أوكرانيا بين التسوية والحلّ العسكري
حميدي العبدالله
تزامن عقد اجتماع على مستوى وزراء الخارجية ضمّ وزراء خارجية روسيا وألمانيا وأوكرانيا لبحث الأزمة والبحث عن حلّ سياسي، مع نجاح قوات الدفاع الشعبي في المناطق الشرقية من أوكرانيا بإسقاط طائرة ميغ 29 أوكرانية وتدمير عدد كبير من الآليات، كما تزامن مع تقارير غربية تشير إلى تدفق دعم عسكري قدّمته روسيا لقوات الدفاع الشعبي في مناطق شرق وجنوب أوكرانيا.
ومما لا شك فيه أنّ هذه التطورات عكست من جديد استمرار السباق بين الحلّين السياسي والعسكري للأزمة القائمة في أوكرانيا، وفي ضوء هذه التطورات يمكن استخلاص الآتي:
أولاً: روسيا التي فضّلت منذ البداية الحلّ السياسي في إطار الحفاظ على وحدة أوكرانيا، الشعب والمؤسسات، والتي تمنّت على سكان المقاطعات الشرقية عدم المضيّ في الاستفتاء على الانفصال، روسيا هذه أيضاً لم ولن تسمح بأن تنتصر حكومة كييف وحلفاؤها الغربيون على سكان هذه المقاطعات، لأنّ هذا النصر يشكل هزيمة لروسيا أيضاً.
ثانياً: روسيا لا ترغب وليس لديها مصلحة في التورّط العسكري المباشر على غرار ما حصل في القرم أو جورجيا عام 2008، لأنّ التدخل العسكري المباشر سيطيح بكلّ علاقاتها مع الدول الغربية، وهذا خيار تتجنّبه روسيا لأسباب سياسية واقتصادية، وهي على قناعة تامة بأنه لا يصبّ في مصلحتها.
ثالثاً: تمتلك روسيا أوراق قوة كثيرة تمكّنها من تحقيق أهدافها في أوكرانيا والحفاظ على مصالحها من دون الانجرار إلى حرب مباشرة يسعى الغرب إلى توريط روسيا بوحولها في محاولة منه لاستنزافها، وتتمثل هذه الأوراق بأربع رئيسية…
ـ الورقة الأولى: مدّ قوات الدفع الشعبي بالأسلحة والمشورة التي تؤهّلها للصمود وخوض حرب استنزاف ضدّ حكومة كييف.
ـ الورقة الثانية: الرهان على صلابة الدعم والتأييد الشعبي لها في المقاطعات الجنوبية والشرقية التي تكنّ عداءً شديداً لحكام كييف الجدد.
ـ الورقة الثالثة: هي الورقة الاقتصادية إنْ لجهة الغاز ومصادر الطاقة أو لجهة حجم التبادل التجاري بين أوكرانيا وروسيا، حيث أنّ أيّ قطيعة كاملة بين البلدين تتضرّر منها أوكرانيا أكثر من تضرّر روسيا من هذه القطيعة.
ـ الورقة الرابعة: إنّ ما يجري في أوكرانيا بات استنـزافاً للغرب بقدر ما هو استنزاف لروسيا، وثمة تعادل في الضرر الناجم عن تداعيات الأزمة الأوكرانية.
مجمل هذه المعطيات تؤكد أنّ احتمالات الحسم العسكري الذي تراهن عليه كييف وحلفاؤها الغربيون هو احتمال ضعيف، والاستمرار في هذا الخيار هو أشبه بالانتحار الذاتي.
وهذه المعطيات تؤكد أيضاً أنّ مصلحة كييف والغرب التعامل بإيجابية مع عروض روسيا لإيجاد حلّ سياسي للأزمة الأوكرانية.