب وقوته. توجّه إلى تيار المستقبل والى الرئيس سعد الحريري من دون أن يسمّيه أن حزب الله لا يعاني من أزمة مالية، بل على العكس فالحزب تحول من قوة محلية إلى قوة إقليمية في حين أن الآخرين هم مَن يعانون من أزمة مالية.
.. وحلب الحسم والتثبيت
فاجأ السيد نصر الله في مواقفه العملانية الكثيرين، خاصة لجهة دور حزب الله في المعركة الدفاعية ضد تنظيم داعش الإرهابي في العراق. لأول مرة يتحدث الأمين العام لحزب الله بصراحة عن حزب الله كقوة إقليمية، ولو أن الأمر أتى بطريقة كشف الأسرار عن تاريخ ذو الفقار وكيف استنجد العراقيون بالسيد نصر الله في تلك الليلة وأرسل فريقاً من كادراته وقياداته بأقل من ليلة إلى العراق. هذا الإجهار العلني للحضور المؤثر للحزب في الساحات الإقليمية يتضمّن تحدياً لكل الخطاب الداخلي الذي يواجه حزب الله.
غمز من قناة الروس بالمباشر، عندما قال «نحن أفشلنا معركة دمشق وغزوة الجنوب ومعركة القصير ومعركة القلمون وصمدنا نحن والرئيس السوري بشار الأسد والحلفاء أربع سنوات قبل التدخّل الروسي». ولفتت مصادر مطلعة لـ «البناء» إلى «أن حزب الله يعتبر أن كل المعارك الأخرى جانبية وغير أساسية، لكن معركة حلب هي معركة الحسم والتثبيت ومعركة هزيمة المشروع التركي السعودي الأميركي المشابهة لهزيمة المشروع في حرب تموز».
.. والمنطقة تُحمى من حلب
واعتبر السيد نصر الله أن معركة حلب هي معركة طاحنة يتمركز فيها الصراع الكوني والحرب الكونية على سورية. واعتبر أن المنطقة تُحمى من حلب، فالقتال للدفاع عن حلب اليوم هو دفاع عن لبنان وسورية والعراق وهو دفاع عن الأردن. ولأجل ذلك كان جريئاً وشجاعاً وواضحاً عندما قال إن لحزب الله أعداداً كبيرة من المقاتلين في حلب، لأن هذه المدينة اليوم هي المعركة الرئيسية. وأكد «أن عددنا في حلب كبير على قدر المعركة، وليس عدداً صغيراً، لأن المعركة تستوجب ذلك»، وشدّد على أن «الذين يتحدثون عن أن حزب الله تلقى ضربة في حلب هم يخترعون الكذبة ويسوقون لها». وكشف عن أن «هناك 26 شهيداً وأخ أسير وآخر مفقود لحزب الله، منذ أول حزيران في حلب مقابل 617 قتيلاً للجماعات المسلحة بينهم عشرات القادة الميدانيين وبعض القادة الكبار وأكثر من 800 جريح وتم إعطاب 80 دبابة وآلية عسكرية ولم نتحدث عن مخازن ومواقع وغيرها».
تحدّث السيد نصر الله عن وجود بعض المسلحين في جرود عرسال يشكلون تهديداً، و«يقومون بتحضير سيارات مفخخة «هم مش حالّين»، لأنهم مازالوا يشتغلون بالسيارات المفخخة». وأشارت مصادر مطلعة لـ «البناء» إلى أن كلام السيد يفسر الإجراءات الأمنية والحواجز لحزب الله المنتشرة ليلاً نهاراً منذ أكثر من 48 ساعة»، بالتنسيق مع الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية المعنية.
.. والصراع مع المملكة في ذروة الاشتباك
وحول البحرين، شن السيد نصر الله حملة عنيفة على آل سعود وآل خليفة وأظهر حاكم البحرين بأنه مجرد خادم بسيط لدى آل سعود، عندما قال «لا يوجد في البحرين آل خليفة بل يوجد ارتهان لـ آل سعود»، مؤكداً مسؤولية الطبقة الحاكمة الحالية في السعودية عن الجرائم التي ترتكب في البحرين واليمن وسورية والعراق، حيث إن هذا الطاقم الذي تولى السلطة بعد وفاة الملك عبد الله لا يقبل بأي نوع الحوار أو الإصلاح السياسي. وأثبت أن مخاطبة المملكة لا زالت في لحظة ذروة الاشتباك وبالتالي أي رهان على قراءة مختلفة عن هذا الواقع المشخص بدقة في قلب مفردات الخطاب هي عبارة عن أوهام.
الحريري في طرابلس
بدأ الرئيس سعد الحريري اليوم زيارة للشمال تستمر ثلاثة أيام، وقد رعى مساء أمس إفطاراً في معرض رشيد كرامي الدولي حضره الرئيس نجيب ميقاتي والنائب محمد الصفدي والوزير السابق فيصل كرامي، فيما غاب عنه الوزير أشرف ريفي.
وأكد الحريري أنه لم يأتِ إلى طرابلس كي يعاتب أهلها، قائلاً: «لم آت إلى طرابلس كي أعاتبكم بل كي أحترم صوتكم وإرادتكم. نحن من مدرسة الديمقراطية، وعندما تنتخب طرابلس مجلسها البلدي فنحن نتعاون مع هذا المجلس، لمصلحة طرابلس». ومن معرض رشيد كرامي انتقل الحريري إلى منزل الرئيس ميقاتي، حيث عقدت خلوة في الميناء، في حضور النائب احمد كرامي، النائب السابق غطاس خوري والسيد نادر الحريري. وتم خلال اللقاء عرض التطورات الراهنة في لبنان والمنطقة.
انتقائية الإنماء والإعمار
خصص مجلس الوزراء جلسته أمس، لبحث المشاريع التي يقوم بها مجلس الإنماء والإعمار، شارك فيها وزير العمل سجعان قزي وقرّر مجلس الوزراء الطلب من جميع الوزارات تزويد مجلس الإنماء والإعمار خلال خمسة عشر يوماً بما لديها ولدى المؤسسات العامة المرتبطة بها من مشاريع تم تنفيذها أو هي قيد التنفيذ ووضعيتها القطاعية والمناطقية، وذلك اعتباراً من العام 2008 حتى تاريخه.
وعلمت «البناء» أن النقاش انحصر في المشاريع التي ينفذها مجلس الإنماء والإعمار، ولم يتم التطرق إلى أي من الملفات الخلافية الساخنة لا سيما أمن الدولة والنفايات التي تؤجل من جلسة إلى جلسة، تجنباً للخلافات السياسية التي قد تؤدي إلى تفجير الحكومة بعد تعرّضها للانتكاسة الأخيرة بانسحاب وزيرَي الكتائب.
وإذ أشارت مصادر وزارية لـ «البناء» إلى «أنه يفترض أن تقرر الحكومة المشاريع الإنمائية، وأن ينحصر عمل مجلس الإنماء والإعمار عمله بالتنفيذ، مستبعدة استجابة رئيس الحكومة لبعض الأصوات المطالبة بإلغاء مجلس الإنماء والإعمار»، مؤكدة «أن أحداً لم يطلب من الوزراء إلغاء هذا المجلس». ولم يتخلل الجلسة «أي سجال أو مشاحنات بين الوزراء بعكس الجلسات السابقة، ولم يفصح الرئيس سلام عن موقفه حيال هذا الملف بل اكتفى بالاستماع إلى آراء الوزراء وأدار الجلسة بحكمة كبيرة».
وقال الوزير قزي لـ «البناء» إن «النقاش دار حول الانتقائية التي يتصرف بها مجلس الإنماء والإعمار في توزيع المشاريع وتنفيذها بين المناطق اللبنانية، حيث يتم مشاريع على الورق في مناطق متعددة، لكن لا ينفذ منها إلا في مناطق محددة لا سيما في بيروت وطرابلس ويتم إهمال مناطق أخرى، ما يشكل ضرباً للإنماء المتوازن».